الذكرى 54 لتأسيس الجيش الجنوبي.. تاريخ من الصمود والتضحيات
مرّت أربعة وخمسون عامًا على تأسيس الجيش الجنوبي الذي يحل ذكراه هذا العام في ظرف استثنائي، يتزامن مع تصدي الجنوب لحرب شاملة تشنها قوى الإرهاب، ومحاولات متكررة لزعزعة أمنه واستقراره.
هذه المناسبة الوطنية ليست مجرد حدث عابر، بل هي محطة لتجديد العهد والوفاء لمسيرة طويلة من النضال والتضحيات التي قدّمها أبناء الجنوب دفاعًا عن الأرض والهوية والسيادة.
تأسيس الجيش الجنوبي وبداياته
تعود جذور تأسيس الجيش الجنوبي إلى الأول من سبتمبر عام 1971م، حين تم إنشاء أول وحدة عسكرية جنوبية، لتكون اللبنة الأولى لبناء مؤسسة عسكرية وطنية منظمة، تحمل عقيدة راسخة في حماية الأرض والشعب. ومنذ ذلك التاريخ، رسخ الجيش الجنوبي حضوره كقوة تحمي حدود الوطن، وتؤمن مواطنيه، وتتصدى لأي عدوان خارجي أو تهديد داخلي.
لقد كان الجيش الجنوبي قبل العام 1990م واحدًا من أبرز الجيوش في المنطقة، بما امتلكه من خبرات قتالية وتنظيمية، وبما اشتهر به من انضباط والتزام.
فقد لعب دورًا محوريًا في حماية الدولة الجنوبية الناشئة آنذاك، وشارك بفاعلية في ترسيخ الأمن والاستقرار، وحماية السيادة الوطنية.
الجيش الجنوبي بعد عام 1990
شهد الجنوب بعد العام 1990م تحديات كبيرة تمثلت في الإقصاء والتهميش وإلغاء مؤسسات الدولة الجنوبية، بما في ذلك الجيش. ومع ذلك، ظل الضباط والجنود الذين خدموا في الجيش الجنوبي أوفياء لقضيتهم الوطنية، فشاركوا في الحراك الجنوبي السلمي منذ بداياته، وأسهموا في إبقاء القضية الجنوبية حية في وجدان الشعب.
ومع عودة الحروب على الجنوب، انخرط كثير من هؤلاء العسكريين في صفوف المقاومة الجنوبية، فكانوا العمود الفقري لإعادة تشكيل القوات المسلحة الجنوبية بصورتها الجديدة، لتقف في مواجهة التحديات الأمنية والعسكرية التي فرضتها ميليشيات الإرهاب والفوضى.
دور القوات المسلحة الجنوبية في مواجهة الإرهاب
اليوم، تؤدي القوات المسلحة الجنوبية دورًا محوريًا في معركة التحرير والاستقلال. فهي ليست مجرد تشكيلات عسكرية، بل مؤسسة وطنية راسخة تستمد شرعيتها من الشعب الجنوبي، وتستمد قوتها من إيمانه بقضيته. لقد تصدى الجيش الجنوبي للتنظيمات الإرهابية في أبين وشبوة ولحج وحضرموت، وقدم تضحيات جسام من خيرة رجاله لحماية المجتمع من خطر الإرهاب العابر للحدود.
وقد أثبتت التجارب أن الجيش الجنوبي هو خط الدفاع الأول عن الأمن القومي للجنوب والمنطقة عمومًا، إذ ساهم في تأمين الملاحة البحرية وحماية خطوط الطاقة الدولية من تهديدات الميليشيات والجماعات المسلحة.
الجيش الجنوبي والمعركة السياسية
لم يقتصر دور الجيش الجنوبي على البعد العسكري فحسب، بل ارتبط ارتباطًا وثيقًا بالمسار السياسي الجنوبي. فهو يشكل اليوم الركيزة الأساسية لمشروع استعادة الدولة الجنوبية، إذ لا يمكن الحديث عن استقلال أو سيادة دون قوة عسكرية تحمي هذه التطلعات.
ويؤكد المجلس الانتقالي الجنوبي دومًا أن القوات المسلحة الجنوبية هي ملك للشعب، وجيش لكل بيت جنوبي، وحصن للأسر التي ضحت بأبنائها في سبيل أن يظل الجنوب حرًا وأبيًا.
تحالف استراتيجي مع الأشقاء
لا يمكن إغفال الدور الذي لعبه التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة في دعم الجيش الجنوبي. فقد قدم التحالف دعمًا عسكريًا ولوجستيًا ساهم في تعزيز قدراته القتالية، فضلًا عن دعم إنساني وتنموي مكّن الجبهة الداخلية من الصمود.
هذه الشراكة الاستراتيجية أسست لنموذج متكامل من التعاون العربي، هدفه مواجهة الإرهاب، وحماية الأمن الإقليمي، وضمان استقرار خطوط الملاحة والطاقة.
رمزية الذكرى الرابعة والخمسين
إن مرور 54 عامًا على تأسيس الجيش الجنوبي يحمل رمزية خاصة، لأنه يأتي في وقت تتزايد فيه التحديات والمخاطر. فالاحتفاء بهذه الذكرى هو تجديد للعهد مع الشهداء الذين ارتقوا دفاعًا عن الجنوب، وتأكيد على أن مسيرة النضال مستمرة حتى استعادة الدولة كاملة السيادة.
كما أن هذه المناسبة الوطنية تعكس إدراك أبناء الجنوب أن جيشهم ليس مجرد مؤسسة عسكرية، بل هو مدرسة في التضحية والانضباط والوفاء. وهو الضمانة الحقيقية لتحقيق الأمن، وحماية المكتسبات، وبناء مستقبل يليق بتضحيات الأجيال.
دروس من تاريخ الجيش الجنوبي
من خلال استعراض مسيرة الجيش الجنوبي، يمكن استخلاص العديد من الدروس:
أهمية العقيدة الوطنية: فهي التي حافظت على وحدة الصف رغم محاولات التهميش والإقصاء.
الارتباط بالشعب: إذ ظل الجيش الجنوبي قريبًا من المواطنين، يحميهم ويستمد شرعيته من ثقتهم.
التكامل مع السياسة: فالقوة العسكرية لا تكتمل إلا بمشروع سياسي يعبر عن تطلعات الشعب.
الشراكة الإقليمية: التي أثبتت أن التعاون العربي قادر على مواجهة التحديات الأمنية المشتركة.
إن الذكرى الرابعة والخمسين لتأسيس الجيش الجنوبي ليست مجرد تاريخ يُسجّل في الذاكرة، بل هي مناسبة وطنية تؤكد على أن الجنوب ماضٍ في مشروعه التحرري، مستندًا إلى قوة عسكرية راسخة تمثل صمام الأمان، والعين الساهرة على حاضر ومستقبل الوطن.
فالجيش الجنوبي اليوم هو رمز للعزة والكرامة، ودرع واقٍ يحمي تطلعات شعبه، وعنوان بارز لمسيرة نضال ممتدة من الماضي إلى الحاضر، نحو مستقبل من السيادة والاستقلال.
انضموا لقناة متن الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا https://t.me/matnnews1
