استعادة دولة الجنوب.. ضرورة استراتيجية لضمان الاستقرار الإقليمي والدولي

تعببرية
تعببرية

تمثل استعادة دولة الجنوب ركيزة أساسية لضمان الأمن والاستقرار في المنطقة، ليس فقط على المستوى المحلي، وإنما على المستوى الإقليمي والدولي أيضًا.

فقد أثبتت تجارب العقود الماضية أن فرض الوحدة بالقوة، من دون احترام إرادة شعب الجنوب، كان سببًا مباشرًا في تفجر النزاعات الداخلية وتنامي نفوذ الجماعات الإرهابية التي وجدت في حالة الفوضى بيئة خصبة للتمدد.

فشل الوحدة المفروضة بالقوة

حينما تم فرض الوحدة بين الشمال والجنوب بالقوة الغاشمة، لم يُترك مجال للقبول الشعبي أو للشراكة العادلة. هذا الخيار السياسي غير المتوازن زرع بذور التوتر والصراع، ونتج عنه تهميش ممنهج لشعب الجنوب وحقوقه السياسية والاقتصادية. ومع مرور السنوات، تبيّن أن استمرار هذا الوضع المختل لم يجلب سوى مزيد من الأزمات، سواء عبر الحروب المتكررة أو عبر تفاقم مظاهر الفقر والتخلف الاقتصادي.

بيئة خصبة للإرهاب

أحد أخطر تداعيات تغييب إرادة الجنوب كان توفير بيئة خصبة لنمو الجماعات الإرهابية. فالتنظيمات المتطرفة مثل القاعدة وميليشيات الحوثي استغلت هذا الفراغ الأمني والسياسي لتوسيع نفوذها. ومع غياب دولة قوية قادرة على بسط سلطتها بشكل عادل، تحولت بعض المناطق إلى ملاذات آمنة للإرهاب، وهو ما انعكس سلبًا على السلم الإقليمي وهدد مصالح المجتمع الدولي.

أهمية الجنوب للممرات البحرية

لا يقتصر البعد الجنوبي على القضايا الداخلية فحسب، بل يمتد إلى أهمية جيوسياسية بالغة. فموقع الجنوب على خطوط الملاحة الدولية، ولا سيما قرب باب المندب، يجعله لاعبًا رئيسيًا في ضمان أمن التجارة العالمية وتدفق الطاقة. إن ترك الجنوب رهينة للفوضى والهيمنة الخارجية يعني تعريض مصالح الملاحة الدولية للخطر، وهو ما لا تحتمله القوى الإقليمية ولا المجتمع الدولي.

استعادة الدولة.. حق مشروع وخيار استراتيجي

إعادة الاعتبار لقضية شعب الجنوب واحترام حقه في تقرير مصيره لا يُعد مجرد استجابة لمطلب شعبي مستمر منذ عقود، بل هو أيضًا خطوة استراتيجية باتت حتمية لتحقيق الاستقرار. فوجود دولة جنوبية مستقلة وقوية سيؤسس لمنظومة أمنية وسياسية قائمة على الشفافية والعدالة، وقادرة على مواجهة الإرهاب والحد من التهديدات العابرة للحدود.

الجنوب شريك في صناعة السلام

الاعتراف بحق الجنوب في استعادة دولته المستقلة يعني إدماجه كـ شريك فاعل في صناعة السلام، بدلًا من تجاهله أو محاولة فرض حلول سياسية لا تتناسب مع الواقع. فالجنوب يمتلك تجربة مميزة في إدارة مناطقه، كما أن قواته المسلحة أثبتت قدرة كبيرة على مواجهة الجماعات الإرهابية وحفظ الأمن. هذه الخبرات تجعل من الجنوب عنصرًا لا غنى عنه في أي معادلة سياسية مستقبلية.

فشل سياسات التجاهل

تجاهل حق الجنوب في استعادة دولته لا يخدم الاستقرار بأي شكل، بل يعزز من نفوذ القوى المتطرفة ويزيد من معاناة المواطنين. فكلما تم تأجيل الاعتراف بهذه الحقوق، كلما ازداد التوتر في الداخل، وازدادت المخاطر على الصعيدين الإقليمي والدولي. كما أن استمرار هذا الوضع يصب في مصلحة الميليشيات الحوثية والتنظيمات الإرهابية، التي تستخدمه كورقة ابتزاز سياسي وعسكري.

ضرورة إقليمية ودولية

استعادة دولة الجنوب لا يجب أن يُنظر إليها كخيار داخلي فقط، بل كضرورة إقليمية ودولية. فمن خلال استعادة دولته المستقلة، سيتمكن الجنوب من لعب دور محوري في مكافحة الإرهاب وتأمين طرق الملاحة، إضافة إلى تعزيز التنمية الاقتصادية في بيئة تتسم بالشفافية والعدالة. كما أن ذلك سيسهم في كبح الأطماع التوسعية للقوى الإقليمية، التي لطالما استغلت حالة الفوضى لتحقيق مصالحها الخاصة.

الجنوب وضمان مستقبل أفضل

بناء دولة جنوبية مستقلة سيمنح السكان فرصة لإعادة بناء مؤسساتهم على أسس حديثة، قائمة على العدالة الاجتماعية والمشاركة السياسية الحقيقية. كما سيوفر بيئة آمنة للاستثمار، ويعزز من دور الجنوب كشريك إقليمي موثوق في مواجهة التحديات الأمنية. وبذلك لن يكون الجنوب مجرد قضية محلية، بل ركيزة استقرار في منطقة تعاني من اضطرابات متواصلة.

لقد أثبتت التجربة أن تجاهل قضية شعب الجنوب كان خطأ استراتيجيًا فادحًا، إذ أدى إلى تفجر النزاعات وفتح الباب أمام قوى الإرهاب للتمدد. إن استعادة دولة الجنوب تمثل المسار الوحيد القادر على ضمان استقرار مستدام، وتأمين الملاحة الدولية، ومحاربة التطرف، وبناء دولة حديثة تحقق العدالة والتنمية. الاعتراف بهذا الحق لم يعد خيارًا قابلًا للتأجيل، بل ضرورة حتمية لإنقاذ فرص السلام وصناعة مستقبل أفضل للمنطقة.

انضموا لقناة متن الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا https://t.me/matnnews1