الجنوب يُجدّد العهد مع ثورته.. الذكرى الثانية والستون لأكتوبر المجيدة تلهب الوجدان الوطني
في الرابع عشر من أكتوبر من كل عام، يتجدّد في الجنوب العربي وهج الثورة ومجد البطولات. ففي هذه المناسبة الخالدة، تعود الذاكرة إلى زمن الأحرار الذين سطروا في جبال ردفان ووديان الجنوب ملاحم خالدة كتبوا فصولها بدمائهم الطاهرة، لتبقى شاهدًا على إرادةٍ لا تُقهر وعزيمةٍ لا تلين.
إنها الذكرى الثانية والستون لثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة، الثورة التي فجّرت طاقات الشعب الجنوبي وأشعلت نيران الكرامة في وجه أعتى إمبراطورية في ذلك الزمن، الاستعمار البريطاني، لتعلن للعالم أجمع أن الشعوب لا تُستعبد، وأن الحرية حق لا يُنتزع إلا بالتضحيات.
انطلاقة الحرية من جبال ردفان
ثورة الرابع عشر من أكتوبر عام 1963 لم تكن حدثًا عابرًا في تاريخ الجنوب، بل كانت الانطلاقة الحقيقية لمسيرة التحرير. انطلقت شرارتها الأولى من جبال ردفان الشمّاء، حينما قرر الأحرار أن يجعلوا من الأرض منبرًا للصمود، ومن الجبال معاقل للعزة.
كانت الثورة صرخة وعيٍ وكرامةٍ خرجت من قلب المعاناة لتعلن ميلاد فجرٍ جديد، تُستعاد فيه الأرض والهوية والإنسان.
ومن رحم المعاناة والتضحية وُلد النصر الكبير، حين توّج الجنوب كفاحه الطويل بالتحرر الكامل في الثلاثين من نوفمبر 1967، بعد سنواتٍ من النضال الذي قدّمه الآباء والأجداد في ميادين الشرف.
الجنوب الحر.. إرادة لا تُقهر
لقد أثبت أبناء الجنوب آنذاك، بعزيمتهم وشموخهم وكبريائهم، أن الجنوبي كان وسيظل حرًا أبِيًا لا يقبل الخضوع لأي احتلالٍ مهما بلغت قوته أو جبروته.
فالأشاوس الذين واجهوا أقوى جيوش الإمبراطورية البريطانية لم يملكوا سوى الإيمان بعدالة قضيتهم وسلاح الإرادة الصلبة، لكنهم بصمودهم غيّروا موازين القوى وانتصروا للكرامة والحرية.
إنها ثورة صنعت التاريخ، وأسست لروحٍ جديدةٍ في الشخصية الجنوبية التي عرفت طريقها نحو الاستقلال، ورسّخت قيم التضحية والفداء كنهجٍ متوارث بين الأجيال.
ثورة تتجدد في الحاضر
واليوم، وبعد مرور 62 عامًا على انطلاق الشرارة الأولى من ردفان، يقف أبناء الجنوب ليستعيدوا مجد ثورتهم ويجددوا العهد للأحرار الأوائل الذين أضاءوا درب الحرية.
إن ذكرى أكتوبر المجيدة تأتي هذا العام في مرحلةٍ دقيقةٍ يعيشها الجنوب، حيث يواصل مسيرته بثقةٍ نحو استعادة دولته المنشودة على كامل ترابه الوطني، في ظل قيادةٍ سياسيةٍ تتبنى مشروع التحرير والاستقلال، ممثلةً بـالمجلس الانتقالي الجنوبي والرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي.
تجسّد هذه المناسبة التاريخية لحظةً وطنيةً جامعةً توحّد مشاعر الجنوبيين، وتؤكد أن روح الثورة ما زالت متقدة في النفوس، وأن إرادة التحرر التي تفجّرت قبل ستة عقود لا تزال حاضرة في كل ميدانٍ من ميادين النضال المعاصر.
أكتوبر.. رسالة الأجيال الجديدة
تُذكّر الذكرى الـ62 لثورة أكتوبر الأجيال الجديدة بأن الحرية لا تُمنح بل تُنتزع، وأن ما تحقق لم يكن صدفة، بل ثمرة نضالٍ وتضحياتٍ جسامٍ قدّمها رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
إنّ الأمانة التي ورّثها الثوار للأجيال اللاحقة تتمثل في صون مكتسبات الثورة ومواصلة المسيرة حتى استعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة، والحفاظ على هوية الجنوب وثوابته الوطنية التي حاولت المشاريع السياسية عبر العقود طمسها دون جدوى.
ولذلك، فإن الاحتفاء بهذه الذكرى لا يقتصر على مظاهر الاحتفال، بل يحمل معنىً أعمق: الوفاء للدماء الطاهرة التي روت تراب الوطن، وتجديد العهد على المضيّ في درب الحرية.
المجلس الانتقالي وتجسيد روح الثورة
يواصل المجلس الانتقالي الجنوبي اليوم ترجمة مبادئ ثورة أكتوبر في الواقع السياسي والإداري والعسكري، عبر مسيرة بناء مؤسسات الدولة المنشودة.
وقد أثبت الانتقالي، بقيادة الزُبيدي، أنه الوريث الشرعي لروح أكتوبر، من خلال سعيه الجاد لتوحيد الصف الجنوبي، وتعزيز الحضور السياسي لقضية الجنوب على الساحة الإقليمية والدولية.
إن ما يقوم به المجلس الانتقالي اليوم ليس سوى امتداد لمسيرة التحرر الأولى، حيث تتحول إرادة المقاومة إلى مشروع دولة، ويُستبدل سلاح البندقية بسلاح الدبلوماسية والإدارة والوعي الوطني.
وفاءٌ للتاريخ.. وبناءٌ للمستقبل
إحياء ذكرى ثورة أكتوبر المجيدة هو وفاءٌ للتاريخ وتجديدٌ للعهد على مواصلة الطريق ذاته الذي بدأه الأجداد.
فثورة الأحرار لم تنتهِ بانسحاب المستعمر البريطاني، بل تستمر روحها في كل جيلٍ جنوبيٍ يرفض القهر ويؤمن بالحرية.
وما تشهده الساحات الجنوبية اليوم من حراكٍ واحتشادٍ ووعيٍ وطني هو البرهان الأكبر على أن الجنوب لا يزال وفيًا لثواره الأوائل، ومصممًا على تحقيق حلمهم في دولةٍ حرةٍ مستقلةٍ تليق بتضحياتهم.
في الرابع عشر من أكتوبر، يتوقف الزمن في الجنوب إجلالًا لأولئك الذين كتبوا التاريخ بدمائهم، وتتعانق الذاكرة مع الواقع لتؤكد أن الحرية لا تموت، والثورة لا تخبو.
إنها ذكرى تذكّر كل جنوبي بأن الطريق الذي بدأ من ردفان ما زال ممتدًا، وأن النصر الذي تحقق أمس هو البذرة التي تُثمر اليوم مشروع الدولة الجنوبية القادمة.
وبين الماضي المجيد والحاضر المتجدد، يبقى الرابع عشر من أكتوبر يومًا للكرامة والعزة والإيمان بالوطن، وموعدًا دائمًا لتجديد العهد بأن الجنوب سيظل حرًا أبيًا، ما دامت فيه قلوب تؤمن بأن الثورة فكرة لا تموت.
انضموا لقناة متن الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا https://t.me/matnnews1