الصين وجنوب اليمن: كيف بدأت بكين علاقاتها الإستراتيجية مع الشرق الأوسط؟

جنوب اليمن
جنوب اليمن

في 30 نوفمبر 1967، قررت الحكومة الصينية اعترافها بالجمهورية الجديدة في جنوب اليمن[1]. وفي بادئ الأمر، استندت الصين على إبراز القوة الأيديولوجية في سياستها الخارجية إلى حد كبير، غير أنها ومع بداية عام 1972 اتبعت سياسة أكثر انفتاحًا على الغرب، وأكثر استقلالية عن الاتحاد السوفيتي، وقد تبنى الزعيم الصيني "دينغ شياو بينغ"، رؤية اقتصادية استراتيجية عرفت بالإصلاح والانفتاح، هدفت إلى استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية المخصصة للاستثمار. وتقوم فكرة "شياو" على اقتصاد السوق الاشتراكي ضمن مبدأ "الباب المفتوح"، وأن المشاركة الفاعلة في الاقتصاد العالمي تمثل الطريق الأمثل للازدهار والتنمية[2].

علاوةً على ذلك، ركزت الصين بشكل كبير على البعد الاقتصادي في الشرق الأوسط، ودعمت دول عربية عديدة من بينها اليمن الجنوبي. على سبيل المثال: ساعدت الحكومة الصينية في إنشاء مصنع الغزل والنسيج في عدن، حيث غطت طاقته الإنتاجية 15000 مغزلًا[3]. كما منحت قرضًا دون فوائد بقيمة 43.2 مليون دولار مع فترة سداد تصل إلى 20 عامًا، إلى جانب القرض السابق الذي منحت الصين بموجبه اليمن الجنوبي 9.6 مليون دولار بعد التوقيع معها على اتفاقية التعاون الاقتصادي والفني[4].

الحزام والطريق:

في سبتمبر 2013، أعلن الرئيس الصيني "شي جين بينغ" أثناء زيارة إلى كازاخستان عن خطة لتأسيس طريق حرير جديد يصل الصين بأوروبا، عرف بـ طريق واحد – حزام واحد. وتتراوح الاستثمارات المتوقعة بين 4 و8 تريليون دولار[5]. وتضم مبادرة "الحزام والطريق" الصينية مجموعة ضخمة من مشروعات البنية التحتية التي تمتد من آسيا إلى أوروبا، وتعكس المبادرة رؤية شاملة للسياسة الخارجية للصين. وعلى الرغم من تفاؤل بعض الدول وترحيبها بالمبادرة، غير أن دول غربية منها الولايات المتحدة وحلفائها مازالت تتوجس منها وتتعامل معها بريبة.

وقد قوبلت مبادرة "الحزام والطريق" بترحيب كبير واستجابة واسعة من جانب الدول العربية عمومًا، ودول الخليج خصوصًا، وبدأ العديد منها التخطيط بشكل إيجابي لمواءمة إستراتيجياتها وخططها التنموية الطموحة لتتناغم وتتوافق مع رؤى وأهداف وإستراتيجيات المبادرة. ومن ذلك رؤية "المملكة 2030" في السعودية، ورؤية "الكويت 2035"، و"رؤية الإمارات لإحياء طريق الحرير"، ورؤية "قطر الوطنية 2030"، ورؤية "عمان 2040"، كما تتوافق مشروعات البنية التحتية الإيرانية التي تربطها مع وسط آسيا مع المبادرة.[6]

وعلى الرغم من أنّ مشروع الحزام والطريق الصيني سيمر من مضائق جنوب اليمن الاستراتيجية في باب المندب، إلا إنّه لم يحدد حتى الآن ما إذا كان سيكون اليمن محطة رئيسية لهذا المشروع، خصوصا مع الظروف الاقتصادية التي يمر بها البلد، وتزايد اللاعبين الإقليميين فيه. في 2019 سبق ووقعت اليمن مذكرة تفاهم مع الصين في إبريل 2019 في هذا الصدد، نظرًا لأهمية موقعها الاستراتيجي، وخاصة جنوب اليمن. وهو الأمر الأمر الذي يكسب جنوب اليمن أهمية كبرى في مشروع ضخم كهذا إن تم، ويتطلب مد جسور وتفاهمات مع القوى السياسية والعسكرية التي تسيطر على هذه المواقع وتحميها بالدرجة الأولى.

في 2020  قال السفير الصيني لدى اليمن كانع يونغ إنّ "الحرب منعت مشاركة اليمن مع الصين في مبادرة الحزام والطريق." على الرغم من أنه كانت الآمال واعدة لأن يلعب اليمن دورا حيويا في هذا المشروع، نتيجة للدور التاريخي الذي لعبه جنوب اليمن وموانئه في السابق.

الموقف العسكري:

مع قول ذلك، مازالت هناك بعض المخاوف من الموقف الصيني رغم الوسطية والحيادية التي يظهرها، خاصة فيما يتعلق بسياسته في عدم نشر قوات عسكرية له في الخارج. على سبيل المثال: افتتح جيش التحرير الشعبي الصيني في 2017 أول قواعده العسكرية في جيبوتي عند مصب البحر الأحمر وقبالة السواحل اليمنية في خطوة أثارت جدلًا واسعًا، وفي واحد من أهم الممرات الاستراتيجية الرئيسية. وعلى الرغم من أن الهدف المعلن من افتتاحها هو تموين وإسناد القطع البحرية الصينية المشاركة في عمليات حفظ السلام والمهمات الانسانية[7]، إلا أن بعض الشكوك مازالت قائمة بشأن النشاط الصيني في البحر الأحمر وبحر العرب.

مما لا شك فيه، أن سياسات الصين تأثرت بشأن الأزمة اليمنية التي اندلعت منذ 2014 حتى الآن، بيد أن الصين معروفٌ عنها اتباع سياسة عدم التدخل، ومحاولتها بناء علاقات توازن استراتيجية مع جميع الأطراف، بما في ذلك دول التحالف العربي التي تدخلت في اليمن بطلب من حكومة هادي المعترف بها دوليًا، وبقية الأطراف المحلية الأخرى. وعلى الرغم من علاقة الصين القديمة والتاريخية مع اليمنين الشمالي والجنوبي، غير أن ما يهم بكين في الوقت الحالي؛ هو منطقة مستقرة تهيئ لها أرضية مناسبة لتعزيز تعاون اقتصادي مشترك تنفّذ من خلاله مشاريعها؛ وفي مقدمة ذلك مشروع "الحزام والطريق". 

هذا الأمر بالتأكيد يتطلب علاقة قوية مع الدول الإقليمية التي لديها تأثير مباشر على اليمن، مثل الرياض وأبوظبي وإيران وغيرها. فالصين يهمها حساباتها مع تلك الدول وكذلك حساباتها مع القوى المحلية المسيطرة على المنافذ الاستراتيجية المهمة لإنفاذ سياساتها الاقتصادية. علي سبيل المثال: لدى بكين علاقة جيدة مع المجلس الانتقالي الجنوبي وتعترف باتفاق الرياض الذي تم وفقًا له تشكيل حكومة مناصفة بين الشمال والجنوب. وقد التقى السفير الصيني قبل ذلك برئيس المجلس الانتقالي "عيدروس الزبيدي"، وبحثا معًا الدور الذي يتطلع إلى القيام به في مشروع "الطريق والحزام"، مع التأكيد على رؤية الانتقالي الجنوبي للنهوض بالبلاد واستغلال الفرص الاقتصادية والاستثمارية في الجنوب.[8]

في المحصّلة، تحتاج الصين إلى العمل مع دول التحالف العربي والأمم المتحدة على استراتيجية متعددة الأوجه للتخفيف من حدة الصراع في اليمن. كما تحتاج لبناء علاقات قوية مع مختلف الأطراف اليمنية التي لها تأثير سياسي وعسكري مباشر على الأرض، بما في ذلك ترتيب أولوياتها مع الفاعلين الجنوبيين. ومن المهم أن تدعم الصين مثلها مثل باقي الدول الكبرى تسوية سياسية في اليمن تشمل جميع أطراف الصراع بلا استثناء.

ينبغي القول، أنّ العمل على مثل هذه الأطر سيعزز من فرص السلام والأمن في جنوب شبه الجزيرة العربية، مما سيتيح في نهاية الأمر استئناف المشاريع الاقتصادية الصينية التي من الممكن أن تعود على المنطقة بالاستقرار والأمن.

المراجع:

[1] العلاقات الصينية – العربية بين الماضي والحاضر (2) (people.com.cn) 

 [2] اليمن على طريق الحرير | خيُوط (khuyut.com) 

[3] العلاقات اليمنية - الصينية.. 58 عامًا من العطاء والنجاح.. إلى الشراكة والبناء !! (mfa.gov.cn) 

[4] مصالح الصين النفطية والاقتصادية مع الخليج تتجاوز اليمن العالق في الحرب - مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية (sanaacenter.org) 

 [5] الـدور المحـوري للسعـوديـة مـع الصيـن في إحيـاء طريـق الحـريـر في ضوء رؤية 2030 (ekb.eg) 

 [6] دول الخليج ومبادرة "الحزام والطريق" الصينية (chinatoday.com.cn) 

[7] China formally opens first overseas military base in Djibouti | Reuters 

[8] تفاصيل لقاء الرئيس الزُبيدي مع السفير الصيني لدى اليمن (almashhadalaraby.com) 

[16] لقاء أجرته الكاتبة مع الصحفي المصري في وكالة شينخوا الصينية، ورئيس مركز التحرير للدراسات والبحوث، عماد الأزرق، لسوث24، بتاريخ 8 مارس 2022.