جامعة القاهرة في ذكراها الـ 117: منارة التنوير العربي وصانعة القادة.. تاريخ عريق ومستقبل ذكي
يصادف اليوم الأحد، الحادي والعشرون من ديسمبر، ذكرى مرور 117 عامًا على افتتاح جامعة القاهرة، تلك المؤسسة التي لم تكن مجرد صرح تعليمي، بل كانت بمثابة "جامعة العرب الأولى" ومنطلق النهضة المدنية الحديثة في الشرق الأوسط. تأسست عام 1908 لتكون أول جامعة مدنية حديثة، مجسدةً حلم السيادة الوطنية والمعرفية في مواجهة التحديات السياسية والفكرية آنذاك.
منذ لحظة انطلاقها باسم "الجامعة المصرية"، كانت هذه المؤسسة ثمرة كفاح وطني وتنويري خاضه رموز الفكر العربي، لتتحول اليوم إلى صرح أكاديمي عالمي يضم مئات الآلاف من الطلاب ويمتلك فروعًا أهلية ودولية تواكب لغة العصر.
ميلاد الحلم (1908).. تحدي الاحتلال وبناء الهوية
لم تكن نشأة جامعة القاهرة مفروشة بالورود؛ فقد واجهت الفكرة معارضة شرسة من سلطات الاحتلال البريطاني، وعلى رأسها "اللورد كرومر" الذي كان يخشى نشوء نخبة مثقفة تهدد الوجود الاستعماري. لكن إصرار رموز الحركة الوطنية مثل الإمام محمد عبده، ومصطفى كامل، وسعد زغلول، وقاسم أمين، جعل الحلم واقعًا.
الافتتاح التاريخي: في 21 ديسمبر 1908، افتتحت الجامعة الأهلية في حفل مهيب بحضور الخديوي عباس حلمي الثاني.
المقر الأول: بدأت الدراسة بمحاضرات مسائية في قاعات متفرقة مثل نادي المدارس العليا، قبل أن تستقر في "سراي جناكليس" (مقر الجامعة الأمريكية حاليًا).
البعثات العلمية: أدركت الجامعة مبكرًا أهمية إعداد كوادرها، فأرسلت روادًا مثل طه حسين ومنصور فهمي إلى أوروبا، ليعودوا ويضعوا اللبنات الأولى للمناهج العلمية الحديثة.
التحول إلى جامعة حكومية وبناء المقر الحالي
في عام 1925، صدر مرسوم ملكي بتحويل الجامعة الأهلية إلى جامعة حكومية، وضُم إليها كليات الطب والحقوق والآداب والعلوم.
الأميرة فاطمة بنت إسماعيل: لعبت دورًا محوريًا بالتبرع بالأرض والمجوهرات لدعم الصرح العلمي، ليتم لاحقًا تشييد المقر الحالي بالجيزة عام 1928، وهو الموقع الذي أصبح رمزًا للهندسة المعمارية الرفيعة في مصر.
تغير الأسماء: حملت اسم "الجامعة المصرية" ثم "جامعة فؤاد الأول"، وصولًا إلى "جامعة القاهرة" عقب ثورة يوليو 1953، تماشيًا مع الهوية الوطنية الجديدة.
القبة والاحتفالات.. عبقرية التصميم المعماري
تعتبر قاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة، التي افتتحت عام 1935، تحفة معمارية لا مثيل لها:
التصميم: تعلوها قبة نصف كروية شاهقة بارفاع 52 مترًا، صُممت لتسمح بدخول الضوء الطبيعي وتوزيع الصوت بدقة مذهلة.
السعة التجهيزية: تتسع لـ 4000 متفرج، ومجهزة بأنظمة ترجمة فورية لسبع لغات، وشهدت إلقاء كلمات لزعماء العالم ورؤساء الدول وعمالقة الفكر.
التوسع الأكاديمي وصناعة التخصصات
لم تتوقف الجامعة عند الكليات التقليدية، بل واكبت التطور العالمي عبر العقود:
الستينات والسبعينات: تأسيس كليات نوعية مثل الاقتصاد والعلوم السياسية (1960)، والإعلام والآثار (1970).
التكنولوجيا والبحث العلمي: إنشاء المعهد القومي لعلوم الليزر (1994) وكلية الحاسبات والمعلومات (1996)، مما جعلها قِبلة للباحثين في المجالات الدقيقة.
القدرة الاستيعابية: في عام 2024، وصل عدد الطلاب إلى أكثر من 207 ألف طالب، بالإضافة إلى قرابة 30 ألف طالب وافد، مما يعكس قوتها الناعمة في جذب الدارسين من مختلف الجنسيات.
جامعة القاهرة الأهلية (2025).. عهد الذكاء الاصطناعي
في خطوة استراتيجية لمواكبة رؤية "مصر 2030"، شهد عام 2025 انطلاق جامعة القاهرة الأهلية بمدينة السادس من أكتوبر.
التخصصات الحديثة: تضم 14 كلية تقدم برامج في الذكاء الاصطناعي، الطب والجراحة، والهندسة المتقدمة.
الرؤية: تهدف الجامعة الأهلية، تحت رئاسة الدكتور محمد سامي عبد الصادق، إلى ربط البحث العلمي باحتياجات السوق المحلية والإقليمية وتطبيق استراتيجيات التعلم الذكي.
الريادة في التصنيفات العالمية (2021-2025)
حققت جامعة القاهرة قفزات نوعية في مؤشرات الجودة العالمية خلال السنوات الخمس الأخيرة:
تصنيف كيو إس (QS): احتلت المركز 350 عالميًا في تصنيف 2024/2025، متقدمة مئات المراكز في وقت قياسي.
تصنيف شنغهاي: حافظت على تواجدها القوي ضمن أفضل 500 جامعة حول العالم، محتلة الصدارة المحلية.
تصنيف لايدن: جاءت في المركز 159 عالميًا في جودة البحث العلمي لعام 2025.
التايمز العربي: حصدت المركز الثامن عربيًا والأول مصريًا لعام 2024.
أبرز الخريجين.. سفراء المعرفة للعالم
خرجت جامعة القاهرة عقولًا غيرت وجه التاريخ، منهم:
نجيب محفوظ: الأديب العالمي الحاصل على نوبل.
د. مجدي يعقوب: ملك القلوب وأشهر جراح قلب في العالم.
د. مصطفى مدبولي: رئيس مجلس الوزراء الحالي.
الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
د. أحمد زويل: (الذي بدأت رحلته العلمية بأساسات قوية من التعليم المصري).
المكتبة المركزية وحفظ التراث المعرفي
تضم الجامعة نظامًا مكتبيًا فريدًا، تتصدره المكتبة المركزية التي تدمج بين المخطوطات النادرة والتقنيات الرقمية الحديثة. وتوفر الكليات الـ 29 مصادر معلوماتية هائلة تدعم الباحثين في مرحلتي البكالوريوس والدراسات العليا، مما يجعلها مرجعًا أكاديميًا لا غنى عنه في الشرق الأوسط.
انضموا لقناة متن الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا https://t.me/matnnews