بعد رسالته الوداعية الأخيرة.. هل توقع محمد أبو الغيط نبأ وفاته؟

محمد أبو الغيط
محمد أبو الغيط

توفي الكاتب الصحفي المصري الشاب محمد أبو الغيط، صباح اليوم، وذلك بعد رحلة طويلة من الصراع مع مرض السرطان الخبيث، حيث أعلنت زوجته إسراء شهاب نبأ وفاته في منشور لها عبر "فيس بوك".

 

وقالت زوجة أبو الغيط: "إنا لله وإنا إليه راجعون، انتقل إلى رحمة الله تعالى زوجي حبيبي محمد أبو الغيط بعد مقاومة باسلة ضد مرض السرطان. الرجاء الدعاء له بالرحمة والمغفرة ولنا بالصبر الجميل".

 

من هو محمد أبو الغيط؟

الطبيب محمد أبو الغيط ولد فى قلب الصعيد بمحافظة أسيوط، درس بها الطب وتخرج فيها ثم عمل بمستشفيات القاهرة، كما يُعد من بين أبرز الصحفيين الاستقصائيين بالمنطقة العربية، وقام بتحقيقات حول العالم عن قضايا تجارة السلاح الدولية، وانتهاكات حقوق الإنسان، والتطرف، وتحقيقات الفساد وتتبع الأموال.

 

ربما هموم مهنة الطب وأوجاع وآلام المرضى هي التي دعمت موهبته وأمدت قلمه زادًا ليتميز كاتبًا وصحفيًا، يحكي ويناقش مشكلات الطب ومآسي المرضى، يزداد قلبه رقيًا وعقله إدراكًا، فيتسع كلاهما لمزيد من المكلومين والمظلومين، ويتوسع قلمه ليستقصي الحق والحقيقة، يدافع عن المظلومين ويكشف الفاسدين.

 

شخصية ملهمة

ونعى الفنان المصري محمد هنيدي، الصحفي المصري محمد أبو الغيط وقال: "كاتب واعلامي شاب فضل يحارب السرطان سنين طويلة وكان شخصية ملهمة وجميلة على كل المستويات لكل شباب جيله.. اليوم محمد بيتوفى بعد أيام من تكريمه واصدار كتابه.. البقاء لله في محمد  وربنا يصبر أهله".

 

آخر ما كتبه محمد أبو الغيط:

وردتي البيضاء الخارقة (١-٢) - الجزء الأول

"الحب - أعزك الله - أوله هَزل وآخره جِد، دقَّت معانيه لجلالتها عن أن تُوصف، فلا تُدرك حقيقتها إلا بالمعاناة"

"وقد اختلف الناس في ماهيته وقالوا وأطالوا، والذي أذهب إليه أنه اتصال بين أجزاء النفوس المقسومة في هذه الخليقة في أصل عنصرها الرفيع... والله عز وجل يقول: “وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا”؛ فجعل علَّة السكون أنها منه"

طوق الحمامة - الإمام ابن حزم الأندلسيّ (٩٩٤م – ١٠٦٤م)

****

٣٠ أكتوبر ٢٠٢٢

يتكور جسدي على السرير بينما أكتم صرخات الألم.

أقر وأعترف أني أتعذب لارتكابي جريمة خطيرة: الأكل.

كنت قد خرجت من المستشفى من جولة "شلل الأمعاء" الماضية في ٢٢ أكتوبر، حيث طلبت من الأطباء قبلها محاولة إطلاق سراحي في هذا اليوم، لأحتفل بعيد ميلادي مع أسرتي في ٢٣ أكتوبر، وقد تعاونوا لإنجاز ذلك.

بالإضافة إلى أبي وأمي واثنين من اخوتي، فقد حضر قريبان آخران، أحدهما يعمل بدولة خليجية، والآخر مهاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية. تجمع عائلي مبهج لم أشهده منذ سنوات طويلة.

كانت طبيبة التغذية قد منحتني جدولًا مشددًا بأصناف الطعام المسموحة، عدت خطوات للخلف. كل شيء محظور إلا السوائل والمهروسات منخفضة الألياف. البرنامج يتحدث عن تصعيد تدريجي لكن دون جدول زمني واضح.

شعرت بالأيام الأولى أني عدت لطبيعتي تماما، فرحة كبيرة عززتها سعادتي بدفء الأسرة المفقود، وهكذا في اليوم قبل الأخير تجرأت على دعوتهم لمطعم أسباني أحبه، رغم أني اكتفيت ببطاطس مهروسة وعينات ضئيلة. مرت الليلة بآلام مبرحة لكنها زالت محتملة، هكذا ظننت أن تجربة أخيرة قد تمر، خاصة أن اختيار ابن خالتي كان لمطعم راقٍ يقدم "اللحوم المعتقة" المعروفة بطراوة أليافها. 

لكن النتيجة كانت كارثة. انتفاخ وصعوبة تنفس وآلام رهيبة. أشعر كأن سيفًا من نار يدخل بطني يمين فُم المعدة، موضع المرارة، ويخترقني حتى يخرج أسفل لوح الكتف الأيمن.

تسألني إسراء لو سنذهب للمستشفى، فأرفض بعناد: "لا، أنا ما صدقت خرجت". لكنها تتجاهلني، وتبدأ في اعدادات المستشفى. تتصل بصديقة ليبيت لديها يحيي، تملأ حقيبة الملابس.

أنظر لها مستغربا ما تفعل، فتقول باقتضاب: احتياطي. 

لكن أدائها ليس به احتياط بل قد اتخذت قرارا.

كالمجنون تعاطيت كل أدوية الألم والالتهاب بالمنزل. نابروكسين؟ ترامادول؟ كوكودامول؟ أي شيء.

بعد أقل من ساعة انهرت، ارتميت على السرير أتوسل لإسراء أن نذهب للمستشفى فورا. لم تلمني بحرف بل ساعدتني بلطف، لكن بحزم أيضًا.

في الطريق أنظر لوجهها وهي تقود السيارة، فأرى فيه القوة والإصرار قبل الحزن. لا وقت للحزن.