خلافات كردية: أبعاد تعثر انتخاب رئيس الجمهورية في العراق

مقتدى الصدر
مقتدى الصدر

أعلن مقتدى الصدر زعيم الكتلة الصدرية تجميد مفاوضات تشكيل الحكومة المقبلة، بالإضافة إلى مطالبة أعضاء ونواب كتلته بمقاطعة جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، إذ نشر تغريدة على حسابه على تويتر، مساء 4 فبراير قال فيها "إذا لم يكن مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني الحليف لرئاسة الجمهورية، مستوفيًا للشروط، فأدعو نواب الإصلاح لعدم التصويت له"، في إشارة ضمنية إلى مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني، هوشيار زيباري، المتهم في قضايا فساد. وجاء هذا التطور بالتزامن مع إصدار المحكمة الاتحادية العليا عدة قرارات ذات تأثير مباشر على جهود تشكيل الحكومة. 

تأجيل انتخاب الرئيس:

شهد العراق تطورات، سياسية وقضائية، تتعلق بانتخاب رئيس الدولة وكذلك تحديد الكتلة ذات الأغلبية، والتي يمكن توضيحها على النحو التالي: 

1- مقاطعة الصدر جلسة انتخاب الرئيس: أعلن التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر تعليق مفاوضات تشكيل الحكومة وعدم حضور جلسة البرلمان المقررة في 7 فبراير 2022 المخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية، وهي الخطوة التي يمكن تفسيرها بالرجوع لما يلي:

‌أ- الحفاظ على التماسك الكردي: يرفض الصدر دعم مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني، ممثلًا في السيد هوشيار زيباري في مواجهة برهم صالح، الرئيس العراقي الحالي ومرشح الاتحاد الوطني الكردستاني، وذلك على اعتبار أنه غير معني بمن يتم انتخابه رئيسًا للجمهورية، إذ إن هذا الأمر يجب أن يخضع للتوافق الكردي الداخلي، أي أن يتم تسويته بين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني.

‌ب- إتاحة الوقت للتوصل لتسوية: يسعى الصدر من خلال مقاطعته الجلسة إلى توفير الوقت اللازم للحزبين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني للتوافق على مرشح تسوية بينهما، وقطع الطريق أمام الإطار التنسيقي للعب على التناقضات بين الأكراد لعرقلة جهود الصدر لتشكيل حكومة أغلبية، خاصة أن إيقاف المحكمة الاتحادية العليا في 6 فبراير الجاري، إجراءات ترشيح هوشيار زيباري لمنصب رئيس الجمهورية، إلى حين البت في الدعوى المرفوعة ضده، جاء بناء على دعوى تقدم بها خمسة نواب عن تحالف الإطار التنسيقي والاتحاد الوطني الكردستاني. 

ويدرك الصدر جيدًا أهمية استيعاب الاتحاد الوطني الكردستاني لتوفير النصاب القانوني اللازم لانعقاد جلسة انتخاب رئيس الدولة، والمقدرة بأغلبية الثلثين، أي حوالي 220 مقعد. كما أنه من ناحية أخرى، يرغب الصدر في استيعاب الحزبين الكرديين، نظرًا لوجود اختلاف بينهما في الرؤى، خاصة فيما يتعلق بإدارة ملف العلاقة مع بغداد، ففي حين أن الحزب الديمقراطي سعى لدعم قرار انفصال إقليم كردستان عن العراق في الماضي، فإن مواقف الاتحاد الوطني العملية صبت لصالح البقاء في إطار الدولة العراقية. 

2- قرار المحكمة الاتحادية بتعليق انتخاب زيباري: قررت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، في 6 فبراير، إيقاف إجراءات ترشح، هوشيار زيباري، من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني، لمنصب رئيس جمهورية العراق "مؤقتًا" لحين حسم الدعوى الصادرة ضده، والتي تتهمه بالتورط في قضايا فساد مالي وإداري. 

ويلاحظ أن هذا التعطيل من جانب المحكمة سوف يصب في صالح توصل الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي على مرشح تسوية، أو حتى سحب ترشيح هوشيار زيباري، والاتفاق على خليفة له. 

3- تحديد النصاب القانوني لانتخاب الرئيس: أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في مطلع فبراير قرارًا أكدت فيه اشتراط تحقق أغلبية الثلثين من أعضاء مجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية القادم، كما أكدت أن النصاب يتحقق بحضور ثلثي مجموع عدد أعضاء مجلس النواب الكلي، أي حوالي 220 عضوًا. 

4- حسم الجدل حول الكتلة الأكبر: ردت المحكمة الاتحادية في 3 فبراير الجاري، الدعوى المقامة بشأن مزاعم الإطار التنسيقي بأنه يمثل الكتلة الأكبر في البرلمان العراقي، والتي قدمها نائبان وهما عالية نصيف وعطوان السيد حسن، عن ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.

وأكدت المحكمة في حكمها أنه لا يوجد ما يمنع من أن تقدم قائمة الكتلة الأكثر عددًا في أي جلسة لمجلس النواب، حتى وإن كانت بعد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية لأنها خاضعة للتغيير حسب التحالفات بين الأحزاب والقوائم لحين الإعلان عن هذه الكتلة بشكل رسمي من قبل رئاسة مجلس النواب ورفعها إلى رئاسة الجمهورية، وهو بذلك يرفض ادعاء التنسيقي بأنه كان الكتلة الأكبر عددًا في جلسة انتخاب رئيس البرلمان التي انعقدت في 9 يناير 2022. 

الانعكاسات المحتملة:

تحمل التطورات سالفة الذكر الكثير من الأبعاد والانعكاسات على ملامح المشهد السياسي العراقي خلال الفترة القادمة، وهو ما يمكن إيجازه في التالي:

1- تأخير تشكيل الحكومة: تم تأجيل جلسة انتخاب رئيس للجمهورية إلى إشعار آخر بعد تعذر اكتمال النصاب خلال جلسة المجلس النواب إثر سلسلة المقاطعة التي أعلنتها مسبقًا الكتل السياسية وأبرزها الكتلة الصدرية وائتلاف السيادة بزعامة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، والحزب الديمقراطي الكردستاني، حيث حضر فقط 58 نائبًا من أصل 329 نائب.

وعلى الرغم من أن النص الدستوري حدد مهلة الثلاثين يومًا لانتخاب الرئيس، فإنه يمكن الالتفاف على هذه المادة من خلال اعتبار الجلسة مفتوحة لفترة طويلة، وليس فقط إرجاء الجلسة. وفي كلا الحالتين تستمر حكومة الكاظمي لتسيير الأعمال خلال الفترة القادمة، ولحين الاتفاق على رئيس جديد. وبطبيعة الحال، فإن تأخر حسم رئيس الدولة سوف ينعكس على تأخر تسمية رئيس الوزراء، وتشكيل حكومة جديدة. 

2- محاولة تفكيك التحالف الثلاثي: طالب رئيس تحالف قوى الدولة الوطنية، عمار الحكيم، القوى السياسية الكردية والسنية بتحمل مسؤوليتها وعدم تقوية طرفًا شيعيًا على آخر، في إشارة إلى دعم مقتدى الصدر في مواجهة الإطار التنسيقي. 

ولاشك أن التنسيقي سوف يسعى لإثارة الانقسامات بين الصدر من جانب، والحزب الديمقراطي الكردستاني من جانب آخر، غير أن قدرته في هذا الإطار سوف تكون محدودة، خاصة أن إيران تدعم مرشح الاتحاد الوطني الكردستاني، وليس الحزب الديمقراطي، كما أن المالكي لا يعد مرفوضًا فقط من قبل التيار الصدري، ولكن كذلك من الديمقراطي الكردستاني بسبب اتجاه المالكي للانقلاب على الاتفاقات كافة التي كان قد أبرمها مع الأكراد، حين تولى رئاسة الوزراء في العراق. 

كما خرج زيباري ليؤكد في 4 فبراير أن التحالف الكردي مع التيار الصدري وتحالف السيادة "قوي ومتماسك"، قاطعًا الشك باليقين.

3- غياب الثلث المعطل: يتطلب انتخاب رئيس الجمهورية حضور 220 نائبًا من البرلمان، على أن يتم انتخابه بأغلبية الثلثين. وسعى الإطار التنسيقي خلال الفترة الماضية للترويج إلى أنه يمتلك الثلث المعطل (ثلث أعضاء مجلس النواب+1)، أي أنه يمتلك القدرة على إعاقة انتخاب رئيس الدولة، ومن ثم يستطيع فرض نفسه على الحكومة الجديدة، ويمنع الصدر من تشكيل حكومة أغلبية تستبعد المالكي. 

وفي حقيقة الأمر، فإن ادعاء التنسيقي بامتلاك الثلث المعطل لا تبدو واقعية، إذ إن التحالف الثلاثي (الصدر وائتلاف السيادة والحزبين الكرديين) قد تمكنا من التصويت لصالح اختيار محمد الحلبوسي لرئاسة البرلمان العراقي بحوالي 200 مقعد في 9 يناير، وهو ما يقل عن أغلبية الثلثين بحوالي 20 مقعدًا فقط.

كما أن المزاعم السابقة للتنسيقي بأنه يمتلك أغلبية تقدر بحوالي 88 نائبًا في 9 يناير الماضي تقل كثيرًا عن الثلث المعطل، والمقدر بحوالي 110 مقاعد، كما أنه من جهة ثانية، فإنه على الرغم من مقاطعة أغلب القوى السياسية لجلسة انتخاب الرئيس، فإن الجلسة شهدت حضور حوالي 58 نائبًا أغلبهم من المستقلين، وهو مؤشر إضافي أن التنسيقي لا يحتفظ بالثلث المعطل. 

وفي الختام، يمكن القول إن الصدر اتجه لتعطيل جلسة انتخاب الرئيس العراقي حتى يفتح المجال أمام القوى الكردية لتسوية خلافاتها، والاتفاق على مرشح تسوية لهما. وعلى الرغم من زعم التنسيقي أنه يمتلك الثلث المعطل، فإن كافة المؤشرات المتوفرة تفند هذه الفرضية. ومن المرجح أن تسعى إيران لاستغلال تعثر انتخاب الرئيس من أجل تكثيف ضغوطها على الصدر لاستيعاب كافة القوى المنضوية تحت الإطار التنسيقي.  

 

*مركز المستقبل للدراسات المتقدمة