قلعة الوطنية المصرية.. "الأهلي" تاريخ طويل من الكفاح والنضال والحروب

متن نيوز

تحتفل مصر هذه الأيام بذكرى انتصارات حرب أكتوبر 1973 على العدو الصهيوني، ونجاح الجيش المصري في تحرير أرض سيناء الطاهرة من دنس الاحتلال الغاشم.

بدأت الحرب في السادس من أكتوبر، واستمرت حتى سريان قرار مجلس الأمن الدولي رقم 338 بوقف إطلاق النار في 24 أكتوبر.

استمرت الحرب 18 يوما كانت زاخرة وعامرة بالكثير من المعارك البطولية للجيش المصري، في مختلف أنحاء الجبهات، فسطر الجميع ملحمة بطولية سجلها التاريخ بحروف من نور.

وامتدت الملحمة البطولية لتشمل جموع الشعب المصري، بكل أفراده وفئاته وأطيافه، وأيضا مؤسساته سواء العامة أو الخاصة.

وباعتباره أحد المؤسسات الشعبية والرياضية وأشهرها على الإطلاق، سطر النادي الأهلي ملحمة بطولية في حرب أكتوبر المجيدة، فكان داعما ومشاركا حتى تحقق النصر العظيم، ما جعله قلعة الوطنية المصرية.

وفي هذا الإطار، نسرد تاريخ النادي الأهلي الكبير والمشرف في خدمة الوطنية المصرية.


تأسيس وطني

تأسس النادي الأهلي في 24 أبريل عام 1907 ليصبح على مدار 115 عاما، قلعة الإنجازات والبطولات للكرة المصرية، وفخر الوطنية والانتماء.

في 24 أبريل عام 1907، عُقد أول اجتماع لمجلس إدارة النادي الأهلي عند الساعة الخامسة والنصف مساءً بمنزل ميشيل إنس بالجيزة، وبرئاسته وعضوية كل من إدريس راغب بك وإسماعيل سرى باشا، وأمين سامى باشا وعمر لطفى بك ومحمد أفندي شريف سكرتيرًا.

وعلى مدار تاريخه الطويل الممتد إلى 115 عاما، عُرف النادي الأهلي دائما بالوطنية والعزة والكرامة، واتسمت القلعة الحمراء عبر عصورها بأنها صاحبة السبق في القضايا الوطنية المختلفة.

كما عُرف النادي الأهلي عبر عصوره المختلفة بالقيم والمبادئ والأخلاق والانضباط والالتزام، ودائمًا كان شعار "الأهلي فوق الجميع" هو السائد والمسيطر.

كانت البداية عام 1907، ومنذ حينها إلى الآن تمر سنوات وترحل عصور، ولايزال النادي الأهلي متربعًا على عرش الكرة المصرية.


النادي الأهلي وثورة 1919

حصد النادي الأهلي أول ألقابه في كرة القدم عام 1923 بالفوز بكأس السلطان عقب تغلبه على دراجونز الإنجليزي بنتيجة 2-1 لتنطلق الاحتفالات الجماهيرية التي تحولت إلى مظاهرة ضد الإنجليز ومسيرة تجوب شوارع القاهرة وتعمد المرور أمام معسكرات قصر النيل لإغاظة الإنجليز، وهو ما يعد إيمانا من الجماهير بالدور الوطني الذي لعبه النادي الأهلي منذ اليوم الأول لتأسيسه.

كما كانت ثورة 1919 شاهدة على دور نادي الوطنية حيث كانت تنعقد الاجتماعات السياسية بمقر النادي الأهلي في الجزيرة، لترتيب فعاليات الثورة الشعبية التي قادها الزعيم سعد زغلول أول رئيس جمعية عمومية للنادي الأهلي، وكان شباب النادي الأهلي من طلبة المدارس العليا في مقدمة الصفوف لإشعال حماس، فلحن وغنى لهم سيد درويش:

يا عم حمزة‏..‏ إحنا التلامذة
مايهمناش في السجن‏ نبات.. واللا المحافظة
واخدين ع العيش الحاف‏..‏ والنوم من غير لحاف.. والضرب ع الاكتاف

مستبيعين.. ناس وطنيين‏..‏ إحنا التلامذة..

أيضا الكاتب الكبير فكري أباظة أحد رجال الأهلي البارزين، والذي كان عضوا بالنادي الأهلي ثم عضوا بمجلس إدارة النادي عدة دورات ثم وكيلا للنادي، قام بدور كبير في ثورة 1919 بكتاباته الصحفية التي ألهبت حماس شباب الثورة، فأصدرت سلطات الاحتلال حكما ضده بالإعدام قبل أن يتمكن من الهرب، وبعد ذلك تم إسقاط الحكم قضائيا، فكري أباظة هو مؤلف نشيد الأهلي "قوم يا أهلي".


فلسطين والدور الوطني للنادي الأهلي

فلسطين وقضيتها كانت حاضرة في وجدان أعضاء وجماهير النادي الأهلي، وهو ما رصدته كتب التاريخ عن قيام النادي الأهلي بعقد ندوات للأشقاء الفلسطينيين في النادي لشرح أبعاد الجرائم الصهيونية ومخططاتهم الاستعمارية في الأراضي الفلسطينية وأبعاد القضية من البداية.

عام 1943 تلقى النادي الأهلي دعوة للسفر إلى فلسطين للعب عدة مباريات مع أنديتها، في ذلك الوقت، علم رجال المقاومة الفلسطينية بالدعوة ودارت بينهم نقاشات طويلة وفكر بعضهم في إرسال مندوب للنادي الأهلي من أجل رفض الدعوة، لكن استقر الأمر في النهاية على ضرورة سفر الأهلي لفلسطين، ليلعب هناك على أن تحضر الجماهير الفلسطينية المباريات وتحولها لمظاهرات وطنية ضد الصهيونية.

رفض اتحاد الكرة برئاسة محمد حيدر باشا وزير الحربية ورئيس نادي فاروق «الزمالك» في ذات الوقت، سفر فريق النادي الأهلي لفلسطين بإيعاز من سلطات الاحتلال البريطاني، لكن فؤاد سراج الدين باشا وزير الداخلية ووكيل النادي الأهلي قرر سفر الفريق باسم «نجوم القاهرة»، وضموا معهم بعض من نجوم فاروق «الزمالك» واستخرج سراج الدين للفريق تصاريح سفر مؤقتة بموافقة رئيس الوزراء مصطفى النحاس باشا.

سافر الفريق لفلسطين، وخاض خمس مباريات من أنديتها اليهودية والعربية، حقق الفوز في كافة المباريات، والتي تحولت مظاهرات حاشدة ضد المخططات الصهيونية، الأمر الذي أدى لغضب الصهاينة وحلفائهم الإنجليز، وهو ما دفع حيدر باشا لاتخاذ قرارا بشطب الذين سافروا من اتحاد الكرة.

الإيقاف كان سبب في توقف النشاط الرياضي للنادي الأهلي لفترة طويلة، حتى تدخل كبار المسئولين فخرج اقتراح برفع الإيقاف بشرط أن يقوم كل من سافر إلى فلسطين بالتوجه لاتحاد الكرة لتقديم اعتذار للاتحاد.

وبالفعل طلب أحمد حسنين باشا رئيس النادي الأهلي وقتها من اللاعبين الاعتذار حفاظا عليهم، وليعود النشاط في النادي، لكن مختار التتش سكرتير الفريق «مدير الكرة» رفض وأرسل برقية لحيدر باشا كتب فيها: "لقد ذهبنا إلى فلسطين في مهمة وطنية، وهو موقف من العار الاعتذار عنه، وبناء عليه فإنه لا يشرفني الانتماء لاتحاد كرة يترأسه أمثالك"، فاستمر إيقافه.


الدور الوطني في حرب 1948

في عام 1948 تم إعلان دولة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، فقرر النادي فتح باب التطوع لشبابه للسفر كفدائيين جنبا إلى جنب مع الجيوش العربية المقاتلة هناك، فسقط منهم قتلى وجرحى، فقرر مجلس الإدارة عمل لوحة تذكارية للأعضاء الذين استشهدوا في الحرب، كما قررت الجمعية العمومية تكريم أبطال معركة الفالوجا.


الدور الوطني للأهلي في عدوان 1956

أصدر الزعيم جمال عبد الناصر قرارا بتأميم قناة السويس، فقامت بريطانيا وفرنسا والكيان الصهيوني بشن حربا على مصر، فقرر مجلس إدارة الأهلي في اجتماع طارئ إيقاف النشاط الرياضي وفتح باب التطوع كفدائيين لشبابه، وحول النادي ملاعبه إلى مراكز تدريب للمقاومة الشعبية، وأقيمت مباراة بين الأهلي والزمالك تم تخصيص إيرادها لشهداء ومصابي العدوان الثلاثي على مصر.


الأهلي ونكسة يونيو 1967

عندما اجتاح الصهاينة أرض سيناء في الخامس من يونيو 1967 قرر مجلس إدارة النادي الأهلي إيقاف النشاط الرياضي، وفي 5 أغسطس 1967 قام بتحويل ملاعبه لمراكز تدريب عسكري، ثم قرر في 11 أكتوبر 1967، الآتي:

ـ فرض التدريب العسكري على جميع الأعضاء الرياضيين بالنادي وضرورة تطـوعهم في أعمال المقـاومة الشعبية التي تتولاهـا الجـهات المسـئولة في البلاد، وإن كل عضـو رياضي يتخـلف عن هذا الواجـب الوطني يشطب اسمـه من عضوية النادي.

ـ يجب على الآنسات التطوع في أعمال التمريض وغيرها من الأعمال التي يمكن أن يقمن بها في هذه المناسبة الوطنية وذلك بالنسبة للعضوات الرياضيات من سن 20 سنة إلى 40 سنة.

ـ جمع تبرعات باسم النادي من أعضاء النادي وجمهور المشجعين لصالح المجهود الحربي، والاتصال بالجهات المسئولة لتنظيم هذه العملية.


حرب أكتوبر المجيدة

وفي حرب أكتوبر المجيدة، واصل النادي الأهلي دوره الوطني، فطلب من أعضاءه التبرع بالدم، فتقدم الآلاف من أعضاءه، وفي 14 أكتوبر 1973 عقد مجلس إدارة النادي الأهلي اجتماعًا قرر فيه ما يلي:

ـ إرسال برقية تأييد ودعم للرئيس محمد أنور السادات رئيس الجمهورية، وبرقية مماثلة لوزير الحربية المشير أحمد إسماعيل.

ـ جمع التبرعات من أعضاء النادي على اختلاف أنواعهم ومن المدربين والرياضيين والعمال والموظفين، وحدد المجلس هذه التبرعات، فكانت جنيها من العضو العامل أو المنتسب الذي في حكمه، ومن العضو الجامعي 50 قرشًا، و25 قرشًا من العضو الرياضي درجة أولى، وجنيها من المدرب.

ـ تشكيل لجنة للإشراف على التطوع للدفاع المدني وعلى جميع مجالات المساهمة في الدفاع وكل ما يتعلق بالمعركة.

تاريخ النادي الأهلي الوطني، طويل ومشرف وعامر بالبطولات، فهو النادي الذي أنشأه الشعور الوطني وتم بناءه في عهد الاستعمار الإنجليزي من أجل أبناء الوطن، فكانت النشأة الوطنية هي المتحكمة في قرارات مسؤوليه وأعضائه وجماهيره، فكان وأصبح بحق "قلعة الوطنية".