كيف أثرت الأزمة الأوكرانية على مفاوضات الإتفاق النووي الإيراني؟

ورقة تحليلية
ورقة تحليلية

تشهد أروقة فنادق فيينا مباحثات شاقة لإحياء اتفاق عام 2015. حول طاولة واحدة، يجتمع دبلوماسيو إيران وممثلو القوى المنضوية في الاتفاق (فرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا والصين)، والاتحاد الأوروبي ذي الدور التنسيقي. وتستمر الاجتماعات وسط درجة عالية من الاستقطاب، مع بلوغ التوتر الدولي مستويات لم يعرفها في 2014.

سؤال يطرح نفسه الآن بإلحاح: ما مدى تأ ثير الأزمة والحرب في أوكرانيا على مفاوضات فينا حول الملف النووي الإيراني،وهل هذا التأثير سيكون إيجابيا أم سلبيا؟.

منذ أن كانت الأزمة الأوكرانية في مرحلة التهديد بالهجوم، كان الملف النووي الإيراني على طاولة المفاوضات في فيينا، إلا أن انتقال الروس من مرحلة التحشيد إلى الهجوم خطف الأضواء من طاولة الجولة الثامنة من المباحثات في العاصمة النمساوية.

وبدأت المباحثات في السابع والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر 2021، ووصلت الآن في جولتها الثامنة إلى مرحلة تتزامن والعملية الروسية في أوكرانيا، وما قد تخلف تداعياتها على القضايا والعلاقات الدولية في حال أخذ وضع انقسام الدول بين موالٍ لروسيا أو للغرب في عين الاعتبار.
للوهلة الأولى يبدو اعتقاد لدى البعض أن الحرب في أوكرانيا تخلق شعورًا بالحاجة الملحة لإتمام المحادثات قبل أن يصبح التعاون مستحيلًا، خوفا من أن يلقي النزاع في أوكرانيا بظلاله، عاجلًا أم عاجلًا، على المسار الدبلوماسي في فيينا، في وقت بلغ مراحل الحسم، وفقًا لتصريحات ايرانية وروسية كانت هي الأكثر تفاؤلا.

الأزمة الأوكرانية ربما شجعت إيران على المبالغة في تقدير مدى قوتها، كما أن واشنطن ستكون أكثر حرصًا على تجنب أزمة ثانية وإعادة النفط الإيراني إلى الأسواق الدولية حيث ارتفعت الأسعار فوق 100 دولار للبرميل الواحد.


مبعوث روسيا للمحادثات، ميخائيل أوليانوف، قال لوكالة رويترز: «نحن على بعد دقيقة واحدة من خط النهاية»(1)، عندما سُئل عن المفاوضات. ويؤكد أوليانوف، وهو الأكثر تفاؤلًا بين رؤساء الوفود، أن الوضع في أوكرانيا ليس له تأثير على المحادثات، كما هوّن مسؤولون إيرانيون من تأثير ذلك في الوقت الحالي، وتلعب روسيا دورًا أساسيًا في التوصل إلى حلول دبلوماسية.

الحاجة إلى النفط الإيراني:
هل يؤثر هذا الأمر على المفاوضات؟ لا مفرّ من ذلك، حسب محللين، إذ يرى الباحث في مجموعة "أوراسيا غروب" هنري روم، إن ارتفاع النفط "سيضغط على الحكومات الغربية، خصوصا الأمريكيين، لانجاز الاتفاق سريعًا".(2)


أكد معنيون بمباحثات فيينا أن ما تشهده العاصمة النمساوية لن يتأثر بضجيج المعارك حول العاصمة الأوكرانية، يستشهدون بحالة سابقة تدعم هذا الموقف: فقد شهد العام 2014 بداية التوتر الدولي بشأن أوكرانيا، مع إعلان موسكو ضمّ شبه جزيرة القرم. لكن ذلك لم يحل دون مواصلة إيران والقوى الكبرى، بما فيها الولايات المتحدة وروسيا، المباحثات النووية وتتويجها بابرام اتفاق تاريخي في تموز/يوليو 2015، أيضا في العاصمة النمساوية".


وقال هنري روم، محلل الشؤون الإيرانية لدى مؤسسة أورآسيا الاستشارية: «كلما طال أمد المحادثات، زادت فرصة تداخل الصراع»، وقال إن ارتفاع النفط «سيضغط على الحكومات الغربية؛ خصوصًا الأميركيين، لإنجاز الاتفاق سريعًا»(3). ويرى أن إيران قد تكون راهنًا، أقل عجلة من الغربيين لإحياء الاتفاق، معتبرًا أن النزاع «قد يزيد من شكوك إيران بشأن ما إذا كان الغرب مستعدًا فعلًا لترك المباحثات والاستغناء عن زيادة كميات النفط الخام الإيراني في الأسواق، في وقت ترتفع أسعار النفط، و(يسود) عدم يقين جيوسياسي مهم».


قال السيناتور الجمهوري البارز وعضو لجنة العلاقات الخارجية في الكونجرس الأمريكي ليندسي جراهام إن وقف حصول إيران على أسلحة نووية هي القضية الأكثر إلحاحًا في العالم حاليًا. وتابع: "نعم روسيا وأوكرانيا ملف مهم، لكن حصول إيران على سلاح نووي هو العامل الذي يغير قواعد اللعبة في المنطقة والعالم".(4)

عربيا وخليجيا:
القلق الكبير من تقليص واشنطن تركيزها على الشرق الأوسط، قد يرسم معه الرد الأميركي على الأزمة في أوكرانيا معالم التصورات إزاء النوايا الأميركية في المنطقة مستقبلا، لا سيما ما يخص البلدان العربية.


الأزمة الأوكرانية ألقت بظلالها على أولويات عدة في العالم، بما في ذلك دول الخليج التي كانت جهودها منصرفة إلى التعاطي مع أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة والتفاعل الدولي معها، إن كان في اليمن، أو مفاوضات فيينا واللقاءات المتكررة مع مسؤولي النظام الإيراني.


بالنسبة لدول الخليج فإن تقديراتها بشأن الاتفاق النووي مع إيران ظلت مختلفة، طبقًا لتفاوت علاقتها وثقتها بطهران، إلا أنها جميعًا تؤيد اتفاقًا يحد من زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وهو ما تقول دول في المجموعة مثل السعودية، إن الاتفاق بصيغته السابقة قام بعكسه، فيما تتجنب حتى الآن على الأقل إظهار اهتمام استثنائي بالملف الأوكراني، بخاصة أن أعضاء "أوبك+" فيها يربطهم اتفاق مهم مع روسيا.


وفي اللقاء بين وزيري خارجية أميركا والسعودية أنتوني بلنكن والأمير فيصل بن فرحان على هامش "ميونخ"، تركزت المحادثات على "مناقشة سبل تعزيز الجهود المشتركة بشأن وقف انتهاكات مليشيا الحوثي الإرهابية بحق اليمن وشعبه الشقيق، التي تقوم بتعطيل الحل السياسي في اليمن، كما تناول الجانبان أهمية تعزيز الجهود المشتركة لوقف اعتداءات الحوثي المستمرة على المنشآت المدنية والاقتصادية، وتهديدها للملاحة الدولية"(5)


ربما تحسب طهران الآن أنها لا تحتاج إلى اتفاق مع الغرب ما دام أنها قادرة على كسر العقوبات الأمريكية وتصدير النفط، بالنظر إلى الحاجة العالمية للوقود الأحفورى وسط عقوبات شديدة على روسيا.


ولقد وصلت الشحنات بالفعل إلى أكثر من مليون برميل يوميًا، إلى الصين بشكل رئيسي. فى غضون ذلك، يمكنها أن تستمر فى تخصيب اليورانيوم، وأن تصبح على عتبة دولة نووية، ويكون لها نفوذ أكبر فى أى محادثات مستقبلية.


العكس ممكن أيضًا، وإن كان أقل احتمالًا، فقد ترى طهران أن روسيا معزولة وغير مفيدة بعد الآن كداعم دبلوماسي، وقد تقرر تقديم تنازلات للغرب الآن، بدلًا من التعايش مع العقوبات الأمريكية، وسط بيئة من الوحدة الغربية تذكرنا بالحرب الباردة.


لكن البقاء حليفًا لروسيا فى هذه الظروف قد يوفر لإيران بعض الغطاء العسكرى وأنظمة الأسلحة كنوع من «الأقمار الصناعية للحرب الباردة» لموسكو.
ويتوقع مراقبون ان موقف موسكو قد يتغير ليس فى الملف الإيرانى فحسب، بل العديد من الملفات الأخرى. نتيجة تصاعد الضغط عليها ويقول دبلوماسيون، أن روسيا تلعب دورًا أساسيًا فى التوصل إلى حل وسط مع ايران.. تقول جميع الأطراف المشاركة فى المحادثات، ومنها الصين، أنه تم إحراز تقدم نحو استعادة الاتفاق لكبح البرنامج النووى لطهران مقابل تخفيف العقوبات (6).

المصادر:
1-  وكالة رويتر 5 مارس2022م
2-  DW الألمانية 2 مارس 2022م
3-  DW الألمانية مصدر سابق
4-  الأهرام المصرية 7 مارس 2022م
5-  وكالة الأنباء السعودية 19 فبراير 2022م
6-  أخبار اليوم المصرية 6 مارس 2022م