من هو أبوبكر سالم بلفقيه

اخترق صوته القوي مسامعي لأول مرة وأنا في سن الثانية عشرة. وقتها كانت الاسطوانات البلاستيكية الرخيصة يونانية المنشأ انتشرت في الأسواق، وكان جار حضرمي لنا يديرها طوال ساعات النهار في مقهاه الشعبي، وهو يدندن بمتعة اغنية كانت صاخبة قد ظهرت للتو اسمها «شلنا يابو الجناحين طائر». ولما كنا وقتذاك واقعين تحت سطوة الأغاني المصرية العاطفية فقد استفزني صاحب المقهى الحضرمي بعمله فذهبت له شاكيًا من تلك الأغنية الغريبة ومطالبًا إياه استبدالها بإحدى اغاني عبدالحليم حافظ الذي كنا نعشقه بجنون. رفض الحضرمي، بطبيعة الحال، طلبي، بل ونهرني قائلًا: «إنت بعدك صغير، ولا تفهم في الفن الأصيل».

مرت بعد ذلك سنوات لاحظنا خلالها انتشار تلك الأغنية عبر الأثير مع انتشار صورة صاحبها على واجهة محلات بيع الأسطوانات. وأثناء تلك الفترة أيضا زاد وعينا، وتطورت ذائقتنا الفنية، واكتشفنا أن للفن والموسيقى أبوابا أخرى غير الباب المصري لنطرقه ونتمتع بمخزونه. ثم جاءت سنة 1968 الذي حاز فيها صاحب تلك الأغنية الصاخبة على جائزة الاسطوانة الذهبية المقدمة من شركة إنتاج يونانية. أما المفارقة فقد كانت أقتسامه الجائزة مع مطربنا المحبوب حليم لبيعه أكثر من أربعة ملايين نسخة من إلبوم «متى أنا شوفك يا كامل وصوفك». وقتها فقط عرفنا أنه «مافيش حد أحسن من حد» وأن أبوبكر سالم بلفقيه في قامة حليم فنيًا وإنْ جاء كل منهما من مدرسة طربية مختلفة. 

بلفقيه، الذي فقدناه في العاشر من ديسمبر 2017 عن 78 سنة بعد صراع مع أمراض القلب والفشل الكلوي (صلي عليه في جامع الجوهرة البابطين بحي الياسمين في الرياض ودفن في مقابر البانبان شمال الرياض) حفر في الصخر حتى غدا فنانًا كبيرًا يشار إليه بالبنان، ومدرسة موسيقية ذات ملامح خاصة خرّجت جيلًا كاملًا من المبدعين، وشخصية جمعت ما بين الغناء والعزف والتلحين والتوزيع علاوة على كتابة كلمات أغانيه بنفسه. والجزئية الأخيرة كان وراءها ثقافته الشعرية التي بدأت مبكرًا بدليل أنه كتب الشعر وهو لم يتجاوز السابعة عشرة من العمر، وذلك حينما كتب قصيدة «يا ورد محلا جمالك بين الورود».

ولد أبو بكر بن سالم بن زين بن حسن بلفقيه في 17 مارس 1939 بمدينة تريم الحضرمية التاريخية لأسرة متدينة عـُرفت في حضرموت بالعلم والأدب والشعر. وقد أطلق عليه والده اسم «أبو بكر» تيمنًا باسم جده الأكبر العلامة أبو بكر بن شهاب الذي كان من أبرز علماء حضرموت. وحينما توفي والده وهو لم يكمل عامه الأول تولى رعايته جده زين وعمه حبشي ووالدته المنتمية إلى أسرة الكاف المعروفة في اليمن والسعودية وإندونيسيا وماليزيا وسنغافورة، والتي رفضتْ الزواج مجددًا لتوهب نفسها لتربية ابنها الوحيد. التحق الطفل اليتيم أبو بكر بمدرسة «الإخوة» في تريم، حيث تعلم القرآن وعلوم الفقه وقواعد اللغة العربية، وحينما كبر التحق بمعهد إعداد المعلمين بمدينة عدن الذي زامل فيه شخصيتين من ساسة اليمن المشهورين هما «محمد سالم باسندوة» و«عبدالله الأصنج». وحينما تخرج بلفقيه من المعهد المذكور في العشرينات من عمره، عمل مدرسًا متميزًا للغة العربية لمدة ثلاث سنوات ما بين تريم وعدن، كان خلالها عضوًا في نادي القطيع الرياضي في «كريتر» بعدن ويلعب في فريقها لكرة القدم. 

اشتهر بلفقيه وسط أهله وأقرانه بالصوت الجميل الذي تجلى في قيامه مبكرًا بالمشاركة مع أعمامه في أداء الموشحات الدينية المحلية. كان هذا قبل سنوات من اتخاذه قرار ترك التدريس والاتجاه نحو احتراف الغناء والطرب في خمسينات القرن العشرين، عبر السفر والإقامة الدائمة في عدن التي كانت آنذاك تموج بنهضة فكرية وأدبية وثقافية وإعلامية ويقيم بها أعلام اليمن في الشعر والغناء من أمثال لطفي جعفر أمان وأحمد قاسم ومحمد سعد عبدالله ومحمد مرشد ناجي وغيرهم. وقتها كان الشاعر حسين المحضار، الذي شكل مع بلفقيه ثنائيًا لافتًا وفريدًا فيما بعد، شابًا صغيرًا بينما كان بلفقيه مطربًا ناشئًا في بداية مشواره. فكيف تم التعارف بينهما؟ أجاب بلقيه على السؤال ذات مرة فقال إنه ذهب مع نادي القطيع العدني إلى المكلا للتباري كرويًا مع نادي حضرموت المكلاوي، وأيضا لتقديم حفل غنائي هناك يذهب ريعه لصالح نادي القطيع. وأضاف أنه بينما كان يتلقي التهاني على المسرح فإذا بشاب خجول يخرج من وراء المسرح ويتقدم صوبه لمناولته أوراقًا بها قصائد من شعره قائلًا: «أنظر إليها واختر ما شئت لتغنيها». كانت هذه بداية علاقة بين بلفقيه والشاب الخجول حسين المحضار، والتي لم تنقطع إلا بوفاة الأخير سنة 2000.

في عدن، عروس الجنوب وأكثر مدنه ازدهارًا وتقدمًا وانفتاحًا، «تفتقت عبقرية بلفقيه الذي جاء للتو من خلفية صوفية عميقة الجذور تحتضن الإنشاد الصوفي بمآتيه العميقة، وتتمازج فيه أصالة الفن اليمني الحضرمي بالروافد الهندية الثرية» حسب تعبير صالح البيضاني في صحيفة العرب اللندنية (12/‏12/‏2017). حيث أتيحت الفرصة لبلفقيه أن يغني في بعض حفلات الأعراس وحفلات المسارح الشعبية في أحياء كريتر والشيخ عثمان ودار سعد، فذاع صيته وكثر معجبوه وكتبت الصحافة عنه مبشرة ببزوغ موهبة فذة جديدة على الساحة الطربية اليمنية، قبل أن تفتح إذاعة عدن ذراعيها له لتسجيل أغانيه. وكانت باكورة أعماله أغنية «يا ورد ما حلى جمالك» التي سجلها عام 1956 والتي غناها بعد ذلك الراحل الكبير طلال مداح، فلقيت انتشارًا كاسحًا، الأمر الذي شجعه على تأليف وتلحين وتأدية المزيد من الأغاني.

كان لتعرفه في هذه المرحلة على الشاعرين اليمنيين «لطفي جعفر أمان» و«حسين أبو بكر المحضار»، علاوة على الأديب الدكتور محمد عبده غانم، دور كبير في ظهور مجموعة من أشهر أعماله، خصوصا بعد أن تعلم العزف على العود على يد الفنان «أنور أحمد قاسم». إذ غنى من كلمات الأول أغاني «وصفوا لي الحب»، و«كانت لنا أيام»، و«أعيش لك»، وغنى للثاني «ليلة في الطويل»، و«خذ من الهاشمي»، و«تمنيت للحب»، وغنى للثالث «قولوا له»، و«قال لي باتوب»، و«من علمك ياكحيل العين»، إضافة إلى أغاني من ألحانه وكلماته مثل: «لما ألاقي الحبيب»، «خاف ربك»، «يا حبيبي يا خفيف الروح»، و«سهران ليلي طويل». وفي هذه المرحلة المبكرة من مسيرته غنى ولحن أيضا عددًا من القصائد الفصحى مثل «اسكني يا جراح واسكتي يا شجون، مات عهد النواح وزمان الجنون» للشاعر التونسي «أبو القاسم الشابي»، و«ليلة شعّت لنا بالنور إذ هل بهاها، قمر في الروض تختال رويدا في خطاها» للشاعر الحضرمي «عبدالله أبوبكر التوي»، و«أقبلت تمشي رويدًا، ودنت تنجز وعدا» للشاعر الحضرمي «حسن سقاف بصري السقاف».

تقول سيرته الذاتية المنشورة أنه قرر في عام 1958 الانتقال من عدن إلى بيروت سعيًا وراء المزيد من الانتشار والشهرة، وأيضا لإعادة تسجيل أغانيه إذاعيًا وتلفزيونيًا بتوزيعات متطورة جديدة وبمرافقة أوركسترا متكاملة. وبالفعل سافر إلى بيروت وأقام في حي الروشة الجميل مع التردد من وقت إلى آخر على كل من عدن والقاهرة والكويت. لكنه بعد خروج الإنجليز من جنوب اليمن وسقوط سلطناته على يد الجبهة القومية وإقامة نظام سياسي ماركسي قرر صاحبنا أن يستقر في بيروت. 

خلال حقبة استقراره في لبنان قام بلفقيه بالمشاركة في حفلات المصايف التي كانت تستقطب جمهورًا كبيرًا من المصطافين الخليجيين والعرب. أضف إلى ذلك أن النافذة اللبنانية عرفته على بعض نجوم الطرب اللبنانيين ممن غنوا له مثل هيام يونس التي أعادت غناء أغنيته «قال لي با توب»، ونازك التي أعادت غناء أغنية «ليلة شعت لنا النور»، ونجاح سلام التي غنت له «من نظرتك يازين». غير أن الحرب الأهلية اللبنانية في السبعينات أجبرته على العودة إلى عدن. لكن عدن السبعينات لم تكن كعدن الخمسينات التي عرفها مدينة مزدهرة ومنفتحة وعابرة للطوائف والأقوام والثقافات والفنون، فبقي فيها لبعض الوقت قبل أن يشد رحاله إلى جدة. والجدير بالذكر في هذا السياق أن بلفقيه قدم في حقبته البيروتية مجموعة جديدة من أغانيه الشهيرة مثل: «24 ساعة» (وزع منها أكثر من مليون نسخة فكان ذلك سببًا في حصوله على جائزة الكاسيت الذهبي من إحدى شركات التوزيع الألمانية)، «الحلاوة كلها من فين»، «كل شي إلا فراقك يا عدن»، و«يا طائرة طيري على بندر عدن»، «يا زارعين العنب ما تبيعونه؟»، «شلنا يابو جناحين طاير»، «خلـّي أسر قلبي»، «يالله مع الليل بانسهر»، إضافة إلى أغنية لا زال الكثيرون يرددونها إلى اليوم على الرغم من توالي السنين وهي تلك التي يقول مطلعها: 

إمتى أنا شوفك يا كامل وصوف 

متى متى قول لي با تسمح ظروف 

بانسى أسى الدنيا من ساعة ما شوف 

متى متى قول لي يا سيد المظانين

قولي متى قولي باتعطف وتاتي

يا طيف أحلامي وأغلى امنياتي

يا زين بحبك أكثر من حياتي

قول لي متى قول لي يا سيد المظانين

وهناك أغنية نافست الأغنية السابقة من حيث الانتشار والشعبية هي أغنية «الله الله بالأمانة» التي غناها بلفقيه بأسلوبه الخاص من بعد علي العطاس ومحمد سعد عبدالله، وتقول كلماتها:

يوم أمنتك بقلبي

الله الله بالأمانة

كل أمر سهل من دون الوداع كيف أنا باودعك

بعدما قد شاع لك حبي وذاع والحشا مستودعك

فيه لك أغلى مكانة.. الله الله بالأمانة

لم يشعر بلفقيه بالغربة في جدة إطلاقًا، فالكثير من عائلاتها وأثريائها ينحدرون من أصول حضرمية، ناهيك عن أن أهل الحجاز بصفة عامة يتذوقون الفن الرفيع والطرب الأصيل، ولا سيما الألوان التي تميز بها بلفقيه كالغناء الحضرمي والعدني والصنعاني (مارس اللون الصنعاني منذ بداياته فقدم منه أغان مثل: «قال المعنى لمه»، «مسكين يا ناس»، «ياليل هل أشكو»، «وامغرد»، «بات ساجي الطرف»، «أحبة ربي صنعاء»، «رسولي قوم»)، فكيف إذا كان صاحب الفن مثل بلفقيه، له ذوق متميز في اختيار الكلمات وصياغة اللحن المناسب، وله قدرة عجيبة على الأداء التعبيري والتنقل ما بين طبقة صوتية وأخرى بحنجرة قوية ولسان فصيح. ومن هنا صدق الدكتور أحمد الربعي رحمه الله حينما قال عنه ما مفاده أن أبوبكر سالم ليس مجرد فنان عادي وإنما مثقف عربي تمكن من الاستفادة من التراث من جهة ومن المعاصرة من جهة أخرى فمزج بين الصوت الجميل واللحن المتميز والكلمة المؤثرة.

استقر بلفقيه في مدينة جدة عدة سنوات قبل أن ينتقل للإقامة في الرياض ويحصل على الجنسية السعودية. وخلال هذه الفترة من حياته كان يتردد على القاهرة، ويتنقل بين العواصم الخليجية، محييًا فيها الحفلات الغنائية، ومنتجًا بها المزيد من الأغاني الجميلة من ألحانه وكلماته، أو من ألحان وكلمات رفيق دربه حسين المحضار، أو من كلمات شعراء مثل الأمير بندر بن عبدالمحسن، وسمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وفائق عبدالجليل، وعبدالله البقعي، وأحمد البيض، وإبراهيم جمعة، وألحان ملحنين معروفين مثل يوسف المهنا، وعبدالرب إدريس. وهذا خلق له، بطبيعة الحال، ألقًا جديدًا ورسخ صورته في أذهان الجماهير كفنان خليجي يمزج ما بين اللون الخليجي والدان الحضرمي. ولا تفوتنا هنا الإشارة إلى أن جمال إنتاجه الطربي وشهرته الجماهيرية وشعبيته الطاغية فرضت على بعض كبار المطربين الخليجيين والعرب (مثل طلال مداح ومحمد عبده وعبدالله الرويشد وراشد الماجد وعبدالمجيد عبدالله ووليد توفيق وراغب علامة ووردة الجزائرية) أن يتغنوا بروائعه في الكثير من الحفلات.

وأثناء إقامته في جدة تزوج بلفقيه من فتاة حضرمية تحمل الجنسية السعودية من بيت آل عطاس، فانجبت له أصيل (سار على درب أبيه في الغناء)، وأحمد، وأليف. وكانت هذه زيجته الثانية بعد زواجه في عدن من إبنة الشيخ عمر بن محمد عرفان التي أنجبت له إبنه أديب وابنتيه أنغام وألحان.

يمكن القول أن حقبته السعودية التي بدأت في السبعينات وانتهت بوفاته في أواخر العقد الثاني من الألفية الجديدة كانت حافلة بالنقاط المضيئة وغزارة الإنتاج العاطفي والوطني. ففيها غنى للملكين خالد وفهد رحمهما الله، وغنى للسعودية أغاني «إلا معك في الرياض» و«برج الرياض» و«يا بلادي واصلي». وفيها غنى أيضا مجموعة من الأغاني الخالدة من أشهرها: «سر حبي فيك غامض»، «يا حامل الأثقال»، «ما علينا يا حبيبي.. ما علينا»، «عادك إلا صغير، بدري عليك الهوى، يا جرج ماله دوا»، «غزاني الشيب، مشى كل الزمن، وأنا في مكاني»، «عنب في غصونه»، «يا سهران ليه السهر، مالك فوق فرشك مقر»، «يا سمار، ما يحلى السمر إلا بصوت الدان»، «واويح نفسي»، «ما حسبنا حسابه»، «في السما غيم يالساري سرى»، «حطني في عيونك وغمض، خلني أعيش في عيونك»، «لا إنت شمس ولا إنت فيّ»، «موقفي صعب والحكمة قليلة، والمشورة وين راعيها نجي له»، «أحب الفراق»، وغيرها. وفيها أيضا نال جائزة اليونيسكو لأفضل صوت من حيث الطبقات عن رائعته «أقول إيه» من كلمات وألحان حسين المحضار، والتي يقول مطلعها:

أقول له إيه لو قال ما لي نفس تهواك؟ 

ما لي اذن تسمعك 

ما لي عين تتمنى تراك 

أقول له حبني بالغصب؟

ومما لوحظ عليه في هذه الفترة من حياته، حنانه وشوقه المتجدد إلى وطنه الأم في جنوب اليمن، والذي جسده في أغان تحمل معاناة وهموم المغتربين عن أوطانهم ومرابع صباهم، وتتغنى بالسفر والحنين والعودة إلى الأهل وألم الفراق ولوعة البعد. فعلى الرغم من أنه زار مدينة تريم (مسقط رأسه) سنة 1982 وتفقد فيها مكان ميلاده وبيت جده، وعلى الرغم من أنه أعاد الكرة فزار حضرموت سنة 2003 وتم تكريمه هناك من قبل جامعة حضرموت بمنحه شهادة الدكتوراه الفخرية تقديرا لجهوده في الارتقاء بالأغنية الحضرمية واليمنية ونشرها على الساحة العربية، إلا أن حضرموت وتريم والمكلا وسيئون والشحر وعدن، بشوارعها وناسها ومآذنها وأزقتها، ظلت مسكونة بداخله على الدوام. لذا نجده يغني «يا مسافر بلادك ليل والشمس غابت، عادنا الا انطربنا والتلاحين طابت»، ويكرر غناء «شلنا يا بو جناحين لي عند المحب حتى في الشهر ليلة»، ويغني «واويح نفسي لي ذكرت أوطانها /‏ حتى ولو هي في مطرح الخير رغبانه» ويغني «من يشبهك.. من يشبهك /‏ إنت الحضارة.. إنت المنارة /‏ إنت الأصل والفصل والروح والفن»، ويبدع في «يامسافر ع البلاد بروحي وقلبي.. سير واتركني هنا بآلام حبي». ويمكن هنا أن نضيف أيضا أغنية «سرحبي» من كلمات المحضار، فهي لئن كانت عاطفية، إلا أن صدى الوله للمكلا يتردد في ثناياها، خصوصا في جملة «لا تعذبني وإلا سرت وتركت المكلا لك» المتكررة في الأغنية.

حصل فناننا خلال مسيرته الناجحة على العديد من الأوسمة والجوائز والتكريمات. فعلاوة على ماأشرنا إليه آنفا من جوائز، منحه الرئيس علي عبدالله صالح عام 1989 وسام الفنون من الدرجة الأولى، ومنحه الملك حمد بن عيسى آل خليفة عام 2001 وسام الفنون والآداب من الدرجة الأولى، ومنحه رئيس دولة الإمارات الشيخ زايد بن سلطان وسامًا مماثلًا مع سيف من الذهب الخالص، ومنحته جامعة الدول العربية عام 2002 جائزة أوسكار الأغنية العربية عن عطائه الفني على مدى 50 عامًا، ومنحه لبنان شهادة تقدير في اليوبيل الذهبي لعطائه الفني. إلى ذلك تم تكريمه في مهرجان أبها السياحي، ومهرجان هلا فبراير بالكويت، ومهرجان حفلات الأندلس الكويتية، ومهرجان الأغنية لدول مجلس التعاون الخليجي، وغيرها. وفي عام 1983 غنى في قاعة «ألبرت هول» في لندن التي تعد من أكبر وأشهر مسارح العالم. أما في سنة 2003 فقد اصدر البريد اليمني طابعًا تذكاريًا يحمل صورته.

الذين تعاملوا معه أجمعوا على تحليه بمجموعة من الخصال الحميدة التي هي من صفات الفنانين الكبار مثل ثقافته الواسعة، وولعه بالشعر والأدب، وتواضعه، وبساطته، وحبه لكل الناس، وكرمه، ورقة إحساسه، ولطف معشره، والتزامه بفنه، وعفوية أدائه.

خصه الشاعر الكبير الدكتور غازي بن عبدالرحمن القصيبي رحمه الله بقصيدة من أبياتها:

أبا أصيل فديتك اللّحن توثقه

ما بين كفّيك أحيانا وتطلعه

لمّا شدوت بصوت الحب حركني

من عالم الحب شيء لا اصدقه

فالروح في لجة الأنغام ذاهلة

والقلب برعشة شوق يمزقه 

يشكوك عودك إذ بالوجد تحرقه 

حرقا وبالدمع دمع البين تغرقه