كيف سجل الجنوب العربي قبل عشر سنوات من بوابة الضالع أول نصر حقيقي في مواجهة المشروع الحوثي؟
سجل الجنوب العربي قبل عشر سنوات، من بوابة الضالع، أول نصر حقيقي في مواجهة المشروع الحوثي المدعوم من إيران.
لم يكن ذلك الانتصار حدثًا عسكريًا عابرًا فحسب، بل كان بداية النهاية لمشروع التمدد الفارسي في الجنوب، وبداية صحوة عربية جنوبية كسرت وهم الهيمنة الطائفية على المنطقة.
تحرير الضالع مثّل لحظة فاصلة في تاريخ الجنوب، حين تحوّلت المدينة الجبلية الصامدة إلى قلعة مقاومة حطمت أسطورة الميليشيات التي لا تُهزم.
ففي وقتٍ كانت فيه المليشيات الحوثية الإرهابية تحاول السيطرة على الجنوب بقوة السلاح والإرهاب، انتفضت الضالع برجالها ونسائها، لتعلن بصوت عالٍ أن الجنوب ليس ساحة مفتوحة لمشاريع الهيمنة، بل أرضٌ تقاتل من أجل الكرامة والهوية والسيادة.
لم تكن معركة الضالع مجرد معركة تحرير مدينة، بل كانت أول صفعة حقيقية على وجه المشروع الإيراني في المنطقة.
فالمليشيات الحوثية، وهي الذراع المحلي للنظام الإيراني، سعت لفرض واقع جديد في الجنوب، يزرع الطائفية ويغيّب إرادة الشعوب، لكن ما لم تحسب له حسابًا هو أن في الضالع شعبًا يرفض الوصاية، ويؤمن بأن الجنوب ليس امتدادًا لأية أجندة خارجية، بل كيان حرّ وصاحب قرار مستقل.
من الضالع بدأت أولى الانهيارات في جدار التمدد الإيراني، وكما كانت الضالع أول مدينة تتحرر، أصبحت رمزًا لإرادة عربية جنوبية صلبة، تؤمن بأن مصيرها لا يُرسم في طهران أو صنعاء، بل يُكتب في ميادين البطولة وساحات الشرف.
لم يكن النصر في الضالع ليتحقق لولا التضحيات الجسيمة التي قدّمها الشهداء والجرحى والمقاتلون، وهي بطولات ليست قصصًا شخصية فقط، بل هي لبنات في جدار وطني صلب، يجب أن يُروى للأجيال القادمة كي تدرك أن الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع بدماء الأحرار.
25 مايو يعتبر رمز الانتصار للكرامة والحرية، وفي مثل هذا اليوم قبل عشر سنوات، سُطرت ملحمة جنوبية خالدة في تاريخ الصراع مع الميليشيات الحوثية، حين انتفضت الضالع، درع الجنوب، لتكون أول محافظة جنوبية تتحرر من قبضة الانقلابيين، بقيادة الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، في معركة وُصفت بأنها "سيدة معارك الجنوب".
شكل يوم 25 مايو 2015 نقطة تحول مفصلية في مسار مقاومة المشروع الحوثي، إذ استطاع أبناء الضالع، مسنودين برجال الجنوب الأحرار، دحر المليشيات واستعادة زمام المبادرة، في لحظة تاريخية بدّدت أوهام الهيمنة القادمة من صنعاء، وأرست معالم عهد جديد من النضال الوطني.
معركة التحرير لم تكن حدثًا عابرًا، بل مثّلت أول انتصار عسكري فعلي ضد الحوثيين في الجنوب، لترتفع الروح المعنوية للمقاومة الشعبية، وتنطلق شرارة الكفاح المسلح لتحرير باقي الأراضي الجنوبية. ومنذ تلك اللحظة، أصبح تاريخ 25 مايو رمزًا وطنيًا للصمود والتضحية والكرامة.
الذكرى العاشرة لهذا النصر تستحضر أرواح الشهداء الذين قدموا أغلى ما يملكون فداءً للجنوب، وتعيد إلى الأذهان صور المقاتلين وهم يتقدمون خطوط النار بكل شجاعة، في معركة خاضتها الضالع نيابة عن الجنوب بأكمله. فقد واجهت المحافظة آنذاك واحدة من أعنف الهجمات، حيث حشدت الميليشيات الحوثية وقوات موالية للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح كل ثقلها العسكري بهدف إخضاع المدينة، لكنها اصطدمت بإرادة صلبة وتماسك شعبي منقطع النظير.
وشهدت الضالع في تلك المرحلة التفافًا شعبيًا واسعًا، حيث ساندتها مختلف مديريات الجنوب، من عدن إلى شبوة، ومن لحج إلى أبين، في صورة وطنية جسدت وحدة الهدف والمصير. ولولا هذا التكافل وتضحيات المقاتلين لَما تحقّق هذا النصر المبكر.
يقول مراقبون إن معركة الضالع لم تكن مجرد انتصار عسكري، بل حدثًا استراتيجيًا أعاد رسم خارطة المواجهة، ورسّخ القناعة لدى الجنوب بأن طريق التحرير لا يمكن أن يتحقق إلا عبر المقاومة المسلحة والتلاحم الشعبي والسياسي.
ومع حلول الذكرى العاشرة، تتجدد مشاعر الفخر والوفاء، ويؤكد أبناء الضالع تمسّكهم بإرث الشهداء، ورفضهم لأي محاولة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء. وتُشكّل هذه المناسبة كذلك فرصة لتأكيد الثوابت الوطنية الجنوبية، والتمسك بالتحرير والاستقلال كخيار استراتيجي لا رجعة عنه.
ستظل ذكرى تحرير الضالع عنوانًا للفخر ومصدرًا لإلهام الأجيال القادمة، وشاهدًا حيًا على قدرة الشعوب في فرض إرادتها عندما تمتلك العزيمة والقيادة والهدف.
مرت 31 عاما على الاحتلال اليمني للجنوب، ومحاولة تجريف هويته دولة وشعبا، إلا أن النضال الشعبي، بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي، ورئيسه اللواء عيدروس الزُبيدي، يؤسس مداميك الدولة الفيدرالية كاملة السيادة.
في السابع والعشرين من أبريل عام 1994م، أعلن نظام صنعاء بقيادة علي عبدالله صالح عفاش وتحالفه مع جماعة الإخوان المسلمين (حزب الإصلاح) والمجاهدين من افغان العرب ”تنظيم القاعدة “ الحرب على الجنوب، وذلك من ميدان السبعين بصنعاء، والانقلاب على مشروع الوحدة السلمية بين الدولتين الذي تم توقيعه قبل ذلك بفترة وجيزة في وثيقة العهد والاتفاق في العاصمة الاردنية عمان برعاية العاهل الأردني الملك الحسين بن طلال.
وجاء إعلان الحرب من ميدان السبعين بصنعاء عاصمة الجمهورية العربية اليمنية، في خطوة وصفها مراقبون وسياسيون بأنها كانت الطلقة الأولى القاتلة للوحدة السلمية، وعقب ذلك الإعلان بساعات تحركت القوات الشمالية بقيادة الفرقة الأولى مدرع وعناصر قبلية من محافظة عمران والمناطق المحيطة بها لمهاجمة اللواء الثالث مدرع التابع للجيش الجنوبي المتمركز في محافظة عمران الشمالية، ما أدى إلى اندلاع معارك عنيفة استمرت حتى نهاية شهر أبريل، وأسفرت عن تدمير عشرات الاطقم المسلحة والدبابات والعربات المدرعة، وسقوط مئات القتلى والجرحى من الجانبين وقيام مليشيات جماعة الإخوان وتنظيم القاعدة بتصفية الأسرى الجنوبيين.
وبالتزامن مع انفجار الوضع بعد المعارك الشرسة التي خاضها منتسبي اللواء الثالث مدرع للجيش الجنوبي واستمرت إلى 30 ابريل في محافظة عمران، توسعت رقعة الحرب وتصاعد التوتر في محافظة ذمار الشمالية، من خلال قيام مليشيات الاخوان الإرهابية وقوات نظام عفاش بمحاصرة لواء باصهيب الجنوبي المتمركز في ذمار وتفجير الموقف بين الطرفين، بينما امتدت الحرب إلى معسكر لواء العمالقة الشمالي المتمركز في محافظة أبين
وفي الرابع من مايو 1994م، اتسعت رقعة المواجهات لتشمل جبهات عدة، حيث خاض لواء باصهيب قتالًا عنيفًا في ذمار ضد القوات الشمالية المتفوقة عددًا وعدة، كما امتدت الاشتباكات إلى منطقة يريم، حيث خسر الجيش الجنوبي اللواء الأول مدفعية بعد معارك غير متكافئة تخللها غدر عسكري وسرقة الإبر النارية من المدافع بعد محاصرته من قبل القبائل الشمالية ومليشيات الإخوان المعززين بعناصر تنظيم القاعدة القادمين من افغانستان.
ومع تصاعد العمليات العسكرية، باشرت قوات الجمهورية العربية اليمنية، بمشاركة ألوية الحرس الجمهوري والأمن المركزي والمليشيات القبلية والدينية، اجتياح مناطق الجنوب برًا وجوًا وبحرًا، في ظل حملة تدمير ممنهجة للمدن والقرى الجنوبية وقطع إمدادات المياه والكهرباء عن المدنيين، مما أدى إلى نزوح مئات الآلاف من سكان محافظات الجنوب
ورغم القرارات والمواقف الدولية، الصادرة في تلك الفترة من عام 1994م خصوصًا قراري مجلس الأمن (924) و(931) الداعيين نظام الجمهورية العربية اليمنية في صنعاء إلى وقف إطلاق النار، بالإضافة إلى المواقف الإقليمية والدولية الرافضة بفرض الوحدة بقوة السلاح، لكن نظام صنعاء رفض قراري مجلس الامن والمواقف الدولية ومضى في عملياته العسكرية والحربية ضد الجنوب وقواته المسلحة حتى تم احتلال عدن عاصمة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في السابع من يوليو 1994م.
حيث انتهت الحرب بفرض نظام صنعاء احتلال عسكري على ارض محافظات الجنوب ونهب ثرواتها، مما حول حلم الوحدة السلمية إلى كابوس استعماري واحتلال ببربري متخلف أرسى في ذاكرة الجنوبيين قناعة راسخة بأن الوحدة السلمية قد دُفنت، وأن ما حدث كان غزوًا عسكريًا بكل المقاييس بعد تحويلها بقوة السلاح إلى احتلال للأرض والإنسان.
انضموا لقناة متن الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا https://t.me/matnnews1
