كيف يمثل إعلان فك الارتباط في 21 مايو 1994 علامة مضيئة في سماء النضال الجنوبي؟
يمثل إعلان فك الارتباط في 21 مايو 1994، علامة مضيئة في سماء النضال الجنوبي، وموقفًا بطوليًا مجيدًا سجله أبطال الوطن بقيادة القائد الوطني المناضل علي سالم البيض، في وجه الغدر والخيانة والتآمر على مشروع الوحدة السلمية.
هذا الإعلان العظيم جاء كصرخة حق، وردّ حاسم على حرب عدوانية شنّها نظام صنعاء ضد الجنوب، وضد حلم الشراكة والوحدة الطوعية التي وُقّعت بإرادة الشعوب لا بإملاءات السلاح.
فك الارتباط لم يكن مجرد رد فعل سياسي، بل كان ميلادًا جديدًا لقضية وطن، وعودة للكرامة التي حاول نظام صنعاء أن يسحقها بالنار والحديد.
عندما وقّع الجنوب اتفاق ما تُسمى بالوحدة في 22 مايو 1990، فعل ذلك وهو يحمل نية صادقة في بناء يمن جديد قائم على الشراكة والعدل والديمقراطية.
لكن تلك الآمال سرعان ما اصطدمت بواقع مرير، صنعه النظام الشمالي الذي انقلب على الاتفاق، وشرع في تنفيذ مخطط استحواذي هدفه ابتلاع الجنوب وتفكيك مؤسساته وإقصاء قياداته، وصولًا إلى إلغاء هويته الوطنية.
الاغتيالات السياسية التي استهدفت القيادات الجنوبية، ورفض تنفيذ وثيقة العهد والاتفاق، كانت مقدمات لحرب شاملة خطط لها النظام الشمالي.
وفي خضم هذه المؤامرة الهمجية، وقف الجنوب بكل شموخ، وأعلن فك الارتباط من نظام صنعاء، ليكتب بذلك صفحة ناصعة من المجد الوطني.
كان إعلان فك الارتباط لحظة خلاص من شراكة مخادعة، وإعلانًا بأن الجنوب لن يكون تابعًا أو محكومًا بالقوة.
جاء هذا القرار الشجاع تتويجًا لنضال طويل، وأعلن أن الجنوب لا يُحكم إلا بإرادته، وأن الوحدة التي تُفرَض بالدبابة لا شرعية لها.
لقد مهّد هذا الإعلان الطريق لنهوض الوعي الجنوبي، وفتح الباب أمام جيل جديد من المناضلين الذين حملوا راية التحرير بكل فخر، وجعلوا من فك الارتباط شعارًا وهدفًا لا تراجع عنه.
وبات لزامًا التأكد بأن إعلان فك الارتباط لم يكن لحظة هروب من واقع، بل كان لحظة تحدٍّ وإصرار على صناعة المستقبل، فقد كان صوت شعبٍ قرر أن ينهض، أن يرفض الإذلال، وأن يعيد بناء دولته المستقلة بكل عزة وشموخ.
وبالتالي فإن القبول بالعودة إلى ما قبل 1994 هو خيانة لدماء الشهداء، وتنازل عن حق أصيل في تقرير المصير.
فقد وُلد جيل اليوم في ظل واقع ما بعد الحرب، لكنه يحمل إرثًا نضاليًا عظيمًا، ويملك فرصة استكمال المسيرة نحو الحرية، مدعومًا بإرادة شعب لا يقهر.
يذكر إنه مرت 31 عاما على الاحتلال اليمني للجنوب، ومحاولة تجريف هويته دولة وشعبا، إلا أن النضال الشعبي، بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي، ورئيسه اللواء عيدروس الزُبيدي، يؤسس مداميك الدولة الفيدرالية كاملة السيادة.
في السابع والعشرين من أبريل عام 1994م، أعلن نظام صنعاء بقيادة علي عبدالله صالح عفاش وتحالفه مع جماعة الإخوان المسلمين (حزب الإصلاح) والمجاهدين من افغان العرب ”تنظيم القاعدة “ الحرب على الجنوب، وذلك من ميدان السبعين بصنعاء، والانقلاب على مشروع الوحدة السلمية بين الدولتين الذي تم توقيعه قبل ذلك بفترة وجيزة في وثيقة العهد والاتفاق في العاصمة الاردنية عمان برعاية العاهل الأردني الملك الحسين بن طلال.
وجاء إعلان الحرب من ميدان السبعين بصنعاء عاصمة الجمهورية العربية اليمنية، في خطوة وصفها مراقبون وسياسيون بأنها كانت الطلقة الأولى القاتلة للوحدة السلمية، وعقب ذلك الإعلان بساعات تحركت القوات الشمالية بقيادة الفرقة الأولى مدرع وعناصر قبلية من محافظة عمران والمناطق المحيطة بها لمهاجمة اللواء الثالث مدرع التابع للجيش الجنوبي المتمركز في محافظة عمران الشمالية، ما أدى إلى اندلاع معارك عنيفة استمرت حتى نهاية شهر أبريل، وأسفرت عن تدمير عشرات الاطقم المسلحة والدبابات والعربات المدرعة، وسقوط مئات القتلى والجرحى من الجانبين وقيام مليشيات جماعة الإخوان وتنظيم القاعدة بتصفية الأسرى الجنوبيين.
وبالتزامن مع انفجار الوضع بعد المعارك الشرسة التي خاضها منتسبي اللواء الثالث مدرع للجيش الجنوبي واستمرت إلى 30 ابريل في محافظة عمران، توسعت رقعة الحرب وتصاعد التوتر في محافظة ذمار الشمالية، من خلال قيام مليشيات الاخوان الإرهابية وقوات نظام عفاش بمحاصرة لواء باصهيب الجنوبي المتمركز في ذمار وتفجير الموقف بين الطرفين، بينما امتدت الحرب إلى معسكر لواء العمالقة الشمالي المتمركز في محافظة أبين
وفي الرابع من مايو 1994م، اتسعت رقعة المواجهات لتشمل جبهات عدة، حيث خاض لواء باصهيب قتالًا عنيفًا في ذمار ضد القوات الشمالية المتفوقة عددًا وعدة، كما امتدت الاشتباكات إلى منطقة يريم، حيث خسر الجيش الجنوبي اللواء الأول مدفعية بعد معارك غير متكافئة تخللها غدر عسكري وسرقة الإبر النارية من المدافع بعد محاصرته من قبل القبائل الشمالية ومليشيات الإخوان المعززين بعناصر تنظيم القاعدة القادمين من افغانستان.
ومع تصاعد العمليات العسكرية، باشرت قوات الجمهورية العربية اليمنية، بمشاركة ألوية الحرس الجمهوري والأمن المركزي والمليشيات القبلية والدينية، اجتياح مناطق الجنوب برًا وجوًا وبحرًا، في ظل حملة تدمير ممنهجة للمدن والقرى الجنوبية وقطع إمدادات المياه والكهرباء عن المدنيين، مما أدى إلى نزوح مئات الآلاف من سكان محافظات الجنوب
ورغم القرارات والمواقف الدولية، الصادرة في تلك الفترة من عام 1994م خصوصًا قراري مجلس الأمن (924) و(931) الداعيين نظام الجمهورية العربية اليمنية في صنعاء إلى وقف إطلاق النار، بالإضافة إلى المواقف الإقليمية والدولية الرافضة بفرض الوحدة بقوة السلاح، لكن نظام صنعاء رفض قراري مجلس الامن والمواقف الدولية ومضى في عملياته العسكرية والحربية ضد الجنوب وقواته المسلحة حتى تم احتلال عدن عاصمة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في السابع من يوليو 1994م.
حيث انتهت الحرب بفرض نظام صنعاء احتلال عسكري على ارض محافظات الجنوب ونهب ثرواتها، مما حول حلم الوحدة السلمية إلى كابوس استعماري واحتلال ببربري متخلف أرسى في ذاكرة الجنوبيين قناعة راسخة بأن الوحدة السلمية قد دُفنت، وأن ما حدث كان غزوًا عسكريًا بكل المقاييس بعد تحويلها بقوة السلاح إلى احتلال للأرض والإنسان.
انضموا لقناة متن الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا https://t.me/matnnews1
