زيارة الزُبيدي لموسكو: تعزيز الشراكة الجنوبية-الروسية على الصعيد السياسي والاقتصادي
شهدت العلاقات بين الجنوب العربي وروسيا تحوّلًا استراتيجيًا مع زيارة اللواء عيدروس قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي ونائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، إلى العاصمة الروسية موسكو، في خطوة اعتُبرت محطة مفصلية في مسار التعاون بين الجانبين. تحمل الزيارة دلالات سياسية ودبلوماسية مهمة، فضلًا عن أبعاد اقتصادية واستثمارية تؤكد حرص القيادة الجنوبية على تعزيز حضورها الدولي ورفع مستوى الاستقرار والتنمية في الجنوب.
جذور تاريخية وشراكة متجددة
العلاقات بين الجنوب وروسيا ليست جديدة، بل تمتد لعقود طويلة. فقد كانت موسكو شريكًا أساسيًا في دعم الدولة الجنوبية المستقلة قبل وحدة عام 1990، حيث أسهمت في بناء مؤسسات تعليمية وعسكرية وبنية تحتية أساسية. هذا الدور التاريخي جعل روسيا شريكًا موثوقًا لدى الشعب الجنوبي، وأسهم في ترسيخ ثقة طويلة الأمد بين الطرفين.
تأتي زيارة الزُبيدي الحالية لتجديد هذا الإرث التاريخي وإعادة فتح صفحة جديدة من التعاون تقوم على المصالح المشتركة والانفتاح الدبلوماسي والاقتصادي. ومن خلال هذه الزيارة، يسعى المجلس الانتقالي الجنوبي إلى تعزيز شبكة علاقاته الدولية، وضمان استدامة شراكات طويلة الأمد مع القوى الكبرى، بما يدعم موقع الجنوب كفاعل مستقل على الساحة الإقليمية والدولية.
أبعاد سياسية ودبلوماسية بارزة
تحمل زيارة الزُبيدي إلى موسكو رسائل سياسية ودبلوماسية واضحة. أولى هذه الرسائل تؤكد أن الجنوب يمتلك قيادة سياسية ناضجة، قادرة على إدارة العلاقات الدولية بندّية واحترام متبادل، بعيدًا عن أي تبعية أو إرتهان. كما تعكس الزيارة أن المجلس الانتقالي الجنوبي أصبح طرفًا فاعلًا في المعادلة الإقليمية والدولية، وأن قضية الجنوب لم تعد موضوعًا محليًا فحسب، بل جزءًا من الحوار الجيوسياسي حول مستقبل اليمن والمنطقة العربية بأكملها.
كما تركز الزيارة على تعزيز قنوات التواصل الدائم مع صانعي القرار في موسكو، بما يتيح المجال للتعاون في ملفات الأمن البحري، مكافحة الإرهاب، وحماية خطوط الملاحة في البحر العربي وخليج عدن. هذه الجوانب تُبرز قدرة القيادة الجنوبية على تقديم نفسها كطرف مسؤول وموثوق به في القضايا الإقليمية والدولية، قادرة على المساهمة في حفظ الاستقرار وتحقيق الأمن الجماعي.
البعد الاقتصادي والاستثماري للزيارة
لم تعد العلاقات الدولية تُقاس بالمواقف السياسية فقط، بل بمستوى التعاون الاقتصادي والاستثماري. ومن هذا المنطلق، يحرص المجلس الانتقالي الجنوبي على جذب الاستثمارات الروسية إلى الجنوب، خصوصًا في مجالات الطاقة، الموانئ، التعدين، والنقل البحري. يُعد الجنوب العربي موقعًا استراتيجيًا فريدًا، يربط بين البحر الأحمر والمحيط الهندي، ما يفتح فرصًا هائلة أمام التجارة الدولية ويجعله بوابة أساسية للتبادل الاقتصادي مع أسواق إفريقيا وآسيا.
كما تعمل القيادة الجنوبية على تقديم تسهيلات وضمانات استثمارية لجذب المستثمرين الروس، مما يعزز الثقة بالمنطقة ويجعلها بيئة مستقرة وآمنة للاستثمار. ويأتي هذا التوجه ضمن رؤية شاملة لتحقيق التنمية المستدامة، وتحويل الجنوب إلى مركز اقتصادي إقليمي، يدعم فرص العمل ويُسهم في تحسين مستوى المعيشة للسكان المحليين.
تنويع الشركاء وتحقيق التوازن الدولي
تأتي زيارة الزُبيدي في إطار استراتيجية دبلوماسية تهدف إلى تنويع الشركاء الدوليين، ما يضمن استقلالية القرار السياسي والاقتصادي للجنوب. ففي عالم يشهد تغيرًا سريعًا في موازين القوى، يسعى المجلس الانتقالي الجنوبي إلى إقامة علاقات متوازنة مع القوى الكبرى مثل روسيا، الصين، وأوروبا، بهدف تعزيز مكانة الجنوب كقوة مستقلة قادرة على إدارة شؤونها الداخلية والخارجية بنفسها.
هذا التوجه يعكس رؤية واضحة للقيادة الجنوبية، تقوم على بناء شبكة علاقات دولية متنوعة، لا تعتمد على طرف واحد، وتتيح للجنوب الحفاظ على استقلالية القرار الوطني، وتحقيق استقرار سياسي واقتصادي مستدام، مع تقديم صورة إيجابية أمام المجتمع الدولي كشريك موثوق وفاعل.
رؤية الزُبيدي للمستقبل
تُظهر تحركات الرئيس الزُبيدي حرصه على الجمع بين الحنكة السياسية والرؤية الاستراتيجية، إذ يدرك أن بناء دولة مستقرة يتطلب حضورًا فعّالًا على الساحة الدولية وشراكات متينة مع الدول الصديقة. كما يؤكد أن الجنوب يمتلك مشروعًا وطنيًا ناضجًا، يعتمد على الحوار والانفتاح والتعاون في خدمة الأمن الإقليمي والدولي.
هذه الرؤية لا تقتصر على العلاقات الخارجية فحسب، بل تمتد لتشمل تعزيز الاستقرار الداخلي وتوفير بيئة سياسية واقتصادية سليمة تضمن تطوير المؤسسات الوطنية وتحسين حياة المواطنين.
انعكاسات الزيارة على الداخل الجنوبي
تحمل زيارة الزُبيدي رسائل إيجابية على الصعيد الداخلي، فهي طمأنة لشعب الجنوب بأن قضيته تسير في الطريق الصحيح نحو الاعتراف الدولي والتفاعل الجاد مع القوى الكبرى. كما تؤكد أن المجلس الانتقالي الجنوبي لا يكتفي بالدفاع عن الحقوق على الأرض، بل يسعى أيضًا لترسيخ شرعية سياسية ودبلوماسية قوية تضمن حضوره في المحافل الدولية، مما يعزز الثقة الشعبية ويضمن السير نحو بناء دولة مستقرة ومتقدمة.
بالإضافة إلى ذلك، تعكس الزيارة قدرة المجلس على إدارة العلاقات الدولية بشكل متوازن، وتحقيق التوافق بين مصالح الداخل والخارج، وهو ما يعزز مكانة الجنوب كطرف مسؤول وفاعل في المنطقة.
شراكة استراتيجية جنوبية – روسية
تمثل زيارة عيدروس الزُبيدي إلى روسيا أكثر من مجرد حدث بروتوكولي؛ فهي تحول استراتيجي في مسار العلاقات بين الجنوب وموسكو. إذ وضعت الزيارة أسس شراكة طويلة الأمد تقوم على التاريخ المشترك والمصالح المتبادلة، وتفتح آفاقًا واسعة للتعاون في مجالات التنمية والطاقة والأمن.
وتُعتبر موسكو منصة انطلاق جديدة لتعزيز مكانة الجنوب كقوة صاعدة، تمتلك الإرادة والرؤية لبناء مستقبل آمن ومزدهر، مع التركيز على تحقيق التنمية الاقتصادية، تعزيز الأمن، ودعم الاستقرار الإقليمي على المدى الطويل.
من خلال هذه الزيارة، يرسل المجلس الانتقالي الجنوبي رسالة واضحة للمجتمع الدولي مفادها أن الجنوب يمتلك قيادة ناضجة، رؤية استراتيجية، وطموحًا لتحقيق السلام والاستقرار، مع الالتزام ببناء علاقات دولية متوازنة تضمن مصالح الشعب الجنوبي على المدى البعيد.
انضموا لقناة متن الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا https://t.me/matnnews1