الجنوب والمسار السياسي المقبل: الشمولية وتقرير المصير وضرورة تجاوز الأطر القديمة لتحقيق السلام المستدام
مع تزايد الدعوات الدولية لإطلاق مسار سياسي جديد في البلاد، تتجه الأنظار نحو شكل العملية المقبلة وأسسها، والقوى التي يفترض أن تكون ممثلة فيها بصفتها أطرافًا رئيسية في صياغة مستقبل البلاد.
في هذا السياق، أصبح من الضروري التأكيد على أن أي عملية سياسية مقبلة لن تكون ناجحة ما لم تكن شاملة بمعناها الحقيقي، وقادرة على استيعاب مكونات المشهد كافة، وفي مقدمتها الجنوب الذي بات يمثل عنصرًا محوريًا في معادلة الاستقرار.
يستوجب بناء عملية سياسية جديدة، تجاوز الأطر القديمة التي لم تعد تعكس الواقع، والانتقال إلى إطار حديث يستوعب التحولات العميقة التي وقعت خلال سنوات الحرب.
إن نجاح أي عملية دولية جديدة يتطلب الاعتراف بـالجنوب كطرف رئيسي يمتلك رؤيته الخاصة، وقضيته المستقلة، وقدرته على المشاركة في صياغة ترتيبات ما بعد الصراع، وصولًا إلى تمكين حق الشعب الجنوبي في تقرير مصيره.
قصور الأطر القديمة: ضرورة استيعاب التحولات
أثبتت التجارب السابقة أن المرجعيات والأطر التي حكمت المسار السياسي قبل الحرب، مثل مبادرة الخليج أو مخرجات الحوار الوطني 2013، لم تعد قادرة على استيعاب الواقع الجديد.
تجاوز الواقع الجديد:
عدم عكس التحولات: لم تعد هذه الأطر تعكس التحولات العميقة التي وقعت خلال سنوات الحرب، والتي أفرزت قوى جديدة على الأرض.
الجنوب كقوة فاعلة: الجنوب اليوم يمتلك حضورًا سياسيًا وشعبيًا ومؤسسيًا لا يمكن تجاهله، وهو حضور يستند إلى إرادة جماهيرية واسعة تطالب بـإعادة صياغة مستقبلها السياسي.
فشل المسارات الجزئية: تؤكد التجارب السابقة أن تجاهل الجنوب أو التعامل معه كـقضية فرعية داخل العملية السياسية أدى إلى فشل كل المسارات التي حاولت تقديم حلول جزئية، مما يبرهن على أن القضية الجنوبية هي جوهر الأزمة.
إن الانتقال إلى إطار حديث يعترف بهذه الحقائق هو الشرط الأول لضمان تسوية مستدامة وسلام حقيقي.
الشمول والمساواة: الجنوب طرف رئيسي بتقرير مصير
إن الاعتراف بالجنوب كطرف رئيسي هو الأساس الذي يقوم عليه مبدأ الشمول والمساواة في أي عملية سياسية مقبلة. الجنوب ليس مجرد جزء من النزاع، بل هو كيان يمتلك قضيته المستقلة وحقه التاريخي والسياسي.
مبدأ تقرير المصير:
الإرادة الشعبية كمرجعية: تبرز أهمية أن تتيح العملية السياسية المقبلة لـالجنوبيين فرصة تحديد شكل ومستقبل دولتهم دون ضغوط أو وصاية، سواء كانت محلية أو عربية أو دولية. فـالإرادة الشعبية هي المرجعية الأهم في بناء الاستقرار.
رفض الإملاءات: الشعوب لا تُقاد بالإملاءات أو الوصاية، بل تُمنح الحق في الاختيار والتحاور، وهو ما يشكل الأساس لأي تسوية مستدامة قادرة على بناء مستقبل آمن ومستقر.
الاعتراف بالحقوق: يتطلب الانتقال نحو مرحلة سلام حقيقي مسارًا سياسيًا يقوم على الشمول والمساواة والاعتراف بالحقوق الوطنية.
بناء السلام المستدام: ضمانة الاستقرار
من دون ضمان تمثيل الجنوب كطرف رئيسي وتمكين شعبه من ممارسة حقه في تقرير مصيره، ستظل أي عملية سياسية معرضة للاهتزاز، وغير قادرة على بناء مستقبل آمن ومستقر.
عدم التهميش والاستدامة:
الحل الشامل: نجاح العملية السياسية مرهون بمدى قدرتها على معالجة القضية الجنوبية كقضية مستقلة، وليس كملف ثانوي يتبع أجندات أخرى.
عنصر محوري للاستقرار: يمثل الجنوب اليوم عنصرًا محوريًا في معادلة الاستقرار الإقليمي. الاستقرار في المنطقة لن يتحقق إلا بـاستعادة التوازن الذي يرتكز على إرادة الشعب الجنوبي.
ضمانة المستقبل: إن الإطار الحديث الذي يدعو إليه الجنوب يهدف إلى وضع حد لدوامة الصراع التي تولدت من محاولات فرض واقع سياسي لا يعكس إرادة الشعوب.
الجنوب والقضية المستقلة
إن الدعوات الدولية لإطلاق مسار سياسي جديد هي فرصة سانحة للتعلم من أخطاء الماضي. إن الحقيقة الثابتة اليوم هي أن الجنوب ليس جزءًا يمكن اختزاله أو تجاوزه، بل هو طرف رئيسي يمتلك رؤيته الخاصة وقضيته المستقلة.
لذا، فإن أي تسوية أو عملية سياسية مقبلة يجب أن تبدأ بالاعتراف بـحق الشعب الجنوبي في تقرير مصيره بحرية كاملة، وتوفير المنصة المناسبة لـتمثيل الجنوب بشكل يليق بحضوره وتطلعاته. هذا هو السبيل الوحيد لضمان سلام مستدام وتحقيق الاستقرار الذي تتطلع إليه المنطقة والمجتمع الدولي.
انضموا لقناة متن الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا https://t.me/matnnews1