من النزاع إلى الاستقرار.. كيف ينسجم الموقف الدولي الرافض للعنف مع رؤية عيدروس الزُبيدي؟
في تطور دبلوماسي لافت، صدر بيان مجلس الأمن الدولي الأخير ليضع نقطة انطلاق جديدة في مسار الأزمة المعقدة التي تشهدها البلاد. لم يأتِ البيان بجديد من حيث المبدأ، لكنه أعاد التأكيد بلهجة حاسمة وواضحة على حقيقة باتت راسخة: لن يكون للعنف أو محاولات فرض الأمر الواقع بالقوة أي دور في إنهاء الصراع.
هذا التأكيد الدولي يمثل رسالة مباشرة وصارمة لجميع الأطراف، مفادها أن السلام هو المسار الوحيد القادر على إنتاج تسوية مستدامة وعادلة.
الرفض الدولي للحسم العسكري: السلام خيار لا بديل عنه
أكد المجلس، في بيانه، أن اللجوء إلى الحسم العسكري لم ولن يكون مخرجًا من الأزمة التي أرهقت البلاد لسنوات طويلة. هذا الموقف يعكس إدراكًا عميقًا لدى المجتمع الدولي لاستحالة الحلول الترقيعية أو القائمة على منطق الغالب والمغلوب. سنوات الصراع لم تثبت سوى أن القوة لا تُنتج استقرارًا، بل تُفاقم الانقسامات وتُطيل أمد المعاناة الإنسانية.
إن التركيز على أن السلام هو المسار الوحيد يفتح الباب أمام مقاربة جديدة تتطلب من جميع القوى الفاعلة إعادة النظر في استراتيجياتها والتوجه نحو الحلول السياسية الجذرية. وفي سياق هذا التوجه، يبرز الملف الجنوبي كعنصر حاسم ولا يمكن تجاوزه في أي عملية سياسية جادة وناجحة.
القضية الجنوبية: حجر الزاوية للسلام المستدام
لطالما ارتبطت جذور الأزمة الشاملة في البلاد ارتباطًا وثيقًا بـغياب التسوية العادلة لقضية شعب الجنوب. هذه القضية ليست وليدة الصراع الراهن، بل هي مطلب تاريخي حملته الأجيال في الجنوب منذ عقود، وقدموا في سبيله تضحيات جسام.
هنا، تتجلى الرؤية بوضوح: لن يكتمل أي سلام حقيقي ما لم يتم الاعتراف بحق الجنوبيين في استعادة دولتهم. الحديث هنا عن دولة الجنوب التي كانت قائمة ومعترف بها دوليًا قبل 21 مايو 1990م. هذا الاعتراف لا يمثل مجرد مطلب سياسي، بل هو مفتاح لتمكين الجنوبيين من إدارة شؤونهم وبناء مستقبلهم بعيدًا عن دوائر الصراع التي ابتلعت مقدرات البلاد وثرواتها.
إن تجاهل الحقوق الوطنية الأصيلة لشعب الجنوب في الفترات السابقة لم ينتج سوى مزيد من الفوضى والتعقيد. ولهذا، فإن أي عملية سلام تتجاهل هذا الجذر العميق للأزمة ستكون مصيرها الفشل، لأنها لن تُعالج السبب، بل ستكتفي بمعالجة الأعراض.
المجلس الانتقالي الجنوبي: رؤية واضحة للحل العادل
كان المجلس الانتقالي الجنوبي، بقيادة اللواء عيدروس قاسم الزُبيدي، الأكثر وضوحًا وثباتًا في طرح هذه الرؤية الجذرية. فقد أكد المجلس مرارًا، في كل المحافل الإقليمية والدولية، أن السلام العادل يبدأ باستعادة دولة الجنوب كاملة السيادة.
ويرى المجلس الانتقالي أن هذا الخيار هو وحده القادر على معالجة جذور الأزمة بشكل حاسم بدلًا من الالتفاف حولها بحلول ترقيعية أثبتت فشلها. هذا الطرح اليوم يكتسب زخمًا إضافيًا بعد بيان مجلس الأمن. فالبيان، بدعوته للحل السلمي ورفضه للقوة، يفتح الباب أمام مقاربات تتوافق مع:
تطلعات الشعوب: تلبية الإرادة الشعبية لأبناء الجنوب.
حقائق الأرض: الاعتراف بالوجود الفعلي لقوة سياسية جنوبية فاعلة.
وضع حد للصراع: بناء كيانات سياسية مستقرة تقلل من مساحات التوتر.
الانسجام بين الموقف الدولي الداعي للحل السلمي، وبين رؤية الجنوب القائمة على إعادة بناء دولة مستقلة ذات مؤسسات مستقرة، يعزز بشكل كبير فرص الانتقال نحو مرحلة سياسية مختلفة كليًا.
المسار المستقبلي: الاستقرار الإقليمي يبدأ من الجنوب
إن تأكيد المجتمع الدولي على أن السلام هو الطريق الوحيد يقود بالضرورة إلى ضرورة الاعتراف بالمسارات الواقعية للحل، وفي مقدمتها المسار الجنوبي. ومع استمرار المجلس الانتقالي في تبني خطاب سياسي ناضج ومسؤول ووجود فعلي على الأرض، يزداد الاقتناع بأن استعادة دولة الجنوب ليست مجرد مطلب داخلي، بل هي:
حجر الأساس لاستقرار المنطقة بأكملها.
خطوة لا غنى عنها لبناء سلام دائم وشامل في البلاد.
إن هذا التطور يؤكد أن أي تفاوض مستقبلي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الواقع الجغرافي والسياسي، وأن الحل لا يمكن أن يكون مجرد عودة إلى ما قبل الصراع، بل يجب أن يكون تحولًا جذريًا يضمن الحقوق الوطنية ويضع حدًا للتداخل والصراع الذي أتى على الأخضر واليابس.
انضموا لقناة متن الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا https://t.me/matnnews1