سوء التغذية.. أزمة إنسانية متفاقمة خلفتها الحرب الحوثية في اليمن

تعببرية
تعببرية

يشهد اليمن منذ سنوات أزمة إنسانية غير مسبوقة، كانت الحرب العبثية التي أشعلتها المليشيات الحوثية سببها الرئيسي، حيث أدت هذه الحرب إلى انهيار شامل في مختلف القطاعات، من الاقتصاد والتعليم إلى الصحة والأمن الغذائي. وفي ظل هذه الفوضى الممنهجة، برز سوء التغذية كإحدى أخطر الكوارث التي تهدد ملايين اليمنيين، لا سيما الأطفال والنساء، لتضع المجتمع أمام أزمة إنسانية متفاقمة يومًا بعد آخر.

تقارير صادمة من عمران

كشفت منظمة أطباء بلا حدود مؤخرًا عن تسجيل ارتفاع حاد في حالات سوء التغذية بمحافظة عمران الخاضعة لسيطرة المليشيات الحوثية. وأكدت أن مركز التغذية العلاجية في مستشفى السلام بمديرية خمر استقبل منذ مطلع يناير 2025 أكثر من ألف حالة سوء تغذية حاد، معظمهم من الأطفال والنساء، ما دفع المنظمة إلى رفع القدرة الاستيعابية لأسرة المركز بنسبة تجاوزت 120%.

هذا الرقم يعكس حجم الكارثة التي تضرب المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، حيث تزداد أعداد المرضى يومًا بعد آخر دون وجود حلول فعلية من سلطات الأمر الواقع، بل مع استمرار القيود التي تفرضها المليشيات على عمل المنظمات الإنسانية.

تراجع التمويل الدولي وانسحاب المنظمات

أكدت المنظمة أن تراجع التمويل الدولي وانسحاب عدد من وكالات الإغاثة من محافظة عمران ساهم بشكل مباشر في تضاعف معاناة السكان. ومع قلة الموارد الطبية والغذائية، أصبحت معالجة حالات سوء التغذية أكثر تعقيدًا وخطورة، خاصة في ظل غياب برامج مستدامة للرعاية الصحية.

وتشير تقارير أممية إلى أن سوء التغذية الحاد يهدد حياة ملايين السكان في مناطق سيطرة الحوثيين، ما يجعل محافظة عمران نموذجًا صارخًا لمعاناة المدنيين الذين يدفعون الثمن الأكبر للحرب العبثية.

حرب الحوثيين على الغذاء

الحرب الحوثية لم تقتصر على المواجهات العسكرية، بل امتدت لتشمل سياسة ممنهجة لنهب المساعدات الإنسانية وإضعاف المؤسسات الصحية والغذائية. فقد تم توثيق عشرات الحالات التي قامت فيها المليشيات بالاستيلاء على مستودعات الإغاثة وتحويل المساعدات إلى مقاتليها أو بيعها في الأسواق السوداء.

هذه الانتهاكات دفعت بعض المنظمات الدولية، مثل برنامج الأغذية العالمي، إلى تعليق إرسال المساعدات الغذائية إلى أجزاء واسعة من شمال اليمن بعد عمليات استيلاء ممنهجة على الشحنات. ونتيجة لذلك، حُرم ملايين اليمنيين من حصص غذائية كانت تمثل شريان الحياة الوحيد لهم.

كارثة إنسانية بأبعاد خطيرة

تشير الإحصاءات إلى أن أكثر من 17 مليون يمني يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بينهم أكثر من مليون طفل دون سن الخامسة مهددون بالموت بسبب سوء التغذية الحاد. هذه الأرقام تعكس أزمة تفوق قدرات اليمنيين الذاتية وتستدعي تدخلًا دوليًا عاجلًا.

ففي ظل الانهيار الاقتصادي وتدمير البنى التحتية، أصبح الحصول على الغذاء والدواء حلمًا بعيد المنال لملايين الأسر اليمنية، ما يجعل الوضع في مناطق الحوثيين كارثة إنسانية بأبعاد متعددة، تشمل الصحة، التعليم، والاستقرار الاجتماعي.

الأبعاد الاقتصادية للأزمة

لا يمكن فصل أزمة سوء التغذية عن الوضع الاقتصادي العام الذي انهار بفعل الحرب الحوثية. فقد تراجعت قيمة العملة المحلية بشكل كارثي، وارتفعت أسعار السلع الغذائية إلى مستويات قياسية، فيما توقفت رواتب الموظفين في معظم المناطق الخاضعة لسيطرة المليشيات.

هذا الواقع أدى إلى تآكل القدرة الشرائية للأسر، وحرمانها من تأمين الغذاء الأساسي لأطفالها، فضلًا عن الأدوية والرعاية الصحية. وبذلك، تتغذى الأزمة الإنسانية من دوامة اقتصادية خانقة تُفاقم آثارها يومًا بعد يوم.

أثر الحرب على النساء والأطفال

تشكل النساء والأطفال الشريحة الأكثر تضررًا من أزمة سوء التغذية. فالأمهات يعانين من سوء تغذية مزمن ينعكس مباشرة على صحة الأطفال الرضع، فيما يواجه الأطفال الأكبر سنًا مخاطر صحية قد تؤدي إلى إعاقات دائمة أو الوفاة المبكرة.

كما أن حرمان الفتيات من التعليم بسبب الفقر يدفع نحو حلقة مفرغة من الأزمات الاجتماعية والإنسانية، تزيد من هشاشة المجتمع وتجعله أكثر عرضة للتفكك والانهيار.

الحاجة إلى تدخل عاجل

الوضع في محافظة عمران وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يفرض على المجتمع الدولي مسؤولية أخلاقية وإنسانية للتدخل العاجل. ذلك يشمل:

إعادة تفعيل برامج الإغاثة بعيدًا عن تدخلات المليشيات.

تعزيز التمويل الدولي للمشاريع الصحية والغذائية.

إيجاد آليات رقابة صارمة تضمن وصول المساعدات لمستحقيها.

توفير برامج مستدامة للتغذية والرعاية الصحية، خصوصًا للنساء والأطفال.

الحوثيون.. سبب الأزمة واستمرارها

المؤكد أن أزمة سوء التغذية في اليمن لم تكن نتيجة ظرف طبيعي، بل هي نتاج مباشر لسياسات الحوثيين العبثية التي دمّرت الاقتصاد ونهبت الموارد ومنعت وصول المساعدات. ومع استمرار الحرب، من المتوقع أن تتضاعف أعداد المتضررين، ما لم يتم الضغط على المليشيات لوقف انتهاكاتها وفتح ممرات آمنة لوصول الدعم الإنساني.

يمثل سوء التغذية في اليمن، ولا سيما في محافظة عمران، أحد أخطر وجوه الكارثة الإنسانية التي خلفتها الحرب الحوثية. فالأرقام الصادمة لحالات الأطفال والنساء المصابين بهذا المرض القاتل تكشف مدى فداحة الأزمة، وتضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي لإنقاذ ملايين الأرواح من الموت البطيء.

إن مأساة سوء التغذية ليست مجرد قضية صحية، بل هي انعكاس لانهيار شامل في ظل حرب عبثية مستمرة. وإيجاد حل لهذه الكارثة لن يتحقق إلا عبر معالجة جذور الأزمة، ووقف انتهاكات الحوثيين، وضمان وصول الغذاء والدواء لكل محتاج بعيدًا عن الاستغلال السياسي والعسكري.

انضموا لقناة متن الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا https://t.me/matnnews1