عشوائيات المدن.. بؤرة الاحتجاجات في إيران

متن نيوز

زاد قلق المرشد الأعلى للنظام الإيراني علي خامنئي مع اقتراب موعد مهزلة الانتخابات البرلمانية ووجد نفسه  في مأزق مرعب. فمن ناحية، وصلت الأوضاع المجتمعية إلى درجة الغليان وهي على وشك الانفجار. بحيث يمكن أن يعمل مجرد نقاش بسيط بين اثنين من المطلعين على بواطن النظام بمثابة فتيل صراع، كما أن أئمة صلاة الجمعة حذروا من أن تجربة انتفاضة 2009 لا ينبغي نسيانها و”لا ينبغي محوها من الذاكرة التاريخية للشعب الإيراني”.

 

ومن ناحية أخرى، یخشى خامنئي بشدة من أن تؤدي المقاطعة واسعة النطاق للانتخابات إلى تسليط الضوء بشكل أكبر على عدم شرعية نظامه. وهو يخشى أن يتحول الأمر إلى “استفتاء ضد النظام” ويشكل عليه مرة أخرى سببا كبيرًا للانتفاضة من جديد. ويزيد هذا المأزق السياسي، إلى جانب الوضع الداخلي المضطرب، من تعقيده وإطالة أمده بسبب حرب غزة، وهذا هو الظروف الإقليمية الصعبة التي يواجهها النظام. وتساهم كل هذه العوامل في التوصل إلى فهم أكثر شمولًا لمأزق خامنئي.

 

مواقع الاحتجاجات المستمرة

ففي هذا الوضع الحرج، يمكن رؤية أزمات النظام التي لم يتم حلها في كل جانب. ومن الأمثلة على ذلك الظروف المتفجرة في عشوائيات في مدن مثل مدينة كرج والمناطق المحيطة بها في محافظة البرز. وتعكس الاضطرابات المستمرة في هذه المناطق استياء الناس وتظلماتهم العميقة الجذور.

 

وكتبت صحيفة “هم ميهن” في 7 يناير: “نظرًا لأن هذه المحافظة [ألبرز] وخاصة كرج تحولت من أماكن إقامة مؤقتة إلى أماكن إقامة دائمة للمواطنين، فقد تسبب ذلك في استياء العديد من الناس في مختلف مدن المحافظة، إلى حد أصبحت كرج وکوهردشت مواقع ثابتة للاحتجاجات في السنوات الأخيرة.

 

وبالطبع، من الواضح أن «استياء الكثير من الناس في مختلف مدن هذه المحافظة» لا يرتبط بشكل مباشر بكون هذه المناطق هي مدن أو محافظات. إذا كانت هذه القضية صحيحة بالفعل، فهي مجرد واحدة من العوامل الثانوية والثالثية العديدة التي تساهم في الاضطرابات في تلك المناطق. ويجب البحث عن الأسباب الجذرية للاستياء العام بين سكان هذه المدن في مكان آخر، ألا وهو الفقر والعوز والقمع والاستبداد والظلم والتمييز. وتلقي هذه القضايا بظلالها الواسعة على جميع أنحاء البلاد، لكنها تتفاقم في أطراف المدن، مما يؤدي إلى خلق أجواء أكثر تمردًا في هذه المناطق.

 

تكثيف القمع

وتجدر الإشارة إلى أنه خلافًا لخطط النظام، فإن شدة القمع في هذه المناطق كان لها علاقة مباشرة مع شدة “الاحتجاجات”. وكلما زاد لجوء النظام إلى القمع وزيادة عدد السجون لقمع المنتفضین، كلما قل نجاحه في احتواء الوضع وكلما زاد غضب الناس.

 

وأضافت صحيفة هم‌ميهن: “مدينة كرج محاطة بسجون كجویي والسجن المركزي وسجن رجائي شهر وسجن قزل حصار… وكشفت دراسة أن السجون في كرج قد ساهمت في ركود التنمية السياسية، وظهور تحديات اجتماعية، بما في ذلك زيادة الجريمة، والمستوطنات العشوائية، والتحديات الثقافية والمعادية للقيمة [الاحتجاجات والانتفاضات]. “

 

وهناك مثال آخر على العواقب العكسية لهذه الزنزانات في كرج وهو الأجواء النابضة بالحياة التي تجلت بشكل خاص خلال انتفاضة 2022. ففي كثير من الأحيان اتخذ ذلك شكلا من تجمعات لأهالي السجناء واحتجاجًا على أحكام الإعدام الجائرة أمام هذه السجون. وأحد الأمثلة البارزة كان مساء يوم 8 يناير2023، عندما وصلت أنباء نقل محمد قبادلو ومحمد بروغني إلى الزنازين الانفرادية، مما أدى بسرعة إلى تجمع عائلاتهما مع حشد كبير أمام سجن جوهردشت وهم يرددون الشعارات طوال الليل، وتكشفت الأحداث اللاحقة أن هذه الاحتجاجات أجبرت النظام في نهاية المطاف على إخلاء سجن جوهردشت وإغلاقه.

 

والنقطة الأخرى البارزة هي القمع والظلم الشديد الذي تعرض له سكان هذه المناطق خلال السنوات المظلمة لحكم الملالي في إيران. ونتيجة لذلك، يواجه المضطهدون في هذه المدن باستمرار المزيد من المضايقات والتمييز، حتى في ظل نفس القضاء والقوانين القائمة.

 

وفي ظل الحكم المشين للملالي، فإن البعد الجغرافي والبعد عن العاصمة يؤدي إلى مزيد من المضايقات والاضطهاد القضائي والقضايا الملفقة. ووفقًا لتقرير نشرته عن هم ميهن بتاريخ 3 يناير، “يمكن أن يؤدي أي فعل أو سلوك يعتبر طبيعيًا ومعتادًا في طهران، على بعد 30 كيلومترًا فقط، إلى الاضطهاد القانوني، وإنشاء قضية، والعقاب في مدينة كرج. ويشعر المحامون في مدن مختلفة بقلق بالغ إزاء هذا الأمر.

 

وإذا نظرنا إلى الإحصائيات الأخيرة لعمليات الإعدام، فيبرز ذلك وجود سجنان هما سجن قزل حصار وسجن كرج المركزي، مما يشير إلى الأجواء المضطربة في هذه المناطق.

 

ووفقًا لوسائل الإعلام الحکومیة، فإن أيًا من الأدوات القمعية مثل السجن والإعدام والأحكام الأشد لم تكن فعالة، بل، عمقت يومًا بعد يوم الانقسام بين الشعب والنظام.

 

وقال خامنئي في 3 يناير 2024،: “كل من يعارض الانتخابات فهو معارض للجمهورية الإسلامية”. وعليه أن يدرك أنه إذا كانت الإحصائيات السابقة لنظامه تشير إلى عداء بنسبة 96٪ تجاهه من قبل الشعب الإيراني، فإن هذه الأرقام قد زادت الآن بشكل أكبر. وبدلا من التركيز على الانتخابات، بدأت المدن الإيرانية بشكل عام، وفي الضواحي بشكل خاص، بالإدلاء بأصواتها بخروجها إلى الشوارع والاحتجاجات.

 

ونقلت صحيفة “خبر أونلاين” في 7 يناير، عن النائب محمد جواد كوليوند قوله: “في محافظة البرز، على سبيل المثال، في الانتخابات السابقة، وخاصة في الجولة الثانية، لم تصل نسبة المشاركة حتى إلى 2% إلى 3% من الأفراد الذين شاركوا في عملية التصويت.