جاء "أبو لؤلؤة" مُتَعَمِّدًا.. كواليس لا تعرفها حول حادثة استشهاد عمر بن الخطاب بالمسجد

متن نيوز

على مدار ما يزيد عن ألف عام، حكم الدولة الإسلامية العشرات من الخلفاء والحكام، بتتابع الدول الأموية والعباسية والمملوكية نهاية بالعثمانية.

 

واختلفت مشارب ومآرب كل من تلك الدول وحكامها، ومن المراجع التاريخية وكتابات المفكرين، وتحت عنوان "دار الخلافة"، نتناول ملامح من سيرة الخلفاء، ومواقفهم وفلسفتهم في حلقات مسلسلة على أيام شهر رمضان المبارك.

 

 

وحول الحديث عن عمر بن الخطاب، مع حادثة استشهاده بالمسجد في صلاة الفجر، ويفارق الفاروق إلى بارئه، بعدما أمضى 10 سنوات وأشهُر قضاها أميرًا للمؤمنين، متجردًا لله ولدين الله، منكرًا نفسه وأهله، متوجهًا بكل عقله وقلبه وجوارحه لينهض بالعبء العظيم الذي ألقاه القدر على عاتقه، فكان القائد الأعلى للجيش، والفقيه الأكبر بين فقهاء المسلمين، والمجتهد الذي يرجع الكل إلى رأيه، ويقر الكل اجتهاده؛ والقاضي النزيه العادل الذي يفصل في الخصومات، ويأخذ للضعيف حقه من القوي، والأب البار الرحيم بالمسلمين جميعًا، صغيرهم قبل كبيرهم، وضعيفهم قبل قويهم، كما وصفه الدكتور محمد حسين هيكل بكتابه "الفاروق عمر".

يقول هيكل: "ورجع عمر من منزله قبل مطلع الشمس من يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين للهجرة، يؤم الناس لصلاة الفجر، وكان يوكِّل رجالًا في المسجد بالصفوف يسوونها قُبَيْلَ كل صلاة، فإذا استوت جاء هو فنظر إلى الصف الأول فإذا رأى فيه متقدمًا أو متأخرًا علاه بالدِّرَّة، حتى إذا انتظم الجميع في أماكنهم كبر للصلاة".

وعن لحظات ما قبل استشهاده، دخل في تلك الساعة من ذلك اليوم ولما يكد يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، فلما بدأ ينوي للصلاة ليكبر إذا رجل ظهر فجأة قُبَالته، فطعنه بخنجره ثلاث طعنات أو ست طعنات، إحداها تحت سُرَّته، وأحس عمر حر السلاح، فالتفت إلى المصلين باسطًا يديه يقول: "ادركوا الكلب فقد قتلني!" وكان الكلب أبا لؤلؤة فيروز غلام المغيرة، وكان فارسيًّا، أُسِرَ في نَهَاوَنْد ثم وقع في ملك المغيرة بن شعبة.

 

وقد جاء "أبو لؤلؤة"، إلى المسجد مُتَعَمِّدًا قَتْلَ عمر في هذه الساعة المبكرة من الغَلَس يخبئ تحت ردائه خنجرًا قَبْضَتُهُ في وسطه وله نَصْلانِ حادَّانِ، واختبأ في أحد أركان المسجد حتى إذا بدأت الصلاة ارتكب فعلته، ثم اندفع يريد الفرار نجاة بنفسه، وماج الناس مضطربين لما سمعوا، وأقبل كثيرون منهم على الكلب يريدون القبض عليه والتنكيل به، ولم يَدَعْهم فيروز يأخذون بِتَلابِيبِه، بل جعل يطعنهم يَمْنَةً ويَسْرَةً حتى طعن اثني عشر، مات منهم ستة على قول وتسعة على قول آخر، ثم إن رجلًا أتاه من ورائه فألقى عليه رداءه وطرحه أرضًا، وأيقن فيروز أنه مقتول لا محالة، فانتحر بالخنجر الذي ضرب به أمير المؤمنين

 

كانت الطعنة التي أصابت عمر تحت سرته قد قطعت الصفاق والأمعاء، وكانت لذلك قاتلة، قيل: إن عمر لم يستطع الوقوف من حرها، بل سقط طريحًا، فاستخلف عبد الرحمن بن عَوْفٍ على الصلاة بالناس، فصلى بهم، بأقصر سورتين في القرآن: العصر والكوثر.

 

ورغ الناس من الصلاة وتفرقوا في جوانب المسجد وفي بُطَيْحَائه، ولا حديث لهم إلا هذا الحادث المروع الذي وقع بأعينهم، وانتشر الخبر في المدينة انتشار البرق، فاستيقظ من أهلها من لم يكن قد استيقظ، وأسرعوا جميعًا، رجالًا ونساء وصبيانًا، يريدون أن يقفوا على جَلِيَّة الخبر في هذا الأمر الجَلَل.

 

ونقل المصابون الآخرون إلى منازلهم، ومنهم من أسلم الروح أو كاد، ومنهم من يتنزَّى ألمًا من جراحه، ودخل كبار أهل الرأي على عمر مستفسرين، قال عبد الله بن عباس: «فلم أزل عند عمر ولم يزل في غشية واحدة حتى أسفر الصبح، فلما أسفر أفاق فنظر في وجوهنا فقال: أصلى الناس؟ قلت: نعم، فقال: لا إسلام لمن ترك الصلاة»، ثم إن ابن عباس خرج إجابة لرغبة عمر، فنادى في الناس: أيها الناس! إن أمير المؤمنين يقول، أعن ملأ منكم هذا؟ وفزع الناس لسماع هذه الكلمات موجَّهة إليهم، فصاحوا كلهم بلسان واحد: معاذ الله ما علمنا ولا اطلعنا، وكيف يكون ذلك وإنهم لو علموا لافتدوا عمر بأبنائهم وأرواحهم!، وسألهم ابن عباس: فمن طعن أمير المؤمنين؟ قالوا: طعنه عدو الله أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة.