وزير دنماركي سابق يكشف عن جوانب جديدة حول الهجوم الروسي على أوكرانيا

متن نيوز

رغم النتائج الكارثية للحرب الروسية ضد أوكرانيا التي دخلت أسبوعها الرابع، يرى بعض المحللين والسياسيين أنه يمكن أن يكون لهذه الحرب جوانب إيجابية، إذا ما قادت إلى إعادة النظر في النظام العالمي القائم، وصياغة نظام جديد يكون أكثر قدرة على تحقيق الاستقرار والسلام.

 

ويقول يورجن أورسترويم وزير الدولة السابق في وزارة الخارجية الدنماركية في مقال نشرته مجلة ناشونال إنترست الأمريكية إن الهجوم الروسي على أوكرانيا يمثل دليلا جديدا على تحولات توازن القوى في العالم. فقبل عقد أو اثنين لم يكن  أحد يتخيل حدوث مثل هذا الهجوم، الذي حدث بالفعل، لكنه يتيح للغرب فرصة لتشكيل نظام عالمي جديد، بعد أن تم إهدار الفرصة الأولى في التسعينيات بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي، ثم الفرصة الثانية  في أعقاب هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2021 الإرهابية على نيويورك وواشنطن.

 

ويرى أورسترويم أن التحدي الذي يواجه الغرب حاليا هو تشكيل تحالف لوقف الهجوم الذي تقوده روسيا  على النظام العالمي القائم على القواعد والقانون الدولي. ويجب ألا يتم تصوير هذا التحالف على أنه محاولة غربية لتحقيق مصالحها الخاصة، وهو ما يمكن أن يتحقق في حالة واحدة فقط وهي اعتراف الغرب بوجود الكثير من الدول خارج محيطه  لديها قيم مختلفة.

 

وإذا كان الغرب يتوقع أن تتبنى باقي دول العالم قيمته، خلال فترة زمنية قصيرة جدا مقارنة بالتاريخ الإنساني، فهو واهم جدا. وعلى الغرب أن يتذكر عدد السنوات الكبير الذي احتاجه لكي يبني نظامه السياسي والاقتصادي الحالي.

 

 

ويقول أورسترويم مؤلف كتاب "تحولات آسيا: من العولمة إلى الإقليمية"  إن الجائزة الكبرى التي سيجنيها الغرب من صياغة نظام عالمي جديد ستكون  إبعاد الصين عن روسيا. فالصين لن تحقق أهدافها  في النمو الاقتصادي المرتفع والمستمر إذا ارتبطت بروسيا وليس بالغرب. والواقع يقول إن الصين لم تخرج الملايين من مواطنيها من دائرة الفقر إلا عندما لحقت بقطار العولمة الاقتصادية، مع اقتصاد سوق تحت السيطرة.

 

ومع ذلك فإن الصين ظلت بعيدة عن الغرب وقريبة من التحالف مع روسيا، وهو ما يبدو متعارضا مع المصالح الأساسية للصين.  فهل السبب في ذلك  هو السياسة الخارجية المستندة إلى القيم للولايات المتحدة؟.القيادة الصينية تنظر بالتأكيد إلى ذلك باعتباره تهديدا. في الوقت نفسه فإن الصين أدركت ما الذي أدى إلى تدمير الاتحاد السوفيتي وأنه لا يجب أن يحدث ذلك مع الصين. وإذا لم يدرك الغرب والولايات المتحدة بالتحديد هذه المخاوف الصينية، فلن يمكن تشكيل تحالف واسع، وستشعر النظم المستبدة في العالم بالارتياح.

 

 

وبعد انهيار الكتلة الشيوعية في تسعينيات القرن العشرين، هنأ الغرب نفسه بالانتصار على التحدي الشيوعي. ثم مضى أبعد من ذلك بتبني رؤية تقول إن الديمقراطية النيابية هي أفضل نظام سياسي ليس فقط للغرب وإنما للعالم أجمع. وبدأ الغرب يدعم القوى المؤيدة للديمقراطية في الدول الأخرى حتى لو كان ذلك ضد قوانين تلك الدول وعلى حساب الاستقرار الاجتماعي والسياسي فيها. ومن وجهة نظر الغرب كانت تلك التصرفات قانونية ومشروعة، في حين اعتبرتها الدول الأخرى تدخلا في شؤونها الداخلية. واندلع صدام حول المفاهيم، مما أدى إلى انقسام عالمي حول القيم السياسي وحقوق الإنسان، ينتظر لحظة الانفجار.

 

وبحسب أورسترويم فإن نتيجة هذا الصدام ظهرت، فعندما تم طرح الهجوم الروسي على أوكرانيا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في الثاني من مارس الحالي، وقف الغرب متحدا متصديا للهجوم على الديمقراطية، في حين لم يكن باقي دول العالم مهتما بنفس القدر بهذه القضية.

 

 واضطر الغرب إلى تخفيف لغة النص المطروح للتصويت أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة من "إدانة" العدوان الروسي على أوكرانيا إلى "الإعراب عن الأسف" لهذا العدوان. والأسوأ من ذلك أن 35 دولة تمثل حوالي 45% من إجمالي عدد سكان العالم  لم ترغب في دعم الديمقراطية ضد العدوان، أو في وقف العمل الأحادي  الذي تقوم به روسيا لإعادة ترسيم الحدود مع جارتها أوكرانيا باستخدام القوة.

 

لذلك لم يكن العداء الذي أثاره تركيز إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على حقوق الإنسان والمصالح الاستراتيجية لبلاده مفاجأة. فالعقبات التي تحول دون انتشار حقوق الإنسان، تتناسب عكسيا مع القوة والنفوذ العالميين  للولايات المتحدة، وهو ما ظهر في اتجاه الصين نحو التحالف مع روسيا وتردد الهند في دعم الموقف الغربي، ورفض ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان  اتصالا من الرئيس الأمريكي، في الوقت الذي أجرى فيه اتصالا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما يرفض الاستجابة لدعوات الغرب لزيادة إنتاج بلاده من النفط.

 

 ويختتم أورسترويم تحليله بالقول إن الخطر الحقيقي على الغرب هو اقتناعه بأسبقيته الدائمة وحقه في إلقاء المحاضرات على الآخرين بشان شكل المجتمع الذي يجب أن يتبنونه، وبالتحديد استنساخ النموذج الذي تبنته الولايات المتحدة وأوروبا. فإذا تصرف الغرب بطريقة نبيلة وحسن رعاية مصالح الدول الأخرى، فإن الهجوم الروسي على أوكرانيا يمكن أن يمثل قوة دفع للقيم الغربية. وأخيرا فإن قوة أوكرانيا في مواجهة العدوان الروسي، ستوجه رسالة تقول إن النموذج الأوكراني  يستند إلى قيم أقوى مما هو ظاهر على السطح، ويتضمن قيما  قادرة على البقاء والنجاح خارج حدود الغرب.