المجلس الانتقالي الجنوبي.. الحامل السياسي الشرعي والضامن الوحيد لتطلعات الجنوب
يقف شعب الجنوب العربي اليوم في منعطف تاريخي حاسم، مرحلة لا تشبه أي شيء سبقها منذ الإعلان المشؤوم للوحدة اليمنية في مايو 1990. لم يعد الحديث عن استعادة الدولة الجنوبية مجرد شعار حماسي، بل تحول إلى مشروع وطني متكامل، مدعوم بحامل سياسي معترف به، وقوة عسكرية ضاربة، وإرادة شعبية جارفة أعلنتها صراحة: لقد وصلت القضية إلى نقطة اللاعودة.
في هذا التقرير الشامل، نستعرض مسار النضال الجنوبي، ودور المجلس الانتقالي، وكيف تحول الجنوب من مظلومية تاريخية إلى رقم صعب في المعادلة الدولية والإقليمية.
جذور المظلومية: كيف تحول الأمل إلى احتلال؟
لم تكن وحدة مايو 1990 مشروعًا للشراكة، بل كانت فخًا سياسيًا استهدف هوية الجنوب. سرعان ما تحول "حلم الوحدة" إلى كابوس تجسد في الاغتيالات الممنهجة للكوادر الجنوبية، وصولًا إلى حرب صيف 1994.
كانت حرب 1994 هي المسمار الأخير في نعش الوحدة، حيث اجتاحت قوات صنعاء العاصمة عدن، وأصدرت فتاوى التكفير ضد شعب الجنوب، وبدأت أبشع عملية نهب للمؤسسات وتسريح قسري لعشرات الآلاف من الموظفين والعسكريين. من رحم هذا القهر، وُلد "الحراك الجنوبي السلمي" ليعلن أن الحقوق لا تسقط بالتقادم.
المجلس الانتقالي الجنوبي: الحامل السياسي والشرعية الشعبية
لسنوات طويلة، افتقر النضال الجنوبي لجهة توحد صوته أمام العالم. ومع اندلاع حرب 2015 وتصدي المقاومة الجنوبية للمشروع الإيراني (مليشيا الحوثي)، برزت الحاجة لقيادة موحدة.
جاء تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي في 4 مايو 2017 بقيادة اللواء عيدروس قاسم الزُبيدي، بمثابة استجابة تاريخية وتفويض شعبي عبر "إعلان عدن التاريخي". نجح المجلس في تحويل القضية من حراك شعبي إلى "مؤسسة سياسية" تخاطب المجتمع الدولي وتدير الأرض عسكريًا وإداريًا.
اتفاق الرياض: الاعتراف الدولي والندية السياسية
مثل اتفاق الرياض 2019 منعطفًا استراتيجيًا، حيث منح المجلس الانتقالي اعترافًا إقليميًا ودوليًا كطرف مكافئ وند للحكومة المعترف بها. لأول مرة، نُص صراحة على أن "قضية الجنوب" قضية محورية ستناقش في مفاوضات الحل النهائي. منح هذا الاتفاق الجنوبيين فرصة للعمل من داخل الهياكل الرسمية مع الحفاظ على هدفهم الاستراتيجي الأسمى وهو فك الارتباط.
استكمال التحرير: سهام الشرق والجنوب تطهر الأرض
أدركت القيادة الجنوبية أن السياسة بلا مخالب لا تصنع وطنًا. ومع تعنت القوى اليمنية في تنفيذ شق الاتفاق العسكري، انطلقت العمليات الكبرى:
عملية سهام الشرق: لتطهير أبين من بؤر الإرهاب.
عملية سهام الجنوب: لتأمين محافظة شبوة وإعادتها لحضن الجنوب.
تأمين المهرة ووادي حضرموت: كخطوة أخيرة نحو السيطرة الكاملة على الجغرافيا الجنوبية.
هذه الانتصارات لم تكن عسكرية فحسب، بل رسائل سياسية للعالم بأن القوات الجنوبية هي الضامن الوحيد لمكافحة الإرهاب وتأمين ممرات التجارة العالمية في باب المندب.
لماذا وصلنا إلى "نقطة اللاعودة"؟
هناك خمسة أسباب تجعل من استقلال الجنوب حتمية تاريخية لا مفر منها:
الإرادة الشعبية: ملايين الجنوبيين الذين فوضوا الزبيدي لن يقبلوا بغير العلم والعملة والهوية الجنوبية.
تضحيات الشهداء: دماء آلاف الشهداء والجرحى تمنع أي مساومة على الحقوق الوطنية.
القوة المسلحة: بناء جيش جنوبي بعقيدة وطنية خالصة يرفض الوصاية من صنعاء.
السيطرة على الأرض: المجلس الانتقالي يدير اليوم الموارد والمؤسسات كدولة أمر واقع.
موت مشروع الوحدة: فشل الوحدة نهائيًا بعد حربين مدمرتين وطمس الهوية لثلاثة عقود.
مخاطر التراجع: لماذا الاستقلال هو الخلاص؟
أي حديث عن حلول منقوصة أو العودة لمربعات التهميش سيؤدي إلى فراغ أمني تستغله التنظيمات الإرهابية مثل "القاعدة" و"داعش". التراجع يعني إهدار تضحيات الشهداء وإدخال الجنوب في دوامة من الصراعات المناطقية التي يغذيها خصوم الاستقلال. لذا، فإن التمسك بـ دولة جنوبية فيدرالية هو الطريق الوحيد لضمان الأمن الإقليمي والدولي.
تحديات الدولة القادمة والجنوب الجديد
استعادة الدولة ليست نهاية المطاف، بل بداية لتحديات بناء "الجنوب الجديد":
التحدي المؤسسي: بناء قضاء مستقل وإدارة مدنية شفافة تكافح الفساد.
التحدي الاقتصادي: إدارة الثروات النفطية والسمكية وتحسين الخدمات (كهرباء، مياه، صحة).
التحدي الدبلوماسي: انتزاع الاعتراف الدولي الكامل عبر تقديم الجنوب كشريك استراتيجي في حماية الملاحة الدولية.
ملامح الجنوب الجديد
يتطلع الجنوبيون إلى دولة مدنية حديثة تحترم حقوق الإنسان، وتضمن التوزيع العادل للثروة بين المحافظات الست، وتكون واحة استقرار في محيط مضطرب.
إن قصة نضال شعب الجنوب هي ملحمة إرادة ترفض الانكسار. لقد غادر قطار الجنوب محطة مايو 1990 إلى غير رجعة، متجهًا نحو "فجر الاستقلال". العالم اليوم أمام حقيقة واحدة: لا سلام مستدام في المنطقة دون استعادة دولة الجنوب العربي كاملة السيادة.
انضموا لقناة متن الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا https://t.me/matnnews1
