ما الجديد في مشاورات عمان حول اليمن؟

مشاورات عمان حول
مشاورات عمان حول اليمن

انتهى الأسبوع الأول من مشاورات الأمم المتحدة في العاصمة الأردنية عمان، الجمعة الماضي، لتطوير خطة جديدة ثلاثية المسارات للحل السلمي باليمن. حيث إجتمع المبعوث الأممي لليمن غروندبرغ مع قادة من حزب المؤتمر الشعبي العام، وممثلين عن أحزاب الناصري والاشتراكي والإصلاح.

أبرز النقاط الرئيسية التي أثيرت خلال الأسبوع الأول "الحاجة إلى معالجة المعاناة والتحديات المشتركة التي تواجه جميع اليمنيين، بما في ذلك الوضع الإنساني والظروف المعيشية الصعبة للمدنيين في جميع أنحاء البلاد والحاجة إلى التعامل مع الاقتصاد المتصدع"،1.

وأوضح غروندبرغ أن الهدف من مشاورات عمان هو جمع الأفكار والآراء والاقتراحات، بطريقة صادقة وصريحة، حول الأولويات العاجلة وطويلة الأمد للمسارات السياسية والأمنية والاقتصادية. وشدد على أهمية الانخراط بمشاورات مع مجموعات يمنية متعددة حتى يكون إطار العمل مُسترشِدًا بأصوات مختلفة. 

من جانبها طرحت القيادات مجموعة من القضايا فيما يتعلق بجدول أعمال وأولويات المسارات الاقتصادية والسياسية والأمنية والمبادئ الموجهة للعملية السياسية، وقضايا متعلقة بتصميم السلام.

وأشاروا إلى الحاجة لوقف إطلاق النار وضرورة العودة للمفاوضات بشكل عاجل واستئناف عملية السلام.

لكن هؤلاء القادة المقيمون في الخارج منذ بداية الحرب عام 2015 لم يبينوا من المعني بوقف إطلاق النار؟ "الجيش الوطني" الذي لم ولا يقاتل الحوثيين، أم المقاوميين للإعتداءات الحوثية كالقوات الجنوبية والقوات المشتركة في الساحل الغربي، أم طيران التحالف الذي يستهدف البنية التحتية العسكرية للإنقلابيين الحوثيين؟ أم الحوثيين الذين يسيطرون على الشمال ويهددون الجنوب ودول التحالف. إذ تزامنت مشاورات عمان مع تصعيد حوثي مستمر،حيث تبنت المليشيات الانقلابية هجمات إرهابية جديدة باتجاه السعودية في استخفاف ونسف لكل الجهود الأممية للسلام...بالتزامن مع اعتداءات حوثية في جبهة الضالع الجنوبية.

ومن المقرر أن يلتقي المبعوث الأممي إلى اليمن، في الأسبوع المقبل ممثلين عن المجلس الانتقالي الجنوبي ومؤتمر حضرموت الجامع وحزب المؤتمر الشعبي العام، وخبراء أمنيين واقتصاديين وممثلين عن المجتمع المدني. 

قبل ذلك وفي إحاطته أمام مجلس الأمن 16 فبراير 2022م، أشار هانس غروندبرغ إلى أنه "يعمل الآن على تطوير إطار عمل سيحدد خطته للمضي قدما نحو تسوية سياسية شاملة"، لافتا إلى أن "خطته تشكل إنشاء عملية متعددة المسارات يمكن من خلالها معالجة مصالح الأطراف المتحاربة في سياق أجندة يمنية أوسع، على طول المسارات الثلاثة للقضايا السياسية والأمنية والاقتصادية".2

وقال إنه سيسعى من خلال هذه المشاورات إلى استكشاف أولويات اليمنيين الفورية والطويلة المدى للمسارات السياسية والامنية، والاقتصادية، وتطلعاتهم ورؤيتهم لإنهاء الصراع.3

لمحة عن مبادرات سابقة:

خلال 2021 قدمت الأمم المتحدة، الولايات المتحدة، والسعودية، باختلاف بياناتها مبادرات من أربعة عناصر:-

- وقف إطلاق النار: يعني وقفًا لإطلاق النار في جميع جبهات القِتال بما في ذلك وقف الغارات الجوية ضد الحوثيين، ووقف العمليات العسكرية التي ينفذها الحوثيون في محافظة مأرب.

- إعادة فتح مطار صنعاء الدولي: على أن تكون باتجاه وجهات محددة يستثني منها إيران ولبنان.

- استيراد المشتقات النفطية عبر ميناء الحديدة: بما يضمن الالتزام بما جاء في اتفاق ستوكهولم بإيداع إيرادات الجمارك من الميناء في حساب مصرفي مشترك بالبنك المركزي لتسليم رواتب الموظفين.

- بدء مشاورات للتوصل إلى اتفاق سلام: مشاورات دون شروط مسبقة بين جماعة الحوثي والحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا.

رفض الحوثيون تلك المبادرة، واشترطوا ترتيب مختلف يبدأ بإعادة فتح مطار صنعاء وفتح ميناء الحديدة، ثم ترتيب وقف إطلاق النار الذي يبدأ بوقف الغارات الجوية، ثم وقف الهجمات عبر الحدود السعودية، يعقبه وقف إطلاق النار في الجبهات الداخلية.4

 

ما الجديد في مشروع المبعوث غروندبرغ؟:

يبدو أن "غروندبرغ" يبني رؤيته للحل من خلال تجاوزما تسمى "المرجعيات الثلاث" بما فيها القرا ر2016، وعدم حكر المفاوضات بين الطرفين الرئيسيين جماعة الحوثي المسلحة والحكومة الشرعية. وقال "لن أدخر جهدًا في محاولة الجمع بين الفاعلين عبر خطوط النزاع وإشراك اليمنيين من جميع وجهات النظر السياسية والمكونات المجتمعية ومن كل أنحاء البلاد".

لاعب شمالي جديد:

شجع ذلك قوات "طارق صالح" نجل شقيق الرئيس اليمني السابق، على تسلّم إدارة مديريتي "موزع" و"الوزاعية" غربي محافظة تعز، من قوات القائد العسكري الجنوبي "هيثم قاسم"، في سبتمبر/أيلول 2021م. على الرغم من أن ذلك قد يشعل صراعًا محتملًا بينه وبين قوات محور تعز الموالي للشرعية وخاصة جناحها الموالي لحزب الإصلاح. 

كان "طارق صالح" قد أعلن في مارس/أذار 2021 عن مكتب سياسي للمقاومة الوطنية التي يترأسها وأسسها بدعم وتمويل من أبوظبي في 2018 بعد أن بدل ولائه من الحوثيين إلى التحالف العربي، عقب مقتل عمه  الرئيس السابق "علي عبدالله صالح". وسيقدم "طارق صالح" نفسه بصفته يسيطر على منطقة واسعة تشمل عدة مديريات من الحديدة وتعز بما يشمل ميناء المخا الاستراتيجي الذي يدير منه عملياته العسكرية.

المقاومة الوطنية: هي القوة التي يقودها "طارق صالح" وهي جزء من "القوات المشتركة" وعلى رأسها قوات العمالقة الجنوبية. ومعظم أفراد "المقاومة الوطنية" وعددهم أكثر من خمسة آلاف، هم من الجنود السابقين- في "الحرس الجمهوري" والقوات الخاصة التي كانت موالية لعمه "علي عبدالله صالح"- ورجال القبائل الذين تم تجنيدهم من المحافظات الشمالية. وأُعلن عن مكتب سياسي يمثلها في مارس/آذار 2021م، وينشط "عمار صالح" المسؤول في جهاز المخابرات اليمني السابق من أجل الترويج لشقيقه وكسب أنصار أكثر من المؤتمر الشعبي العام.

 

"طارق صالح" بدأ بالفعل ممارسة ما يشبه "الحُكم والسلطة" في مناطق تابعة لـ "الحديدة" و"تعز"، ويريد ممثلين خاصين بمكونه الجديد لكنه يواجه تحديين رئيسيين:

الأول، أن المكتب لا يمثل القوات المشتركة التي تتضمن اضافة إلى القوات الجنوبية ألوية "المقاومة التهامية" والتي تقدم نفسها حاملة لمطالب "تهامة" والحديدة على وجه التحديد مناطق غربي اليمن ما قد يدفع لزيادة التوتر -الموجود بالفعل- بينه وبين تلك الألوية وسيصعب عليه تطويعها.

التحدي الثاني، الجيش والسلطة المحلية في تعزيعتبرون سيطرة "طارق صالح" على "الوازعية" و"موزع" يحمل أجنّدة مشبوهة[5].

 

الخلاصة والتوصيات:

1-          يظل المجلس الانتقالي الجنوبي هو القوة المناهضة للحوثيين ولمشاريع تنظيم الإخوان التخريبية ضد الجنوب وضد التحالف. ويشكل تحرك المجلس نحو شبوة ووادي حضرموت ومن ثم المهرة بدعم شعبي كبير تعزيزا لموقفه التفاوضي وتحركه السياسي والدبلوماسي. وإذا ما تجاهل "غروندبرغ" هذا المجلس فإن أي اتفاق لاحق لن يؤدي إلى سلام مستدام.

2-          تبدو سلطة الشرعية المقيمة في الخارج منذ بداية الحرب الحاصد الأكبر للفشل والفساد والخاسرالأكبرعلى الأرض وتقل قيمتها في أي اتفاق مستقبلي لصالح ميلشيات الحوثي وجماعة الإخوان التي تتوسع أكثر على حسابها. 

 المبعوث الدولي مخدوع بالمعلومات التي قدمتها له الشرعيه اليمنية والتي تبلورت باللقاء الاخير في الاردن على طريقة الحوار الوطني اليمني، الذي اختفى من العملية السياسية منذ توقيع الرئس هادي اتفاق السلم والشراكة مع الحوثي.

الشرعيه تعتقد ان عودة الاحزاب السياسية التي شاركت في صناعة المرجعيات الثلاث قبل الحرب كفيلة بعودتها للواجهة السياسية من خلال جلسة شاي مع المبعوث الدولي.   

3-          من الأهمية بمكان إيجاد حلول سريعة لانهيار الاقتصاد اليمني، وغلاء المعيشة، ومعالجة الإحباطات التي يعاني منها اليمنيون قبل إيجاد حلّ شامل.

4-          على الرياض أن تدرك أن حدودها مهددة مع وجود ميلشيات الحوثي التي تجكم مساحة واسعة في الجوار، ناهيك عن جناح الإخوان في سلطة الشرعية الذي يتخاذل ويتماهى مع الحوثيين، وأنها لن تكون في مأمن مالم ينكسر المشروع الإيراني في الشمال وأن الحوثيين لن يذهبوا لسلام شامل مالم يكن هناك ضغط عسكري يجبرهم على ذلك، وهذا يجعل السعودية أمام مسئولية دعم حلفائها على الأرض قبل أي اتفاق، بل مسئولة عن إيجاد حلول عاجلة واسعافية للأوضاع المعيشية والخدمية في المناطق المحررة الجنوب

5-          التسريع من وتيرة تنفيذ اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي 

6-          التسريع من ويترة الاتفاق بين المجتمع الدولي وإيران من جهة، وأيضا بين السعودية وإيران خاصة وأن طهران استخدمت الحوثيين ورقة من أوراقها في المفاوضات، وهو ما جعل واشنطن تعتبر اليمن هدية لتشجيع إيران على الاندماج في مفاوضات الاتفاق النووي بعد رفع الحوثيين من قوائم الإرهاب دون أي مقابل أو فرض شروط أو التزامات عليهم قبل ذلك لتحقيق سلام شامل في المنطقة.

7-          عند تقديم أي مبادرة حل للصراع في اليمن، على المجتمع الدولي والأمم المتحدة والولايات المتحدة فهم ما يعنيه وجود دولة يقودها الحوثيون على الحافة الجنوبية لشبه الجزيرة العربية وقرب مضيق باب المندب يتزايد فيها نشاطات الجماعات المسلحة والإرهابية.

8-          فتح حوار جدي مع السعودية والإمارات لمعرفة حدود طموحهما في اليمن، وتضمين مصالحهما ومصالح الخليج في اي اتفاقيات قادمة لضمان الحصول على تأييدها لاتفاق سلام من خلال ضغطها على أطراف الحرب التي ترعاها وأطراف سياسية أخرى تدعمها. 

9-          على الحوثيين إدراك أن هذه الحرب وتداعياتها السياسية والإقتصادية والإنسانية على اليمن والمنطقة، بسبب خياراتهم المسلحة في السيطرة على السلطة وفرض واقع على الأرض باستخدام القوة والعنف، ولذلك لن تنتهي هذه الحرب إلا بتراجعهم عن تلك الخيارات الدموية والقبول بالخيارات السياسية وفي مقدمتها حل عودة الدولتين السابقتين ما قبل 22مايو 1990م.

 

المصادر:

1-         العين الإخبارية 11 مارس 2022م

2-         أخبار الأمم المتحدة 16 فبراير 2022

3-         يمن فيوتشر19 فبراير 2022

4-         مركز أبعاد للدراسات والبحوث 12 اكتوبر 2021

5-         ناطق محور تعز لـ”يمن مونيتور”: أجندة مشبوهة وراء تسلّم قوات “طارق صالح” منطقتين غربي المدينة (يمن مونيتور) تاريخ النشر 29/9/2021