كاليدونيا الجديدة: دولة ناشئة في المحيط الهادئ على أعتاب الاستقلال والسيادة
في خطوة وُصفت بأنها تاريخية ومفصلية، أعلنت فرنسا في 13 يوليو 2025 التوصل إلى اتفاق جديد مع كاليدونيا الجديدة، يقضي بمنح الأرخبيل الواقع في جنوب المحيط الهادئ حكمًا ذاتيًا موسعًا، تمهيدًا لإعلان دولة جديدة تحت مسمى "دولة كاليدونيا الجديدة" ضمن الجمهورية الفرنسية، مع الاحتفاظ بالروابط السيادية.
دولة جديدة في الأفق... لكن ضمن الجمهورية
ينص الاتفاق الذي وُقّع بعد مفاوضات طويلة في باريس، على أن تُدرج مكانة كاليدونيا الجديدة الجديدة في الدستور الفرنسي، مع إنشاء جنسية كاليدونية تُمنح للمواطنين إلى جانب الجنسية الفرنسية، ما يسمح للدول الأخرى بالتعامل معها ككيان شبه مستقل.
وقد عبّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن دعمه للاتفاق، معتبرًا أن هذه الخطوة تمثّل رهانًا على الثقة، وتفتح صفحة جديدة من السلام والتفاهم بين فرنسا وكاليدونيا الجديدة.
موقع استراتيجي وموارد هائلة
تقع كاليدونيا الجديدة في جنوب غرب المحيط الهادئ، وتُعد نقطة استراتيجية بين أستراليا وأمريكا الشمالية. تبلغ مساحتها حوالي 18،576 كيلومتر مربع، وعدد سكانها نحو 293 ألف نسمة.
تُعد العاصمة نوميا المركز الإداري والاقتصادي والسياسي للأرخبيل.
تتمتع كاليدونيا بثروات طبيعية ضخمة، أبرزها النيكل، حيث تُعد رابع أكبر منتج عالميًا وتمتلك 10% من الاحتياطي العالمي، مما يمنحها أهمية اقتصادية إقليمية ودولية.
تاريخ طويل من الاستعمار والمقاومة
استعمرت فرنسا كاليدونيا الجديدة عام 1853، وفرضت عليها نظامًا شبيهًا بالفصل العنصري تحت مسمى "قانون السكان الأصليين"، ما حدّ من حقوق شعب الكاناك الأصليين، ومنعهم من تملك الأراضي أو التنقل بحرية.
شهد الأرخبيل ثورات شعبية متكررة قادها السكان الأصليون ضد الاستعمار الفرنسي، أبرزها ثورة عام 1878 بقيادة الزعيم "أتاي"، وتبعها توتر مستمر حتى توقيع اتفاق نوميا عام 1998، الذي نظم تقاسم السلطات وتمهيدًا للاستفتاء على الاستقلال.
ثلاث استفتاءات متتالية
خاضت كاليدونيا الجديدة ثلاثة استفتاءات بين 2018 و2021 بشأن الاستقلال عن فرنسا، وقد أظهرت النتائج انقسامًا حادًا بين الموالين للبقاء والانفصاليين.
رغم تصويت الأغلبية ضد الاستقلال، قاطعت قوى الاستقلال الاستفتاء الأخير، ما أدى إلى احتجاجات واسعة في 2024.
منفى جزائري في قلب المحيط الهادئ
ما لا يعرفه كثيرون أن الوجود العربي في كاليدونيا الجديدة يعود إلى القرن التاسع عشر، حين نفت فرنسا أكثر من 2000 جزائري من قادة الثورة الشعبية ضد الاحتلال الفرنسي عام 1871 إلى هذا الأرخبيل.
هؤلاء المنفيون، الذين أُطلق عليهم لاحقًا "قبعات القش"، خضعوا للعمل القسري في مزارع قصب السكر، وواجهوا محاولات لطمس هويتهم الدينية والثقافية.
لكن المفارقة أن نساء المستوطنين الفرنسيين تبنين التقاليد العربية، واستمر تراث الجزائريين في البقاء عبر الأجيال، رغم الحظر الرسمي الذي رفع عام 1936 فقط.
تشير التقديرات إلى أن 15 ألفًا من أحفاد الجزائريين المنفيين يعيشون اليوم في كاليدونيا الجديدة، خاصة في نيساديو وبوريل، ويُعدّون جزءًا من النسيج الثقافي والاجتماعي في الإقليم.
مصالحة تاريخية... واستقلال محتمل
الاتفاق الجديد بين فرنسا وكاليدونيا الجديدة يهدف إلى الحفاظ على الوحدة مع منح صلاحيات سيادية أوسع للكاليدونيين.
ومن المتوقع أن يتم عرض الاتفاق على البرلمان الفرنسي في الربع الأخير من عام 2025، تمهيدًا لإجراء استفتاء شعبي في 2026 لتحديد مستقبل الأرخبيل بصورة نهائية.
ويصف مراقبون هذا التوجه بأنه "استقلال تدريجي بحُلة دستورية"، يوازن بين طموحات السكان الأصليين وحسابات باريس الجيوسياسية في المحيط الهادئ.
انضموا لقناة متن الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا https://t.me/matnnews1
