الدكتور علي مهدي في حواره لـ "متن نيوز": سرقة 2.5 مليار دولار تعبر عن حالة الفساد في منظومة الحكم العراقي

الدكتور علي مهدي
الدكتور علي مهدي

أكد الدكتور علي مهدي، الخبير السياسي العراقي، إن حادث سرقة مبلغ كبير بحجم 2.5 مليار دولار من أموال أمانات الضرائب العراقية تعبر عن مدى تغلغل حالة الفساد المستشري في الحكومة والذي ترعاه منظومة الحكم في العراق.

وأضاف مهدي، في حواره لـ "متن نيوز" إن عملية سرقة الأموال المودعة في صندوق الامانات تتحملها بالأساس الهيئة العامة للضرائب التابعة لوزارة المالية، بالإضافة إلى مصرف الرافدين التابع للدولة الذي يتحمل المسؤولية عن صرف هكذا مبالغ خيالية، دون المتابعة والتدقيق واعلام وزارة المالية بشأن هذه المبالغ، علاوة على الشركات الخمس وهي (الحوت، الاحدب والمبدعون، رياح بغداد، بادية المساء) هي الأداة للجريمة والتي يقف خلفها عدد من السياسيين المدعومين.

وإلى نص الحوار..

من وجهة نظرك كيف يمكن تحديد المسؤوليات في سرقة صندوق الأمانات؟

لقد كانت صدمة مدوية التي أثرها وزير المالية بسرقة أكثر من 2.5 مليار دولار وهو مبلغ خيالي يكاد يغطي ميزانية عدد من الدول وهو من أموال صندوق الأمانات التابع للهيئة العامة للضرائب، وقد عبرت هذه الصدمة عن عمق الأزمة العامة التي تمر بها البلاد، ومدى تغلغل حالة الفساد المنتشرة والمدعومة من قبل منظومة الحكم.

وقد اتهمت ممثلة الأمم المتحدة في العراق عند إحاطتها الدورية عند بداية هذا الشهر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن الطبقة السياسية ضالعة في الفساد المستشري وغير مكترثة بمصالح الشعب فهي تعمل لصالحها ولم تستثني أي زعيم ان يدعي إنه محمي منه، وقد وصل العراق إلى مرتبة المرتبة 157(من 180) في مؤشر الشفافية الدولية.

ما هي مصادر تلك الأموال التي تسمى "أمانات الضريبة"؟

عند الحصول على عقد لتجهيز أحد مؤسسات الدولة أو لتنفيذ المشروعات التابعة للدولة، على صاحب العقد ان يقدم خطاب ضمان مالي تكون مدته القانونية بانتهاء مدة تنفيذ العقد، وعادة ما يحدد خطاب الضمان بنسبة مئوية من المبلغ الكلي للعقد ويوضع المبلغ في صندوق الأمانات حتى انتهاء التسوية المالية بعد خصم الضرائب المستحقة عند تنفيذ العقد، ومن الجدير بالذكر أن المبلغ المتبقي يبقى في صندوق الأمانات لمدة خمس سنوات حسب قانون الإدارة المالية، وبعدها يتحول إلى الخزينة العامة للدولة إذا لم يُسحب المبلغ من صاحب العقد وأن هذه المبالغ المودعة في صندوق الأمانات تقدر بعدد من المليارات.

ومن المعتاد أن إجراءات الحصول على المبلغ المودع في صندوق الأمانات يخضع لإجراءات بيروقراطية معقدة حيث الكثير من أصحاب العقود يصابون بالإحباط من الحصول على أموالهم ومعرفة البعض منهم أن عليهم غرامات بسبب التقصير في تنفيذ العقود.

كانت إعادة مبالغ الأمانات تخضع لعملية تدقيق من قبل ديوان الرقابة المالية منذ شباط 2017 ومن المعروف أن هذا الديوان يتميز بالرصانة والدقة المشهود لها، وقد جرى الاستغناء عن تدقيق الديوان بطلب من قبل اللجنة المالية لمجلس النواب في تموز 2021 وموافقة مكتب رئيس مجلس الوزراء والديوان بحصر التدقيق بالهيئة العامة للضرائب وبموافقة وزير المالية في آب 2021.

كيف يمكن تحديد المسؤوليات بشأن عملية السرقة؟

أولًا: عملية سرقة الأموال المودعة في صندوق الامانات تتحملها بالأساس الهيئة العامة للضرائب التابعة لوزارة المالية والتي هي المسؤولة عن تحرير 246 صكًا ماليًا للفترة بين أيلول/ سبتمبر 2021 وآب / أغسطس 2022 بلغت مجمل تكاليفها بحدود 3.7 ترليون دينار عراقي أي ما يعادل 2.5 مليار دولار، وان الأقسام التي تمت عملية السرقة من خلالها هي (الشركات وكبار المكلفين) وقسم التدقيق والرقابة الداخلية وكذلك القسم المالي. وكذلك تتحمل الهيئة العامة للضرائب المسؤولية لأنها سبق وان استلمت كتاب من وزير المالية في تشرين ال ثاني2021 بعدم القيام بصرف رد الامانات قبل استحصال موافقة الوزير، بعد شكوك وردت بوجود تلاعب في عملية رد الامانات، ولم تلتزم بمضمون خطاب الوزير.

يتحمل مصرف الرافدين التابع للدولة المسؤولية عن صرف هكذا مبالغ خيالية، دون المتابعة والتدقيق واعلام وزارة المالية بشأن هذه المبالغ، حيث من واجبات المصرف متابعة انتقال الأموال والحسابات أو أي حركة غير طبيعية لا تتطابق مع المعايير والتعليمات المعتمدة لكي يتم الإبلاغ عنها لدى مكتب غسيل الأموال ومديرية الجريمة المنظمة.

ان الشركات الخمس وهي (الحوت، الاحدب والمبدعون، رياح بغداد، بادية المساء) هي الأداة للجريمة والتي يقف خلفها عدد من السياسيين المدعومين، حيث لا يمكن ان تتصرف هذه الشركات دون وجود بعض التواطؤ من قبل عدد من كتاب العدول ومسجل الشركات، حيث لا يتجرأ شخص ان يقوم بمثل تلك الحيل والاعيب دون ظهير سياسي ومسلح.

ان مرجع المسؤوليات السابقة الذكر هو طبيعة تكوين المنظومة الحاكمة التي لا تحترم الدستور ولا تلتزم بالقانون ولا تهاب القضاء الذي أصبح رهينة للضغوطات السياسية، وان أساس ذلك استنفاذ نظام الحكم القائم على التوافقية حيث اقتسام مغانم السلطة كل وحسب مقاعد كل طرف منها، هذه المنظومة لا تتيح إقامة نظام ديمقراطي برلماني يقوم على أساس الأغلبية والأقلية والتداول السلمي بين القوى الفائزة والخاسرة، وما جرى عند نهايات الشهر الماضي خير دليل، ان هذه القوى قادرة ان تجعل من العراق ساحة للحرب الاهلية بديلا عن اي شيء يبعدها عن السلطة ومغانمها.