الإثنين 15 ديسمبر 2025
booked.net

جهود مكافحة الإرهاب: الضربات النوعية تتصدى لتحركات تنظيم القاعدة في اليمن

تنظيم القاعدة في
تنظيم القاعدة في اليمن

مع تفاقم صنوف التحديات الأمنية والسياسية التي تواجه المنطقة، تظل الحرب على الإرهاب واحدة من أهم المعارك المصيرية التي يتم خوضها من أجل ترسيخ فرص الاستقرار والأمن في أرجاء البلاد. ففي خضم هذا المشهد المُعقد، حيث تستغل التنظيمات المتطرفة أي فراغ أمني لإعادة تنظيم صفوفها، تبرز أهمية الضربات النوعية والمُركزة التي تستهدف قيادات وبنى هذه الجماعات.

ويشهد اليمن، على وجه الخصوص، استمرارًا في الجهود الدولية والمحلية لمكافحة تنظيمات مثل القاعدة في جزيرة العرب (AQAP)، الذي يُعدّ من أخطر فروع التنظيم عالميًا. هذه التنظيمات لا تُهدد الأمن الداخلي فحسب، بل تُشكل خطرًا على الممرات البحرية الدولية وخطوط التجارة، مما يرفع من أهمية المعركة ضدهم إلى مستوى إقليمي وعالمي.

 استهداف نوعي: غارات مأرب تضرب قلب تحركات القاعدة

في خطوة نوعية أثارت الكثير من التفاعل والاهتمام، سُجلت مؤخرًا عملية استهداف دقيقة ومُركزة في محافظة مأرب النفطية. فقد استهدفت ضربة جوية، يُعتقد أنها شُنت بواسطة طائرة دون طيار أمريكية، دراجة نارية كان يستقلها عنصران من تنظيم القاعدة في مديرية وادي عبيدة، وتحديدًا في بلدة "الحضن" شرقي المحافظة. وأحدثت الغارة انفجارًا كبيرًا، ما يُشير إلى أهمية الهدف وفعالية العملية.

هذه العملية لا تُعدّ معزولة، بل تندرج ضمن سلسلة من الاستهدافات التي تهدف إلى شل حركة التنظيم وتفكيك شبكاته. ففي 29 نوفمبر الماضي، سبقتها غارة مماثلة استهدفت القيادي العسكري البارز في التنظيم، منير بجلي الأهدل، المكنّى بـ "أبو الهيجاء الحديدي"، عندما كان يستقل دراجة نارية في بلدة الحصون بمأرب أيضًا. تكرار استخدام الدراجات النارية كوسيلة للتنقل من قبل قيادات وعناصر التنظيم يدل على محاولتهم التخفي في المناطق الوعرة، إلا أن هذه الضربات أثبتت القدرة على تتبعهم واستهدافهم بفعالية.

توسع نطاق العمليات: ضرب البنية التحتية في شبوة

الجهود لم تقتصر على مأرب فحسب، بل امتدت لتشمل مناطق أخرى تُعدّ معاقل تقليدية للقاعدة. ففي 9 نوفمبر، ضربت غارتان أمريكيتان هدفين حيويين للتنظيم في محافظة شبوة، على الحدود مع البيضاء. استهدفت الغارات مخزن سلاح وورشة لتصنيع المتفجرات تابعة لتنظيم القاعدة في بلدة "خورة" بمديرية مرخة السفلى.

إن استهداف هذه البنية التحتية له أهمية قصوى:

قطع الإمدادات: تدمير مخازن السلاح يحدّ بشكل مباشر من قدرة التنظيم على شن هجمات كبيرة أو توسيع نطاق عملياته.

تجفيف مصدر التهديد: تدمير ورش تصنيع المتفجرات يعني نزع الأدوات الرئيسية التي يستخدمها التنظيم لتنفيذ العمليات الإرهابية الانتحارية والعبوات الناسفة التي تُشكل خطرًا كبيرًا على القوات الأمنية والمدنيين على حدٍ سواء.

تُعدّ هذه الضربات خطوة ذات أثر مباشر ومُتراكم في الحد من قدرة التنظيم على إعادة تنظيم صفوفه أو استعادة نشاطه في المناطق التي يستغل فيها حالة الاضطراب الأمني.

 الأثر الاستراتيجي للضربات: شل الحركة العملياتية

تُمثل الضربات الأمريكية ضد مواقع تنظيم القاعدة جزءًا لا يتجزأ من جهود مكافحة الإرهاب التي تتطلب تنسيقًا دوليًا واسعًا. إن الطبيعة العابرة للحدود للتنظيمات المتطرفة، التي تتحرك عبر شبكات معقدة، تجعل من الصعب على أي طرف مواجهتها بشكل منفرد.

تبرز أهمية هذه الضربات في كونها تُحقق عدة أهداف استراتيجية:

تفكيك البنية العملياتية: تضرب هذه العمليات القدرة اللوجستية والقيادية للتنظيم، وتُعيق قدرته على التخطيط للهجمات وتنفيذها. هذا يُقلل من التهديد المُباشر لأمن السكان المحليين.

حماية الممرات الحيوية: من خلال إضعاف القاعدة في المناطق القريبة من السواحل والممرات المائية، تُساهم هذه العمليات في تأمين الممرات البحرية وخطوط التجارة الدولية، وهو ما يُعدّ مصلحة عالمية مُشتركة.

منع التجنيد وتوسيع النفوذ: تمنع هذه العمليات تنظيم القاعدة من استغلال الفراغات الأمنية لفرض نفوذه أو تجنيد عناصر جديدة، حيث يُصبح التنظيم أقل جاذبية في ظل استهداف قياداته وبنيته التحتية بشكل مستمر. هذا عامل مُهم في دعم الاستقرار الإقليمي.

تخفيف الضغط على القوات المحلية: توفر هذه الغارات الدعم اللازم للقوات المحلية التي تُكافح التنظيم على الأرض، مما يُمكنها من استعادة السيطرة على المناطق المحررة وترسيخ الأمن.

 الدعوة إلى تضامن دولي شامل لمكافحة الإرهاب

على الرغم من الأهمية الكبيرة للضربات الجوية النوعية في إضعاف القدرة العملياتية لتنظيم القاعدة، فإن هذه الجهود وحدها لا يمكن أن تكون كافية للوصول إلى دحر كامل للإرهاب. إن المعركة ضد التنظيمات المتطرفة تتطلب رؤية شاملة وتضافر جهود على جميع الأصعدة.

الإرهاب بات تهديدًا عالميًا يتجاوز تأثيره حدود بلدٍ بعينه، ولا يمكن محاصرته أو القضاء عليه بالحل الأمني أو العسكري فقط. بل يتطلب ذلك:

التضامن السياسي: توحيد المواقف الدولية الرافضة للإرهاب ودعم الحكومات الشرعية في جهودها لاستعادة الاستقرار.

التنسيق الأمني والاستخباراتي: تبادل المعلومات وتنسيق العمليات بين الدول لمنع تسلل الإرهابيين وتمويلهم.

المعالجة الإنسانية والتنموية: التركيز على معالجة الجذور الاقتصادية والاجتماعية التي يستغلها الإرهابيون للتجنيد، عبر دعم مشاريع التنمية وتوفير فرص العمل وتحسين الأوضاع المعيشية للسكان في المناطق المتضررة.

 تُمثل هذه الضربات الجوية رسالة واضحة بأن العالم لن يقف مكتوف الأيدي أمام محاولات التنظيمات المتطرفة لزعزعة الأمن. ولكن لضمان الانتصار النهائي في هذه الحرب، يجب أن يتحمل المجتمع الدولي دوره الكامل في مكافحة الإرهاب، سياسيًا وأمنيًا وإنسانيًا، من أجل حماية منظومة الاستقرار في المنطقة والعالم بشكل مستدام.

انضموا لقناة متن الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا https://t.me/matnnews1