تعرف على رأي الشعب التونسي في الدستور

متن نيوز

 

بينما يتأهب الرئيس التونسي قيس سعيد، لإعادة صياغة الدستور عقب تعليقه للبرلمان الصيف المنصرم، عرض على التونسيين "استشارة" وطنية متعددة الخيارات على الإنترنت.

 

 قال إنها ستكون منطلقًا رئيسيًا في التعديلات الجوهرية التي ينوي إدخالها تحت شعار "السيادة للشعب".

 

وأقال سعيد، البرلمان المنتخب في يوليو، وقال إنه سيحكم بمراسيم. وفي ديسمبر أعلن أنه سيعين لجنة لإعادة كتابة الدستور بناء على استشارة مباشرة من الشعب وسيطرحه للاستفتاء في يونيو على أن تنظم انتخابات برلمانية في نهاية العام الحالي.

 

وقال إن الشعب هو من سيقرر مصيره بنفسه بدلًا من قوانين وُضعت على مقاس من كانوا في الحكم طيلة السنوات الماضية، وبينما ينظر منتقدوه إلى تحركاته على أنها انقلاب يهدد الديمقراطية الناشئة التي انتصرت في ثورة 2011، فإنه يضعها في إطار إنهاء عقد من الركود السياسي والاقتصادي على أيدي نخبة فاسدة حكمت لتخدم مصالحها الذاتية على حساب الشعب.

 

وقال الرئيس في يناير، "مستقبل تونس في أيدي التونسيين ومشاركتهم المكثفة هي التي ستمهد الطريق لمرحلة جديدة في تاريخ تونس تقوم على الإرادة الشعبية الحقيقية وليس على الشرعية الوهمية".

 

وقالت أحزاب ومنظمات، إن الاستشارة لا يمكن أن تكون بديلًا عن حوار لتقرير الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي تحتاجها البلاد للخروح من أزمتها الخانقة.

 

 

ويتهم بعض الأحزاب والمنظمات سعيد، الذي كان أستاذًا في القانون الدستوري قبل أن يدخل معترك السياسة، بالحكم المسبق على النتائج وبأنه لا يتطلع سوى لفرض مشروعه السياسي عبر الاستشارة.

 

وفي يناير الماضي وبعد أسابيع فقط من إطلاق الاستشارة قال سعيد خلال مجلس للوزراء، إنه من الواضح بالفعل أن الناس يريدون نظامًا رئاسيًا. ويقول الطالب كريم صقيع، "أعتقد أن تونس ستنتهج سياسة الرجل الواحد، لذا أنا لست متحمسًا لأي مشاركة في الاستشارة".

ويرى معارضو سعيد والمانحون الأجانب الرئيسيون لتونس أن أي عملية شاملة حقًا يجب أن تشمل جميع اللاعبين السياسيين الرئيسيين في البلاد وتتوج بإصلاحات تحظى بوفاق وطني وشعبي.

 

وحظي دستور 2014، الذي ألغى سعيد جانبًا منه بإشادة غربية واسعة في ذلك الوقت باعتباره انتصارًا للتوافق بين الفرقاء الإسلاميين والعلمانيين مما ساعد في تجنب فترة من الاستقطاب الخطير.

 

ولاقى الدستور الحداثي آنذاك إجماعًا من كل الخصوم وتم التصويت عليه بأغلبية كبيرة. لكن سعيد يقول إن الدستور "كله أقفال" وإن من صاغوه أعدوه على المقاس.

 

ومع ذلك، كان النظام البرلماني والرئاسي المختلط الذي أقره الدستور عرضة للشلل وزاد تعقيد الأوضاع في البلاد مع تشتت السلطة بين البرلمان ورئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. وطيلة سنوات فشل السياسيون المتصارعون في إنشاء محكمة دستورية كانت ستحل الخلافات.

 

عندما فاز سعيد، القادم من خارج المنظومة، بأغلبية ساحقة في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في عام 2019، اعتُبرت النتيجة رفضًا للطبقة السياسية بأكملها في تونس وتطلعًا لإصلاحات جوهرية.

وعلى عكس أغلبية النخبة السياسية، يرفض سعيد الحوار مع الأحزاب حول الإصلاحات ويعتبر أن لا فائدة ترجى من حوار عقيم يعيد المنظومة السابقة للحكم. ويرى أن حواره يكون مع الشعب من خلال الاستشارة.

 فتور وعزوف

في يوم بارد وممطر قريب من جامعة المنار بتونس، أقام مجموعة من المتطوعين الموالين لسعيد كشكًا على شرفة مقهى مع لافتات ومكبرات صوت لتشجيع الناس على التسجيل في الاستبيان لكن بدا أن عدد المهتمين قليل للغاية.

المتطوعون كان يتجولون أمام الجامعة وقرب المتاجر محاولين توزيع المنشورات وإقناع المارة بالمشاركة.

وشاهد صحفيون كانوا هناك لمدة ساعة قلة من الناس يقبلون على التسجيل.

وبينما تقول أحزاب المعارضة، إن الإقبال الضعيف يُظهر أن شعبية سعيد تتآكل، يرى مراقبون ومنظمات أن المشاركة الضئيلة التي لم تتجاوز 5٪ قد تعصف أصلًا بمصداقية الاستشارة وتجعل اعتماد نتائجها مثار جدل واسع.

ويرفض أنصار سعيد هذا القول ويرون أن الشعب يقول كلمته لأول مرة بشكل شفاف وأنه يتطلع لترجمه رؤيته في الدستور المقبل لتونس.

يقول أحمد كوكي أحد مناصري سعيد وهو يوزع منشورات تروج للاستشارة، "نتوقع أن يزداد العدد بشكل أكبر في الأيام المقبلة. لكن بالنهاية لا يهم كم شارك. لقد ظلت نخبة سياسية صغيرة تقرر مكان الشعب طيلة العقد الماضي. الآن الكلمة للتونسيين مباشرة".

ويضيف "تطوعنا لأنه للمرة الأولى في تاريخ تونس تتم استشارة الناس مباشرة بشأن القضايا الحيوية ولم يعد يتم إسقاطها من قبل السياسيين والأحزاب".

ومن المحاور المطروحة سؤال عما إذا كان النظام السياسي الرئاسي أو البرلماني أو المختلط هو الأفضل، وآخر ما إذا كان ينبغي للدولة إعطاء الأولوية للإصلاح الانتخابي أم ترك الأمور كما هي. وطرحت عدة أسئلة أخرى تتناول القضايا الاقتصادية والاجتماعية.

الترويج للاستشارة لم يقتصر على المتطوعين، إذ انضم عدد من المسؤولين على المستويين المحلي والجهوي للحملات وتنقلوا في الأسواق والشوراع والمراكز الثقافية وحتى أماكن السكن الجامعي.

وانضمت بعض الشركات المملوكة للقطاع العام للترويج للاستشارة من خلال حملة دعائية مما أدى في بعض الأحيان إلى موجة من السخرية على وسائل التواصل الاجتماعي.

ورغم توسيع دائرة المشاركة لتضم الشبان الذين تبلغ أعمارهم 16 عامًا وتوسيع الترويج للاستشارة في التلفزيون العمومي ظل الإقبال ضعيفًا.

وفي برنامج ديني بالتلفزيون العمومي دعا رجل دين إلى الإقبال على المشاركة في الاستشارة قائلًا إنه يجب استغلال فرصة استشارة التونسيين لكي يبينوا مواقفهم.

ومع ذلك فإن أنصار الرئيس يقولون إن الإعلام عمومًا يتجاهل الاستشارة عمدًا رافضين انتقادات بتوظيف أجهزة الدولة ومعتبرين أنها استشارة للدولة وليست استشارة لفرد واحد.

وبينما برر وزير الشباب التونسي كمال دقيش الإقبال الضعيف على الاستشارة بمشاكل تقنية وضعف خدمة الإنترنت في بعض المناطق الداخلية، فقد وجه سعيد سهام نقده للمعارضة وقال إن المنظومة السابقة تحاول إجهاض الاستشارة.

وفي مسعى للتحفيز على المشاركة دعا سعيد رئيسة الحكومة نجلاء بودن في بيان نشرته الرئاسة إلى إتاحة الربط المجاني بالإنترنت للمستخدمين هذا الأسبوع.

ولكن بعض التونسيين ردوا على عرض الرئيس بتعليقات ساخرة تحت البيان الذي نشر في صفحة الرئاسة في فيس بوك قائلين، "سيدي الرئيس نريد الدقيق..نحن أونلاين بالفعل ولدينا الإنترنت" و"إنترنت بلاش والزيت ما فماش؟ (انترنت مجانية والزيت مفقود؟)".

بالنسبة للعديد من التونسيين، يبدو أن تعديل الدستور من جانب سعيد منفصل تمامًا عن واقعهم اليومي المتمثل خاصة في تفاقم البطالة وارتفاع الأسعار ونقص حاد في عدة سلع رئيسية وأدوية حيث تلوح في الأفق أزمة في المالية العامة.