أثر الفتاوي التكفيرية والعمليات الإرهابية على الأوضاع السياسية في جنوب اليمن

أصحاب فتاوى التكفير
أصحاب فتاوى التكفير في اليمن

عانت المجتمعات العربية وخاصة في مصر وجنوب اليمن من ظاهرة العمليات الارهابية التي كانت نتيجة مؤكدة لفتاوي التكفير والتخوين الصادرة عن "مشائخ" تيارات الإسلام السياسي. حيث أوضح تقرير مرصد الإفتاء في مصر "تصاعد حدة الفتاوى الدينية لأغراض سياسية الصادرة مع صعود التيارات الإسلامية.."، بإطلاق فتاوى تكفير المعارضين والمثقفين، ثم أفراد الجيش والشرطة الذين اعتبرهم أصحاب تلك الفتاوي التكفيرية "طواغيتًا".[1]

وكان نتيجة تلك الفتاوى سقوط الكثيرين من أفراد الجيش والشرطة والمثقفين شهداء وضحايا عمليات إرهابية، جاءت استجابة لتلك الفتاوي الضالة والمضلة.

وأكد الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي الجمهورية والمشرف على إصدار التقرير، فى بيان صحفي، "أن فتاوى التكفير تلقي بآلاف الشباب بإتون التطرف والقتل والانفجار طلبًا لما يزعمون من الشهادة، فيسارعون إلى سفك دماء الأبرياء وترويع المواطنين داخل البلاد وخارجها، إضافة إلى أنها تمزق النسيج المجتمعي وتشيع الكراهية والحقد بين أبناء المجتمع الواحد بعد أن تقسم المواطنين إلى مؤمنين وكفار، وتصادر حق المواطنين في أن يكون لهم وطنا يحتضنهم ويأويهم"[2]

جنوب اليمن جرح ينزف ودم مستباح لقوى الإرهاب

كان الأمر أشد وطأة وأفضع تأثيرًا في جنوب اليمن، حيث أفتى مشائخ حزب الإصلاح [إخوان اليمن] بقتل واستباحة دماء شعب الجنوب. وعلى رأس هؤلاء المشائخ عبد المجيد الزنداني وعبدالوهاب الديلمي اللذان ارتبط اسميهما بفتوى التكفير التي استند عليها نظام صنعاء في حرب احتلال الجنوب صيف عام 1994. الفتوى التي استباحت دم الإنسان المعصوم جاءت في توظيف سياسي وزماني ما زالت ارتداداته ممتدة، على الرغم من عقود مضت وتحولات وقعت، غير أن واقع الفتوى وعمقها يعيدها ليس للحياة، فحسب، وإن مات صاحبها، فهي أكثر من مجرد فتوى عابرة، إذ مثلت رغبة سيد قطب في أفكاره التكفيرية، وجسدت لوقائع صنعت المكونات الوحشية من تنظيم «القاعدة» وحتى الذئاب المنفردة.

"ما زالت الألفاظ الواردة في فتوى التكفير الصادرة في صيف 1994، كما هي متداولة حتى اليوم (عصابة الردة) (الملحدين) أكثر من مجرد مصطلحات، ما زالت تعيش في وجدان اليمنيين الشماليين على اعتبار أن الفتوى لم تنقض حتى وإن استنكرها كبار علماء بلاد الحرمين آنذاك الشيخين عبدالعزيز بن باز وابن عثيمين، ووافقهما في الاستنكار الأزهر الشريف، غير أن ذلك الاستنكار لم يؤثر أو يغير من واقع الفتوى وتأثيرها، حتى أن «الحوثيين» برغم الخلاف العقائدي والطائفي المزعوم، وجدوا فيها شيئًا من الذرائع، وهم يعاودون غزو عدن والجنوب في العام 2015، فهي فتوى توفر الحوافز الكاملة للقتلة ليمارسوا القتل حاملين معهم صكوك دخول الجنة".[3].

وهكذا استمر الحال خلال هذه الحرب وتحديدا منذ عام 2019م حيث كشفت القوات الموالية لـ "لشرعية" المسيطرعليها من قبل حزب الإصلاح عن أجنداتها المخفية للسيطرة على الجنوب وخاصة عاصمتها عدن مستخدمة نفس الفتاوي التكفيرية والتحريضية والتبريرية لغزواتها وقتلها للجنوبيين... ما زال الجنوبيون يتذكرون أن الإخوان أطلقوا على حربهم لإسقاط عدن بـ "غزوة خيبر".

من هو عبدالمجيد الزنداني؟

تردد اسم "عبدالمجيد الزنداني، رئيس شورى تنظيم إخوان اليمن، والمطلوب للولايات المتحدة الأمريكية منذ عقود بتهمة تدريبه عناصر جهادية نفذت هجمات إرهابية ضد مصالح أمريكية. و"عبدالمجيد الزنداني، هو رئيس شورى حزب الإصلاح في اليمن – النسخة اليمنية من تنظيم الإخوان – وقد عرف بأحد مؤسس التنظيم اليمني بعد أن اعتنق الفكر المتطرف خلال دراسته في القاهرة ومبايعته لتنظيم الاخوان المسلمين في مصر" [4].

وبحسب موقع اليوم الثامن "عبد المجيد الزنداني [مواليد 1942]، قيادي إخواني ويعتبر الأب الروحي لإخوان اليمن، مؤسس جامعة [الإيمان الشرعية] باليمن وأحد أوائل من وضعوا اللبنات الأولى للتنظيمات الإسلامية في اليمن، ومؤسس الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة في مكة المكرمة، رئيس مجلس شورى التجمع اليمني للإصلاح، الذراع السياسي للإخوان، مع الشيخ عبد الله الأحمر. والتحق بكلية الصيدلة في مصر 1960 ودرس فيها لمدة سنتين، وهناك التقى العديد من الطلاب اليمنيين، كما كان على اتصال بجماعة الإخوان في مصر والقيادات الإخوانية اليمنية المقيمة في مصر. كان للزنداني دور أساسي في تكوين حركة الأفغان العرب، فهو الذي تولّى شئون المعسكرات في اليمن للاستقبال والتدريب والتعبئة الفكرية والإرسال إلى أفغانستان. وقد اكتسب صفة الأب الروحي للأفغان العرب، فيما كان زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن رجل الميدان".

من هو عبدالوهاب الديلمي

"الدكتور عبد الوهاب بن لطف الديلمي (1938-2021] في ذمار في اليمن، متزوج وله 12 ولدًا من الذكور والإناث وتوفيت والدته وعمره سنتين. بدأ دراسته في الكتاتيب في قريته ثم انتقل لصنعاء والتحق بالدراسة في دار العلوم، ثم انتقل للدراسة في القاهرة للدارسة في الأزهر بعد قيام الثورة في شمال اليمن عام 1962 ليكمل دراسته الثانوية وبعدها درس في معهد لبحوث الإسلامية ثم كلية أصول الدين.

انتقل بعدها ليعمل مدرسًا في السعودية وأيضًا ليدرس في كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ودرس الماجستير في جامعة أم القرى في مكة المكرمة عام 1978، ثم حصل على الدكتوراه من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض عام 1984. وهو صاحب فتوى الديلمي التي أباحت قتل الجنوبيين بحجة أنهم ارتدوا وكفروا مما تسبّب بقتل أكثر من عشرة آلاف جنوبي في حرب 1994 مما جعله في نظر الجنوبيين مجرم حرب ". [5]

الديلمي الذي توفي في منفاه الاختياري بإسطنبول التركية، جراء كورونا، يعدّ أحد مؤسسي الرافعة السياسية لإخوان اليمن، أو ما يعرف بـ "التجمع اليمني للإصلاح".

شغل الديلمي مناصب عدة داخل الجماعة منها العمل كعضو في دائرة مجلس الشورى، ورئيس دائرة الهيئة القضائية، ثم رئيس دائرة التعليم؛ وهو آخر منصب له داخل تنظيم الإخوان فرع اليمن. عين الدليمي عضوا في "مجلس الشورى " قبل توحيد دولتي اليمن جنوبا وشمالا عام 1990، ونال عضوية مجلس النواب بعد الوحدة، قبل أن يتسلم حقيبة وزير العدل في حكومة مابعد حرب صيف 1994.

الحقيبة الوزارية، نالها الدليمي إثر فتواه الشهيرة بتكفير أبناء جنوب اليمن، وخاصة الحزب الاشتراكي، الذي اتهم القيادي الراحل أعضاءه بالردة.

النص المذاع للفتوى بصوت عبد الوهاب الديلمي:

 «إننا نعلم جميعًا أن الحزب أو البغاة في الحزب الاشتراكي اليمني المتمردين المرتدين هؤلاء لو احصينا عددهم لوجدنا أن اعدادهم بسيطة ومحدودة، ولو لم يكن لهم من الأنصار والاعوان من يقف إلى جانبهم ما استطاعوا ان بفعلوا ما فعلوه في تاريخهم الأسود طيلة خمسة وعشرين عامًا، وكل الناس يعرفون في داخل المحافظات الجنوبية وغيرها أنهم اعلنوا الرده والالحاد والبغي والفساد والظلم بكل أنواعه وصنوفه، ولو كان هؤلاء الذين هم راس الفتنة لم يكن لهم من الاعوان والانصار ما استطاعوا أن يفرضوا الألحاد على أحد ولا أن ينتهكوا الاعراض ولا أن يؤمموا الاموال ويعلنوا الفساد ولا أن يستبيحوا لمحرمات، لكن فعلوا ما فعلوه بأدوات، هذه الادوات هم هؤلاء الذين نسميهم اليوم المسلمين هؤلاء هم الذي اعطى الجيش ولاءه لهذه الفئة، فأخذ ينفذ كل ما يريد أو ما تريد هذه الفئة ويشرد وينتهك الاعراض ويعلن الفساد ويفعل كل هذه الافاعيل وهنا لا بد من البيان والإيضاح في حكم الشرع في هذا الأمر: "أجمع العلماء أنه عند القتال بل إذا تقاتل المسلمون وغير المسلمين فإنه أذا تترس اعداء الإسلام بطائفة من المسلمين المستضعفين فإنه يجوز للمسلمين قتل هؤلاء المُتترس بهم، مع أنهم مغلوب على أمرهم وهم مستضعفون من النساء والضعفاء والشيوخ والاطفال، ولكن إذا لم نقتلهم فسيتمكن العدو من اقتحام ديارنا وقتل أكثر منهم من المسلمين ويستبيح دولة الإسلام وينتهك الاعراض. إذا ففي قتلهم مفسدة أصغر من المفسدة التي تترتب على تغلب العدو علينا، فإذا كان إجماع الم فإذا كان إجماع المسلمين يجيز قتل هؤلاء المستضعفين الذين لا يقاتلون فكيف بمن يقف ويقاتل ويحمل السلاح. هذا اولًا، الامر الثاني: الذين يقاتلون في صف هؤلاء المرتدين يريدون أن تعلو شوكة الكفر وأن تنخفض شوكة الإسلام، وعلى هذا فإنه يقول العلماء من كان يفرح في نفسه في علو شوكة الكفر وانخفاض شوكة الإسلام فهو منافق، أما إذا أعلن ذلك وأظهره فهو مرتد أيضا"[6]

للتكفير تاريخ في اليمن 

للتكفير في اليمن تاريخًا طويلا يعود إلى مطلع ثمانينيات القرن الماضي "حين أتهم الشاعر عبد الكريم الرازحي بالتجديف بحق الذات الإلهية بسبب نشره لحكاية مترجمة للأطفال وهي أسطورة إغريقية، فاعتبرها الجهاديون "مسا بالدين" وأباحوا دمه، ومثله شاعر اليمن الكبير الدكتور عبد العزيز المقالح، صاحب الرقم القياسي في عدد فتاوى التكفير بسبب قصائده وكتاباته، لينتهي عقد الثمانينات بأشهر محاكمة في التاريخ الحديث لليمن قضت بإعدام الكاتب والأستاذ الجامعي الدكتور حمود العودي، الذي فر حينها هاربا إلى عدن".[7]

ماذا بعد؟

لم تتوقف العمليات الارهابية ضد الجنوبيين منذ سنين خلت. 

فهل من حق عدن وأهل الجنوب العربي الخلاص من فتاوى التكفير التي حبستهم في وحدة دينية جعلتهم كفارًا في أعين الشماليين؟

 هذه المعضلة تتطلب حلًا حقيقيًا وليس حلًا ساخرًا كالذي قدمه مؤتمر الحوار الوطني في صنعاء الممتد من المبادرة الخليجية، والذي قدم عشر نقاط للقضية الجنوبية تكرس الفتوى التكفيرية وتثبت الوحدة القسرية. وفيما كانت المعالجات كالمغالطات، كانت الساحات الجنوبية تكتظ بالجماهير الرافضة لمخرجات الحوار اليمني، مما استدعى بعض شخصيات الشمال أن تستكمل المشهد الساخر بتقديمهم اعتذاراتٍ عن تلك الفتاوى، وما نتج عنها من الحروب.

تبدو هذه الحالة شكلًا غير مسبوقا في الأزمات الدولية، فلم يعرف العالم حادثة مماثلة شهدت إصدار فتوى تكفيرية عامة كما حدث في اليمن. وأقرب ما يمكن هو ما قام به تنظيم «داعش في العراق وسوريا» بإصداره فتوى تكفيرية، أجازت له القتل والسبي في سنجار، ومع ذلك فإن تنظيم «داعش» لا يمتلك مشروعية قانونية يمكن معاملته عليه بغير ما قامت به الولايات المتحدة، ضمن التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، وهو ما لا يمكن تطبيقه في الجمهورية اليمنية بإطارها القانوني، الذي يعترف بمكون حزب «الاصلاح»، وهو ذراع تنظيم «الإخوان» في اليمن المصّنف في عدد من الدول على أنه كيان إرهابي محظور نشاطه، وهو ما يسقط أي مقاربة ممكنة يمكن استخدام التحالف الدولي لمواجهته في اليمن.

لذلك يرى الكثير من المختصين والمهتمين بشؤون مكافحة الإرهاب ومنهم الكاتب الجنوبي اليمني هاني مسهور، أن "المتاح هو أن تتقدم هيئة اسلامية بمراجعة الفتوى وتفنيدها وإصدار الأحكام الجنائية لمن شارك فيها من أفراد وتنظيمات وهيئات ومؤسسات وإنشاء محكمة جنايات دولية متخصصة تخضع كل الذين تورطوا في إصدار الفتوى واستفادوا منها سياسيًا، أو بأي طريقة كانت، ليس من مجال غير التدخل لإنقاذ عدن والجنوبيين من تدوير فتوى الموت التي ستظل حاضرة إذا لم يتم مواجهتها بالنقد الشرعي مع رد المظالم لأهلها، الانطلاق من النص القرآني (ولكم في القصاص حياة يا أولي الالباب) يبدو مدخلًا منطقيًا وعادلًا في قضية لم يعد من المقبول السكوت على بقاءها كجمرة متقدة تحت الرماد. والجمرة يمكن إطفاؤها بفعل التيار المتفاعل في المحور السعودي المصري الإماراتي الهادف للاعتدال ومكافحة الإرهاب ووأد التطرف والكراهية". [8]

 

المراجع:

1-          صحيفة الأهرام المصرية 18/3/2014م

2-          صحيفة الأهرام المصرية 18/3/2014م، مرجع سابق

3-          هاني مسهور، صحيفة الاتحاد الاماراتية، 5/3/2021م

4-          مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات عن 5/2/2022م

5-          ويكيديا الموسوعة الحرة

6-         مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات عن 5/2/2022م، مرجع سابق.

7-          DW 5/2/2012م

8-         هاني مسهور، صحيفة الاتحاد الاماراتية، 5/3/2021م، مرجع سابق