قراءة في التطورات الأخيرة للعلاقات السعودية الأمريكية (دراسة تحليلية)

العلاقات السعودية
العلاقات السعودية الأمريكية

في ظل رئاسة جو بايدن كانت العلاقات الأمريكية السعودية وما زالت تمر بمرحلة اختلاف وتناقض وتأزم. وخلال حملته الانتخابية، رد بايدن على سؤال عما إذا كان سيعاقب قادة سعوديين رفيعي المستوى على مقتل الصحفي جمال خاشقجي وانتهاكات حقوق الإنسان على عكس موقف دونالد ترامب الرئيس آنذاك، قائلا: "نعم. خاشقجي قُتل وقُطعت أوصاله وأعتقد أن هذا كان بأمر ولي العهد"، وهو ما نفته السعودية. وأضاف بايدن: "أود أن أوضح أننا لن نبيع لهم مزيدا من الأسلحة، وسنجعلهم يدفعون الثمن، ونجعلهم في الواقع منبوذين كما هم".

لكن قلة كان بإمكانهم حينها توقع مدى تدهور هذه الشراكة، التي حددتها ولسنوات مبيعات الأسلحة الأمريكية الضخمة إلى الرياض مقابل التعاون في مجال الأمن والطاقة.

المؤشر الأول لخروج تلك العلاقة الإستراتيجية التي دامت عقودا، إن بايدن يعتبر إن خفض السعودية لإنتاج النفط، إلى جانب دول أخرى في أوبك بلس (روسيا)، ستكون له "عواقب" وغضب تجاه السعودية. إذ أن مثل هذه الخطوة تؤدي إلى ارتفاع  في أسعار الطاقة حول العالم.

وعلى الرغم أن السعودية أكدت بأن الخفض يهدف إلى "الحفاظ على سوق نفط مستدام"، إلا أن البيت الأبيض ظل يتهم الرياض بالانحياز إلى جانب روسيا في حربها ضد أوكرانيا، ويحذر من أن الولايات المتحدة تتطلع إلى "إعادة تقييم" علاقتها مع المملكة نتيجة لذلك.

منذ أربعينيات القرن الماضي لم تكن العلاقات الامريكية السعودية بهذا السوء. حتى في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/ 2001، عملت الحكومتان بهدوء خلف الكواليس للحد من الأضرار التي لحقت بتعاونهما، والحفاظ على العلاقة الأمنية الأساسية بينهما من الغضب المحلي في أمريكا. لكن هذه المرة إدارة بايدن هي التي تثير المشاعر المعادية للسعودية داخل أمريكا.

خطوة خفض إنتاج النفط، تؤدي إلى رفع أسعار الطاقة في جميع أنحاء العالم بما في ذلك الولايات المتحدة، وهذه من الأمور الحاسمة لإدارة بايدن والتي قد تضر بمستقبل الحزب الديمقراطي.

كما أن هذا القرار أثار غضب البيت الأبيض ما اضطر بايدن إلى أن يتدخل شخصيا لإقناع الرياض بزيادة الإنتاج في يوليو/ 2022م، عندما زار المملكة لأول مرة بعد توليه الرئاسة لكنه ووجه ب "لا" السعودية. ما دفع المتحدث باسم الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي للتصريح بأن الولايات المتحدة تدرس إعادة التفكير في العلاقات الأمريكية السعودية.

على صعيد أخرظلت المملكة العربية السعودية هي أكبر مستورد للأسلحة الأمريكية في العالم، بدوافع ضرورة مواجهة منافستها الإقليمية، إيران. فكانت مبيعات الأسلحة مند عهد بايدن تحت التهديد، خصوصا بعد أن دعا بوب مينينديز، الذي يرأس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، والتي تشرف على مبيعات الأسلحة، في بيان إلى وقف في مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية.

وهدا يؤكد أن الخلافات بين إدارة بايدن والمملكة العربية السعودية أعمق بكثير من أسعار النفط، وأن الرؤساء الديمقراطيين في الآونة الأخيرة ينظرون إلى علاقتهم مع المملكة على أنها لم تعد ذات قيمة كما كانت من قبل.

الموقف الأمريكي من عمليات التحالف العربي في اليمن شهد تغيرا ملحوظا من خلال:

-           الغاء قرار ترامب بتصنيف الحوثيين جماعة ارهابية

-           وقف الدعم الاستخباراتي الامريكي لعمليات التحالف في اليمن

-           وقف صفقات كانت جاهزة من الاسلحة الأمريكية للسعودية

المكاسب والتنازلات.. ماذا بعد مصافحة القبضة بين بايدن ومحمد بن سلمان؟

يعتقد المحلل السياسي السعودي الأنصاري: "بلا أي شك، الرئيس بايدن والتقدميون في حزبه اليساري شنوا أكبر حملة مسيئة في التاريخ الحديث ضد شخص ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، فهم لم يدخروا جهدا أو أداة في إفشال مشروعه إلا واستخدموه، ظنا منهم بأن ذلك سيؤثر في رؤية المواطنين السعوديين في قيادتهم"، مضيفا: "لكن تفاجأت واشنطن بأن سياستهم ضد الأمير جلبت نتائج عكسية تماما،وأصبح ولي العهد هو الرقم الصعب في الداخل السعودي والإقليمي والعالمي.

 تطبيع العلاقات بين السعودية وايران:

الملفت في خضم الترحيب العربي والدولي بتوقيع اتفاق تطبيع العلاقات بين ايران والسعودية برعاية صينية هو توجس أمريكا وإسرائيل، الملموس عبر تصريحات مسؤوليهم.

حيث قال متحدث باسم مجلس الأمن القومي إن واشنطن كانت على علم بالتواصل بين الرياض وطهران لكنها لم تلعب دورًا في الاتفاق بينهما، وأن أثره على "اتفاقيات إبراهيم" ليس واضحًا بعد. فيما أكد مسؤول إسرائيلي أن الاتفاق سيؤثر على فرص التطبيع بين إسرائيل والسعودية، ووصف رئيس الوزراء السابق، نفتالي بينيت، الاتفاق بأنه "ضربة قاضية لجهود بناء تحالف إقليمي ضد إيران.

تدرك الولايات المتحدث آثار التقارب بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية على الساحة الدولية بشكل جلي وواضح، في مختلف المسائل العالمية خصوصا في مجال الطاقة بحيث يتوقع من إيران لعب دور مهم كقوة طاقوية للتخفيف من وطأة أزمة الطاقة عقب الحرب الروسية – الأوكرانية.

من جانب أخر قد تحاول الدول الأطراف في الإتفاق النووي مع إيران إلزام هذه الإخيرة بتعهداتها في الإتفاق النووي من باب وقف السباق نحو التسلح الذي قد يهدد إستقرار المنطقة ككل وقد يستغل التقارب السعودي – الإيراني من الجانبين الغربي والإيراني والتي تطالب هي الأخرى الدول الغربية برفع العقوبات الإقتصادية الموجهة ضدها خصوصا بعد الإنسحاب الأمريكي من الإتفاق. من وجهة نظر أخرى قد يقود التقارب السعودي الإيراني تقارب سعودي – روسي – صيني برعاية إيرانية والذي قد يقود بدوره لإنضمام السعودية لمجموعة دول البريكس وهي الخطوة التي من شأنها إثارة حفيظة الدول الغربية.

ختاما؛ تكشف الأزمات الدولية والإقليمية عن أن العلاقات الأمريكية- السعودية هي علاقات براجماتية بقدر أكبر من أنها استراتيجية، قد تشهد نوعًا من الصعود في أوقات وهبوطًا في أوقات آخري، ويعود ذلك إلى رؤية ومصالح كل طرف، كما أن عدم ضمان الولايات المتحدة لأمن السعودية وباقي دول الخليج دفعها إلى تنويع شراكتها، وأن التحول في القرارات السعودية الأخيرة، يكشف عن تحرك بعيدًا عن التبعية الأمريكية، ليس بفقد الولايات المتحدة كلية خاصة أن العلاقات مع السعودية على مستوى الإدارات سواء جمهورية أو ديمقراطية تعكس براجماتية هذه العلاقات وأن الدولتين تجمعهما مصالح أمنية استراتيجية وليس النفط فقط. لكن المؤكد أن العلاقات السعودية الأمريكية لن تتحسن على الأقل في ظل إدارة الرئيس الحالي بايدن.