< أزمة صحية خانقة في تعز.. تفشي السرطان وانهيار المنظومة الطبية
متن نيوز

أزمة صحية خانقة في تعز.. تفشي السرطان وانهيار المنظومة الطبية

تعبيرية
تعبيرية

تشهد محافظة تعز أوضاعًا صحية مأساوية، وسط تزايد المخاوف من تفشي أمراض السرطان بوتيرة غير مسبوقة، في ظل استمرار الانهيار الكامل للخدمات الطبية وانعدام أبسط مقومات الرعاية الصحية.
الإحصائيات الأخيرة تكشف عن واقع صادم، حيث تم تسجيل 198 حالة إصابة جديدة بسرطان الثدي خلال الفترة من يناير وحتى أغسطس 2025، إلى جانب 1،269 إصابة جديدة بأنواع مختلفة من السرطان خلال الفترة نفسها.
ومنذ عام 2008 وحتى اليوم، بلغ إجمالي الحالات التراكمية المسجلة في المحافظة 14،766 إصابة، وهو رقم يضع تعز في صدارة المحافظات اليمنية الأكثر تضررًا من هذا المرض، بنسبة 14% من إجمالي الحالات المسجلة في البلاد.

هذه الأرقام تكشف عن حجم المأساة التي يعيشها المواطنون في محافظة تعز، التي أصبحت ساحة مفتوحة للأمراض والأوبئة في ظل الإهمال والفساد والعبث الذي تمارسه المليشيات الحوثية والإخوانية على حد سواء.

المليشيات الحوثية والإخوانية.. شركاء في تدمير صحة تعز

القطاع الصحي في تعز لم ينهَر صدفة، بل بفعل ممنهج شاركت فيه المليشيات الحوثية والإخوانية التي حولت المحافظة إلى ساحة صراع سياسي واقتصادي، ودمرت البنية التحتية الصحية على مدى سنوات الحرب.
فمنذ أن فرضت المليشيات الحوثية حصارها الخانق على المدينة، مُنعت الأدوية والمستلزمات الطبية من الدخول، وأُغلقت الطرق المؤدية إلى المستشفيات، ما تسبب في شلل شبه كامل للمرافق الصحية.
في المقابل، لم تكن المليشيات الإخوانية أقل خطرًا، إذ أحكمت سيطرتها على الموارد والمساعدات الإنسانية، ووجهتها لخدمة مصالح حزبية ضيقة، تاركة المستشفيات تعاني نقصًا حادًا في التمويل والأدوية، فيما تُجبر الكوادر الطبية على العمل في ظروف غير إنسانية.

هذا التواطؤ بين الطرفين جعل المواطن البسيط يدفع الثمن، إذ باتت تعز اليوم مدينة منكوبة صحيًا، بلا أمل في علاج أو دعم.

المستشفيات بين القصف والإهمال.. واقع صحي يائس

تعاني المستشفيات في تعز من حالة انهيار شبه تام. كثير منها خرج عن الخدمة نتيجة القصف المتكرر أو الإهمال المتعمد، فيما تواجه المراكز القليلة التي ما زالت تعمل نقصًا حادًا في الأجهزة الطبية والأدوية.
حتى مركز علاج الأورام، الذي يُفترض أن يكون الملاذ الأخير لمرضى السرطان، أصبح غير قادر على استقبال الحالات المتزايدة بسبب محدودية الإمكانات وانعدام الدعم الخارجي.
وتشير مصادر طبية إلى أن نسبة الوفيات بين المصابين بالسرطان ارتفعت خلال العام الجاري إلى مستويات غير مسبوقة، نتيجة تأخر التشخيص وصعوبة الوصول إلى العلاج، فضلًا عن غياب الكوادر المتخصصة التي هجرت المحافظة بسبب تدهور الوضع الأمني والمعيشي.

الكارثة الإنسانية تتفاقم وسط تجاهل أممي ودولي

على الرغم من التحذيرات المتكررة من منظمات محلية حول تفشي السرطان في تعز، إلا أن المجتمع الدولي ما زال يتجاهل هذه الأزمة الإنسانية.
فالمليشيات الحوثية، التي تتحكم في منافذ الدخول، تمنع وصول الدعم الطبي والإنساني، فيما تفرض قيودًا على حركة المنظمات. أما في مناطق سيطرة الإخوان، فيجري استغلال المساعدات لأغراض سياسية، ما يزيد الوضع سوءًا.
ويحذر الأطباء من أن استمرار هذا التدهور سيؤدي إلى انفجار صحي غير مسبوق، خاصة مع غياب برامج الكشف المبكر، وانعدام حملات التوعية، وتلوث المياه والبيئة المحيطة التي أصبحت بيئة خصبة لانتشار الأمراض.

الأسباب البيئية والاقتصادية وراء تفشي المرض

لا يمكن فصل الأزمة الصحية في تعز عن الواقع البيئي والاقتصادي المتردي الذي تعيشه المحافظة.
فالتلوث الناتج عن مخلفات الحرب، ورداءة شبكات الصرف الصحي، وانعدام الرقابة على الأغذية والأدوية، كلها عوامل ساهمت في تفشي أمراض السرطان وغيرها.
كما أدت الأزمة الاقتصادية وانقطاع المرتبات إلى عجز كثير من الأسر عن توفير تكاليف العلاج أو السفر إلى مناطق أكثر استقرارًا.
ومع غياب الدولة ومؤسساتها، أصبحت الفوضى الصحية عنوان المرحلة، في ظل غياب أي رقابة أو مساءلة، ما سمح بتفشي العشوائية في القطاع الطبي وانتشار الأدوية المغشوشة.

تعز تحتاج إلى إنقاذ عاجل.. قبل فوات الأوان

إن ما يجري في تعز اليوم ليس مجرد أزمة صحية عابرة، بل كارثة إنسانية مركّبة تهدد حياة مئات الآلاف من السكان، خاصة الفئات الضعيفة من النساء والأطفال وكبار السن.
المطلوب اليوم هو تحرك عاجل من الحكومة اليمنية والمجتمع الدولي لإعادة تأهيل المرافق الصحية وتوفير الأدوية والمستلزمات الأساسية، ورفع الحصار عن المدينة لتمكين المرضى من الحصول على العلاج.
كما يجب على المنظمات الإنسانية أن تتعامل مع الملف الصحي في تعز بمعزل عن التجاذبات السياسية، وأن تضمن وصول الدعم إلى المستحقين بعيدًا عن نفوذ المليشيات.

 تعز نموذج لمعاناة اليمن

تختصر تعز اليوم معاناة اليمن بأكمله، حيث يتحول المرض إلى سلاح غير معلن يحصد الأرواح في صمت.
إن استمرار الحصار، وتسييس العمل الإنساني، وتجاهل الواقع الصحي المتدهور، سيقود إلى نتائج كارثية على المدى القريب والبعيد.
ويبقى الأمل معقودًا على وعي المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية بأن صحة الإنسان في تعز ليست ورقة تفاوض، بل حقٌّ أساسيٌّ يجب الدفاع عنه بكل الوسائل.

انضموا لقناة متن الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا https://t.me/matnnews1