ذكرى فك الارتباط.. محطة فارقة في مسار النضال الجنوبي والتوجه نحو تحقيق حلم استعادة الدولة
تُمثّل ذكرى فك الارتباط في 21 مايو 1994 لحظة محورية في الوعي السياسي الجنوبي، ومحطة فارقة في مسار النضال الجنوبي والتوجه نحو تحقيق حلم استعادة الدولة كاملة السيادة.
إعلان الجنوب فك الارتباط جاء نتيجة لتراكمات من الإقصاء والتهميش بعد وحدة مشؤومة لفظها الجنوبيون إلى غير رجعة.
الآن، بعد أكثر من ثلاثة عقود من التحديات والصراعات، يبرز المشروع الوطني الجنوبي بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي الخيار الأنجع لضمان الأمن والاستقرار، ليس فقط للجنوب، للمنطقة بشكل كامل.
المجلس الانتقالي الجنوبي أثبت منذ تأسيسه في عام 2017، قدرة تنظيمية وسياسية على تمثيل تطلعات غالبية الجنوبيين، كما نجح في بناء مؤسسات سياسية وأمنية وعسكرية تُدار بعقلانية ومسؤولية.
المجلس استطاع أن يقدم نموذجًا متماسكًا يضع مصلحة الجنوب فوق الاعتبارات الفئوية، ويعمل بخطى ثابتة على الأرض لتثبيت دعائم الأمن والاستقرار وتوطيد تلك المكتسبات من أجل المحافظة عليها.
المشروع الوطني الجنوبي الذي يحمله المجلس الانتقالي ليس مجرد تعبير عن تطلع شعبي لاستعادة دولة، بل يمثل مشروعًا عمليًا لإعادة بناء الدولة على أسس مدنية ومؤسسية عادلة.
كما أنه ينسجم مع التحولات الإقليمية والدولية التي باتت تضع الاستقرار ومحاربة الإرهاب وتأمين الممرات البحرية ضمن أولوياتها القصوى.
ومن هنا، فإن وجود كيان جنوبي مستقر، يمتلك مؤسسات أمنية ومجتمعية فاعلة، يُعد عنصرًا حيويًا في معادلة الأمن القومي الخليجي والعربي.
ولعل ما يميز المجلس الانتقالي قدرته على الدمج بين العمل السياسي والدبلوماسي من جهة، والميداني العسكري والأمني من جهة أخرى، مع احترام وتقدير كبير لحالة التنوع داخل النسيج الجنوبي.
يُضاف إلى ذلك أيضًا أن مشاركة المجلس الانتقالي في المشاورات والمفاوضات الدولية دائمًا ما تعكس وعيًا بأهمية الحضور في المسار التفاوضي، بما يضمن تمثيلًا عادلًا لقضية الشعب العادلة على طاولة الحل السياسي الشامل.
يعني ذلك أن المراهنة على استعادة دولة الجنوب بقيادة مشروع وطني واضح المعالم ومدعوم شعبيًا، أصبحت خيارًا استراتيجيًا لتحقيق الاستقرار المستدام في المنطقة.
بينما جاءت تلك اللحظة التاريخية في عام 1994 قد جاءت في ظل تحديات هائلة وغياب للغطاء الدولي، فإن الوضع حاليًّا مغاير بشكل كامل، حيث يقف الجنوب على أرضية صلبة، مزوّدة بعناصر القوة السياسية والعسكرية والأمنية.
هذا الواقع يجعل الجنوب العربي أقرب من أي وقت مضى إلى تحقيق مشروع دولته المستقلة بواقعية مسؤولة.
لقد تغيّر الجنوب كثيرًا خلال الفترات الماضية، فلم يعد مجرد جغرافيا تبحث عن اعتراف، بل أصبح كيانًا سياسيًا متماسكًا يتجسّد من خلال مؤسسات واضحة المعالم، على رأسها المجلس الانتقالي الجنوبي.
وقد نجح المجلس في أن يترجم تطلعات الشعب الجنوبي إلى مشروع سياسي منظم، يتحرك على المستويين الداخلي والخارجي بمرونة وديناميكية تحاكي المتغيرات الإقليمية والدولية.
كما أثبت قدرته على تمثيل الجنوب بصوت موحد، دون أن يقع في فخ الإقصاء أو الارتجال، وهو ما منح القضية الجنوبية وزنًا تفاوضيًا لم يكن متاحًا في مراحل سابقة.
أما على الصعيد الأمني والعسكري، فقد أسّس الجنوب منظومات أمنية فاعلة وقوات منظمة تتوزع في معظم محافظات الجنوب، وتمارس دورًا جوهريًا في حفظ الأمن ومكافحة الإرهاب.
فالقوات المسلحة الجنوبية، أثبتت كفاءة عالية في ضبط الاستقرار، وتأمين المدن، ومواجهة التنظيمات المتطرفة، دون أن تكون رهينة لأجندات خارجية، وهو ما عزّز من ثقة المواطنين بها وبدورها الوطني.
هذا التقدم اللافت في بناء المؤسسات، لم يكن وليد لحظة، بل هو نتيجة تراكم نضالي، وتدرج في تحمل المسؤولية، بما يعكس نضجًا سياسيًا ملحوظًا لدى القيادة الجنوبية.
وبدلًا من التمترس خلف الشعارات، أظهرت القيادة الجنوبية التزامًا حقيقيًا ببناء نموذج مؤسسي، ينطلق من الأرض ويتفاعل مع الواقع بما يساهم في تحقيق تقدم نوعي للمسار التحرري.
مقومات بناء الدولة الجنوبية لم تعد محل شك، بل باتت أمرًا ملموسًا على الأرض، سواء من خلال استقرار المناطق الجنوبية نسبيًا مقارنة بمناطق الشمال التي تشهد فوضى سياسية ومليشياوية، أو من خلال حضور الجنوب في المحافل الإقليمية والدولية بصيغة أكثر تنظيمًا.
يضاف إلى ذلك، تنامي الوعي الشعبي بأهمية المشروع الوطني الجنوبي، باعتباره مشروعًا للكرامة والسيادة والتنمية، وليس فقط استعادة جغرافيا.
في ضوء هذه المعطيات، فإن ذكرى إعلان فك الارتباط هذا العام تحمل دلالات أعمق من أي وقت مضى، فهي لم تعد استذكارًا لموقف سياسي مضى، بل استحضارًا لحقيقة واقعية مفادها أن الجنوب يمتلك اليوم كل الأدوات اللازمة لبناء دولته.
إعلان فك الارتباط في 21 مايو 1994.. في ظل هذه الظروف القمعية، جاء إعلان فك الارتباط من قبل الرئيس الجنوبي الأسبق علي سالم البيض في 21 مايو 1994، كتعبير عن رفض الجنوب لما آلت إليه الوحدة، وإعلان رسمي عن الانفصال السياسي والإداري والمؤسسي عن نظام صنعاء. أعلن البيض في خطابه من قلب العاصمة عدن استعادة دولة الجنوب المستقلة، مؤكدًا أن الوحدة لم تعد قائمة بفعل ما مارسه النظام الشمالي من انتهاكات.
وقد شكل هذا الإعلان لحظة فارقة في التاريخ السياسي الجنوبي، حيث كان أول تعبير رسمي عن إرادة الانفصال بعد أن تحولت الوحدة إلى أداة للظلم، وليس كما كان يأمل أبناء الجنوب. وعلى الرغم من أن الإعلان لم يُكتب له النجاح في حينه نتيجة التفوق العسكري لقوات صنعاء، إلا أنه ظل وثيقة سياسية وتاريخية تؤسس لمطلب استعادة الدولة الجنوبية المستقلة.
لا تزال ذكرى 21 مايو تحظى بمكانة خاصة في نفوس أبناء الجنوب، كونها تُمثّل لحظة وعي وطني جماعي بأن لا مستقبل للجنوب إلا بدولته المستقلة. وقد أصبحت هذه الذكرى، عامًا بعد عام، رمزًا من رموز النضال الجنوبي ومناسبة وطنية تتجدد فيها العزيمة والإصرار على استعادة الدولة.
ويحرص الجنوبيون في كل محافظات الجنوب على إحياء هذه المناسبة من خلال المسيرات والفعاليات والبيانات السياسية، لتجديد العهد بالثبات على خيار الاستقلال، وتذكير الأجيال الجديدة بأن الحرية والسيادة لا تأتي إلا بالتضحيات والوحدة الوطنية.
رغم قمع النظام الشمالي للحركة الجنوبية بعد 1994، ظل الجنوبيون يتمسكون بحقهم في الاستقلال، فكانت انتفاضات متكررة، في انطلاق الحراك الجنوبي السلمي في 2007، بقيادة نخبة من القادة العسكريين والمدنيين، الذين تعرضوا للإقصاء من مؤسسات الدولة.
رفع الحراك الجنوبي شعار استعادة الدولة، متسلحًا بإرث 21 مايو، ومطالبًا العالم بالاعتراف بأن الوحدة فشلت وتحولت إلى احتلال. ومن خلال الفعاليات السلمية والاعتصامات والمسيرات، أعاد الحراك قضية الجنوب إلى واجهة المشهد السياسي، محققًا مكاسب سياسية وإعلامية وشعبية واسعة.
في مايو 2017، جاء تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة اللواء عيدروس قاسم الزُبيدي، كتجسيد عملي للخطاب الجنوبي التاريخي الذي بدأ بإعلان فك الارتباط. فقد تمكّن المجلس من توحيد الجهود السياسية والعسكرية والشعبية، وتمثيل قضية شعب الجنوب في المحافل الإقليمية والدولية.
ويُعدّ المجلس الانتقالي الجنوبي اليوم الوريث السياسي والشرعي لإرث 21 مايو، حيث بات الصوت الأبرز لقضية الجنوب، ويقود مشروع استعادة الدولة، مستفيدًا من التغيرات الإقليمية والدولية والدعم الشعبي الجنوبي الواسع.
أدى تزايد الوعي الدولي بحقيقة ما يجري في اليمن، وفشل مشروع الوحدة، إلى فتح نوافذ جديدة أمام قضية شعب الجنوب. فقد بدأت العديد من الدول والمنظمات تدرك أن الحل العادل لا يمكن أن يتم دون الاعتراف بحق الجنوبيين في تقرير مصيرهم، وأن الوحدة لم تعد خيارًا ممكنًا.
وفي ظل استمرار الحرب، وضعف سلطة صنعاء، وبروز المجلس الانتقالي الجنوبي كقوة عسكرية وسياسية، بات مطلب استعادة الدولة يحظى بزخم غير مسبوق، مستندًا إلى شرعية شعبية وتاريخية وإرادة سياسية واضحة.
إن الاحتفال بذكرى 21 مايو هذا العام لا يقتصر على استذكار الماضي، بل هو محطة لتجديد العهد بأن لا عودة إلى الوراء، ولا تراجع عن مطلب الدولة الجنوبية. فشعب الجنوب قدّم قوافل من الشهداء، وخاض معارك شرسة في مواجهة الإرهاب والاحتلال، وبات يمتلك مؤسسات أمنية وعسكرية واقتصادية تمكنه من إدارة شؤونه.
يتطلع الجنوبيون اليوم إلى مرحلة جديدة عنوانها "الاستقلال الكامل"، ضمن دولة فدرالية جنوبية تحفظ الحقوق وتصون الهوية، وتبني مؤسسات قوية على أسس الشفافية والحكم الرشيد، بعيدًا عن الفساد والاستبداد الذي كان سائدًا في مشروع الوحدة الفاشل.
-رسالة إلى أبناء الجنوب: بأن وحدتكم هي الضمانة الوحيدة لتحقيق الاستقلال، وأن الاصطفاف خلف القيادة السياسية للمجلس الانتقالي الجنوبي هو السبيل لتثبيت المكاسب.
-رسالة إلى الأعداء: أن الجنوب لم ولن يكون تابعًا بعد اليوم، وأن أي محاولات لإعادة احتلاله ستُقابل بمقاومة شرسة من شعب لا يُقهر.
-رسالة إلى المجتمع الدولي: أن اعترافكم بحق شعب الجنوب في استعادة دولته، ليس فقط استجابة لإرادة شعبية، بل مساهمة في إحلال السلام والاستقرار في المنطقة.
-رسالة إلى شباب الجنوب: أنتم مستقبل الجنوب، فتعلموا تاريخه، وتمسكوا بهويتكم، وكونوا على قدر المسؤولية في بناء الدولة القادمة.
في الذكرى الـ31 لإعلان فك الارتباط، يتجدد العهد والوفاء لدماء الشهداء، ويتعزز الإيمان بأن الجنوب قادم لا محالة. فكما أن إرادة الشعوب لا تُكسر، فإن حلم الجنوبيين باستعادة دولتهم المستقلة سيظل مشروعهم المقدس، الذي لن يتراجعوا عنه حتى رفع علم الجنوب عاليًا خفاقًا على كل ربوعه.
إن 21 مايو لم يعد مجرد ذكرى، بل هو مشروع حياة، وموعد دائم مع الحرية والكرامة، ودرس عظيم في الإرادة والتمسك بالحقوق، سيظل حيًّا في وجدان كل جنوبي حتى تتحقق الغاية الكبرى في دولة جنوبية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها عدن.
انضموا لقناة متن الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا https://t.me/matnnews1
