هل حققت زيارة بايدن للشرق الأوسط وقمة جدة الأهداف المعلنة والمتوقعة؟

بايدن
بايدن

للوهلة الأولى يبدو أن جولة بايدن وبيان قمة جدة أرضيا كل الأطراف، لكن دون الحسم في أي من القضايا الاستراتيجية التي كانت محل نقاش قبل الزيارة مثل زيادة صادرات النفط من المنطقة وخفض أسعاره، الملف النووي الإيراني، وتشكيل حلف عسكري يضم إسرائيل وتتصدره.

لكن لأن العلاقات الدولية وخصوصًا في القضايا ذات البعد الأمني والاستراتيجي لا يتم مناقشتها من خلال الدبلوماسية العلنية والمكشوفة، فمن المؤكد أن البيان الصادر لا يعبر تعبيرًا صادقًا عما جرى قبل الزيارة وخلالها. وهذا ما يفسر قول رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد "إن زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن حققت إنجازات لن يُسمح بالحديث عنها إلا بعد سنين"؟!![1]

يمكن إيجاز بعض النتائج، بصرف النظر عن الجوانب غير المرئية للنتائج التي سوف تظهر في مرحلة مقبلة. فقد كانت الزيارة بشكل عام إلى وجهتين، الاولى لإسرائيل، والثانية، وهي الأكثر أهمية، للمملكة العربية السعودية أولًا بهدف إصلاح العلاقات مع الرياض، الشريك الاستراتيجي العربي الأول للولايات المتحدة، التي تردت كثيرًا منذ مجيئه إلى البيت الأبيض قبل ثمانية عشر شهرًا. وثانيًا لإصلاح العلاقة مع دول مجلس التعاون الخليجي التي تشكل حلقة واحدة وإن تكن لكل منها خصوصيتها، بعدما تراجعت العلاقات مع واشنطن بسبب السياسات عينها التي اتبعت منذ أن انتخب جو بايدن رئيسًا. ولا بد أيضًا من الحديث عن مصر، وهي الدولة المركزية غير الخليجية، وكبرى الدول العربية التي عانت في علاقاتها مع إدارة الرئيس بايدن بالرغم من كون مصر حلقة محورية لنظام التحالفات الأميركية في المنطقة منذ خمسة عقود.

إسرائيل:

توقيعُ عدة اتفاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وبين الولايات المتحدة ودول أخرى، كان العنوان الأبرز لزيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، لإسرائيل، ولعل من أهمها إعلان القدس، الذي ينص على تفوق إسرائيل العسكري ومنع امتلاك إيران سلاحا نوويا، بالإضافة لاتفاق إسرائيلي أميركي إماراتي هندي، على مبادرتين للطاقة والغذاء. 

شكل التوقيع على "إعلان القدس" الأميركي – الإسرائيلي التزامًا اميركيًا بعدم السماح لإيران بأن تمتلك سلاحًا نوويًا. لكن بالرغم من ذلك لم يكتفِ الإسرائيليون بالإعلان، ولا بالزيارة لكي يُبددوا بشكل عام شكوكهم الكبيرة حيال سياسات الإدارة الأميركية الحالية إزاء الموضوع الإيراني. فالخيار العسكري الذي لطالما كان موضوعًا على الطاولة، حتى في عهد الرئيس باراك أوباما، سحب تمامًا من التداول، في الوقت الذي يعرف فيه الأميركيون أن الإيرانيين لا يقدمون تنازلات جدية إلا عندما يشعرون بأن موازين القوى ليست في صالحهم.

في خضم التحدي الإيراني الذي تواجهه إسرائيل، والحديث الأميركي خلال الزيارة الرئاسية عن حل الدولتين، تبقى المسألة الفلسطينية عالقة بين ضعف الرغبة الأميركية في الضغط جديًا على الإسرائيليين للذهاب إلى مفاوضات سريعة للحل النهائي مع الفلسطينيين على قاعدة الأرض مقابل السلام، وإحياء المبادرة العربية التي طرحها الملك عبدالله بن عبدالعزيز في قمة بيروت قبل أكثر من عقدين، والرفض العميق في الوسط السياسي الإسرائيلي برمته لأي تسوية للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي الذي يقوم منطقيًا على قاعدة منح الفلسطينيين الحد الأدنى من الأرض، والحق في إقامة دولة كاملة الاوصاف. وهكذا بين المواقف اللفظية الأميركية والتعنت الإسرائيلي سيبقى الموضوع الفلسطيني القنبلة الموقوتة القابلة للانفجار المرة تلو الأخرى.

السعودية:

في المحطة السعودية حيث قمم جدة المهمة جدًا، أراد منها الرئيس جو بادين أن يصلح الأضرار الكبيرة التي أنزلها بالعلاقات مع السعودية، وعدد من الدول العربية. طبعًا لم يكن بايدن أول من ألحق الاضرار بالعلاقات. سبقه أوباما، لكن بادين كان نائبه آنذاك. أكثر من ذلك كان استعداء القيادة السعودية بالشكل الذي حصل في خلال حملة الانتخابات الرئاسية، ثم ترجم في السلطة منذ اليوم الأول من الولاية الرئاسية في مطلع 2021، عملًا متهورًا للغاية، واتخذ طابعًا شخصيًا غريبًا ضد أحد أهم أركان الحكم السعودي، وانعكس في العديد من المجالات، وشكل في وقت من الأوقات تهديدًا لأمن المملكة التي كانت تعتمد بشكل رئيسي على الشراكة الدفاعية مع الولايات المتحدة.

كان لافتا مقال للسفيرة السعودية في الولايات المتحدة الأميرة ريما بنت بندرالذي نشرته صحيفة "بوليتيكو" الالكترونية الأميركية قبل يوم من وصول الرئيس بادين إلى مدينة جدة، جاء فيه أن "الأيام التي كان يمكن فيها تحديد العلاقة الاميركية - السعودية من خلال نموذج (النفط مقابل الأمن) قد ولت منذ وقت طويل". وأضافت: "أن السعودية اليوم بالكاد يمكن التعرف إليها من الشكل الذي كانت عليه في السابق حتى قبل خمس سنوات". وأوضحت: "أن السعودية لم تعد رائدة في مجال الطاقة فحسب، ولكن في الاستثمار والتنمية المستدامة". [3] هنا نجد قراءة مختلفة للعلاقات التي كان العديد من مستشاري الإدارات الأميركية المتعاقبة لا يلتفتون اليها. ثمة جديد في السعودية والإمارات، وبقية الشركاء في المنطقة. وهذا ما كان يجب على مستشارو بايدن أن يدفعوا به إلى القيام بهذه الزيارة قبل الحرب الروسية على أوكرانيا، حتى لا تبدو في أحد جوانبها وكأنها زيارة استلحاقية لتجميع الحلفاء بمواجهة روسيا بوتين، والتحضير للتنافس الاستراتيجي مع الصين.

لقد حققت الزيارة في مكان ما نقلة إلى الإمام في الشراكات الإقليمية التي يجري العمل حولها. نفى المسؤولون السعوديون وفي مقدمهم وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان أن يكون قيد البحث "حلف ناتو" شرق أوسطي، لكن هذا لا ولن يمنع (حسب بيان جدة) قيام تعاون في مجال الدفاع البحري. ومع استعادة السعودية جزيرتي تيران وصنافير، وفتحها أجواءها أمام جميع الشركات العالمية (الإسرائيلية ضمنًا) ينطلق مسار لعلاقات استراتيجية مع إسرائيل مشروطة بحل نهائي للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. لكن في الأثناء يتوسع نطاق الشراكات الإقليمية الذي تشكل إسرائيل طرفًا فيه، وليس أدل إلى ذلك بدء تلاشي الحواجز النفسية التي تحول دون ذلك. وقد كان لافتًا الاجتماع عبر تقنية الفيديو الذي سبق قمة جدة بيوم واحد، بين الرئيس بايدن وقادة الإمارات، إسرائيل، والهند مؤشرًا إلى أن المنطقة تتحرك بسرعة نحو مجموعة شراكات، وأحلاف اقتصادية، وتكنولوجية تتقاطع في ما بينها. 

خلاصة الخلاصة والمهم أن تكون زيارة الرئيس الأميركي، الذي عاد إلى واشنطن، قائمة على وعي بالمتغيرات التي طرأت في السنوات العشر الأخيرة المنصرمة. 

المراجع:

1-          د.ابراهيم ابراش، وكالة معا الفلسطينية، 16/7/2022م

2-          الحل نت 14/7/2022م.

3-          علي حماده، صحيفة النهار اللبنانية 17/7/2022