الشرط الاقتصادي: آليات تحجيم "عدوى" الانقلابات العسكرية في إفريقيا

انقلاب بوركينا فاسو
انقلاب بوركينا فاسو

يبدو أن إفريقيا على موعد مع عقد ضائع جديد للتنمية، حيث شهد ما يقرب من 20٪ من بلدانها انقلابات عسكرية منذ عام 2013. وبالتالي فإن القارة معرضة لخطر العودة إلى الحقبة السيئة للحكم العسكري التي تُعيد إلى الذاكرة أعراض متلازمة الرجل القوي. لذلك فإن الموجة الأخيرة من الانقلابات في إفريقيا هي حقًا تبعث على التفكير التشاؤمي وتؤدي إلى تراجع سردية الصعود الأفريقي. 

على مدى العامين الماضيين، وقعت انقلابات في مالي (مرتين) وتشاد وغينيا والسودان وبوركينا فاسو ومحاولة انقلاب دموية فاشلة في غينيا بيساو. ومن بين نحو 200 محاولة انقلابية منذ الستينيات كان نصفها ناجحًا، تبدو بوركينا فاسو الأكثر من حيث عدد الانقلابات الناجحة، حيث شهدت ثمانية انقلابات ومحاولة انقلابية واحدة فاشلة. 

ويرى كثير من الكتاب أن هذه الانقلابات مُدمرة، حيث ساهمت في عدم الاستقرار والفساد وانتهاكات حقوق الإنسان والإفلات من العقاب والفقر وغيرها من الملامح التي ميزت العديد من البلدان الأفريقية خلال هذه الفترة. وما يزيد الأمر سوءًا أن الانقلابات معدية، فالانقلاب الناجح يزيد بشكل كبير من احتمالية حدوث انقلابات لاحقة، سواء في البلد نفسه أو في محيطه الإقليمي.

ولعل السؤال الذي يتردد كثيرًا الآن هو على من تدور الدائرة ويكون التالي في هذه الحلقة المفرغة من الانقلابات العسكرية؟ هذا هو السؤال الذي يجعل الحكام الأفارقة يرتجفون من شدة الخوف على عروشهم.   إذا كان الانقلابيون الذين يرتدون الزي العسكري يبررون استيلائهم على السلطة لأسباب تتعلق بالفساد وغياب الحكم الرشيد، فإن عودتهم غير الدستورية إلى الميدان السياسي تُظهر أن العقوبات ورد الفعل الدولي ليس لهما تأثير رادع، وأن المبادئ الديمقراطية آخذة في التدهور في هذا المجال. 

في باماكو، سلط العقيد عاصمي غويتا الضوء على انهيار النظام القائم لتبرير الإطاحة بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا. أما في كوناكري، عاصمة غينيا، فقد أطاح العقيد مامادي دومبويا بألفا كوندي بعد أقل من عام من إعادة انتخابه لولاية ثالثة متنازع عليها بشدة؛ وفي واغادوغو، استطاع المقدم بول هنري داميبا الاعتماد على العجز الواضح لحكومة الرئيس روش مارك كريستيان كابوري في مواجهة الجماعات الجهادية العنيفة لتبرير انقلابه الذي حظي بدعم الجماهير. 

ويبدو أن انقلاب بوركينا فاسو أول انقلاب في إفريقيا يرتبط مباشرة بتصاعد الهجمات الإرهابية لداعش. فلم يثق جيش بوركينا فاسو أبدًا بقدرة وكفاءة الحكومة المدنية المنتخبة، وقد أسهمت المجزرة التي وقعت في 14 نوفمبر2021 في إيناتا شمال البلاد، وراح ضحيتها نحو 49 من رجال الدرك على يد الجماعات الإرهابية، في زيادة الفجوة القائمة بين الجيش والسلطة المدنية الحاكمة، لا سيما أن رجال الدرك قد حُرموا من المؤن والعتاد لمدة أسبوعين. 

أولًا: أسباب عودة النمط الانقلابي

كيف يمكن فهم عودة صعود الحكومات العسكرية وسقوط أنظمة سياسية منتخبة؟ هذا هو أول ما يتطلب الاهتمام وممارسة العصف الذهني؛ فالأنظمة السياسية القائمة انهارت فجأة! ويبدو أن الدعم الشعبي الذي تحظى به هذه الأنظمة كان سطحيًا واستسلم بعض الرؤساء بسهولة وقدموا استقالات مكتوبة. ومن الصعب تمييز القوانين والأطر العامة التي تحكم هذه االظاهرة الانقلابية، فالبلدان المعنية مختلفة في الحجم والثروة ومستوى التنمية والتحديث والبنية السياسية. فقد عانت السودان، التي حكمها الإخوان المسلمون ثلاثة عقود، وغينيا التي شهدت انتقالًا ديمقراطيًا حقيقيًا منذ استقلالها تحت قيادة ألفا كوندي، من نفس المصير. وخضعت بوركينا فاسو، بحياتها السياسية البطيئة، ومالي بحياتها السياسية الصاخبة، لنفس التطور. وتشترك السودان ومالي في وجود مجموعات عرقية كبيرة لديها مطالب انفصالية؛ بيد أن الجيش في الحالتين يقدم نفسه كأداة للوحدة.

وعلى الرغم من ذلك، يمكن اكتشاف اتجاهات مشتركة تحت تنوع المواقف الانقلابية. فإن معارضة المجتمعات المهمشة للطبقات الحضرية التي استفادت من نماذج التنمية المشوهة في مرحلة ما بعد الاستقلال، وصراع النخب السياسية وعملائهم تجسد المظالم نفسها، إلى جانب الطغيان والانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان والفضائح والفساد، تبرر جميعها تدخل العسكريين من أجل الاستيلاء على السلطة. ومن المرجح أن ضعف التقيد بتقاليد المؤسسات السياسية يجعل الضباط بعد ذلك طبقة سياسية انتقالية من أجل تغيير الوضع القائم. ويمكن فهم عودة النمط الانقلابي في إفريقيا من خلال الإشارة إلى العوامل التالية:

1. تدهور الوضع الأمني: تتسم الانقلابات التي شهدتها غرب إفريقيا، لا سيما في بلدان الساحل، بوجود قاسم مشترك، وهو غياب الأمن وتصاعد مد الجماعات الإرهابية العنيفة. في شمال مالي، وسعت الجماعات الجهادية وجودها باتجاه المركز في السنوات الأخيرة، فيما يُسمى بمنطقة "المثلث الحدودي" الذي يضم مالي وبوركينا فاسو والنيجر. وقد تركزت الهجمات على المؤسسات الأمنية والعسكرية، ولكنها شملت أيضًا أهدافًا وأعيانًا مدنية. 

منذ عام 2015 واجهت بوركينا فاسو هجمات إرهابية من قبل جماعات متطرفة مثل "داعش" و"القاعدة"، أودت بحياة العديد من الضحايا وشردت أكثر من 1.5 مليون شخصا. منذ ذلك الحين، تدهور الوضع الأمني بشكل حاد، ولعل ذلك يمثل مبررًا قويًا لتدخل العسكريين من أجل الإطاحة بنظام مدني عاجز.

في النسخة السابعة من منتدى داكار الدولي حول السلام والأمن في إفريقيا، الذي عقد في ديسمبر 2021، أرجع رئيس النيجر، محمد بازوم، الوضع الفوضوي في منطقة الساحل إلى صعود الجماعات الإرهابية على خلفية الأزمة في ليبيا. ومن المرجح أن عدم قدرة الدولة على التعامل مع الجماعات الإرهابية، وسوء الحكم من أبرز الأسباب التي تفسر عودة النمط الانقلابي في إفريقيا.

2. فشل النموذج الغربي: من الواضح أن المشروطية الغربية قد أفرغت الديمقراطية الأفريقية من جوهرها، فعلى سبيل المثال، ربطت فرنسا مساعدتها والضمانات التي تقدمها الدول المانحة لصالح الدول الفرنكفونية بعملية الانتقال الديمقراطي. ويبدو أن عودة الانقلابات في إفريقيا تكشف فشل سياسة المشروطية تلك، فالديمقراطية ليست "وصفة" جاهزة تُطبق على الجميع، ثمة سياق ثقافي واجتماعي مختلف في البلدان الأفريقية. 

وفي المقابل، يبدو الجيش هو القوة الوحيدة المتاحة لتلبية المطالب الأفريقية من أجل التغيير والدفاع عن سيادة الدولة واستقلالها. غير أن هذه المؤسسة العسكرية تجد نفسها مُستنزفة في وظائف سياسية قد لا تكون مؤهلة لأدائها. وفي الوقت الذي تعمل فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون على توجيه مواردهم لتحقيق الهيمنة الدولية في ظل أجواء تُنذر بحقبة جديدة من سياسات الحرب الباردة، نجد أن الأفارقة يتجهون شرقًا صوب الصين أو حتى روسيا. ولعل التلاحم الشعبي مع القادة العسكريين في مالي ضد رفض الهيمة الفرنسية مثال واضح في هذا الصدد، ففي أعقاب القرارات الثورية للمجلس العسكري الانتقالي في باماكو بطرد السفير الفرنسي ومطالبة الدنمارك سحب قواتها المنتمية إلى فرقة العمل الأوروبية في مالي، خرج آلاف الشباب إلى شوارع باماكو وهم يلوحون بالأعلام الروسية ومنددين في الوقت نفسه بما اعتبروه سياسات استعمارية فرنسية.

3. الجيش باعتباره "حامي الأمة": في نهاية عام 2010، اندلعت الاحتجاجات الشعبية في بلدان الشمال الأفريقي، وانتفضت شعوب المنطقة ضد أنظمة سياسية فاسدة، واقتصاد على وشك الانهيار. غير أن النخب الحاكمة تحركت في الاتجاه الخاطئ، فعوضًا عن تحقيق التنمية المستدامة في مرحلة ما بعد الاستقلال، نجدهم يرسون دعائم نظام أبوي، يقوم على شبكات الزبائنية السياسية والممارسات الفاسدة. ومن الواضح أن السياق العام متشابه إلى حد كبير في منطقة الساحل ومعظم بلدان إفريقيا.  الشباب عاطلون عن العمل مع تنامي معدلات الفقر والإرهاب والتهميش السياسي والاجتماعي. وبينما كانت المجتمعات المدنية في قلب الانتفاضات السلمية في الشمال الأفريقي، نجد أن الجيش في بلدان الساحل وإفريقيا جنوب الصحراء عموما هو الذي يتولى زمام الأمور في قيادة عملية التغيير.

 ففي مالي، على سبيل المثال، عندما سئم السكان من النظام السياسي، الذي جاء أحيانًا بتفويض شعبي، فإن الجيش هو الذي يتدخل نيابة عنهم. بطريقة ما، يعمل الجيش بموجب تفويض غير رسمي يمنحه غالبية السكان. وبالتالي، فإن هذه الانقلابات، في نظر غالبية السكان، كما تعكسه الاحتفالات العارمة المرحبة بالتغيير، بعيدة كل البعد عن كونها فاقدة للشرعية الواقعية. على العكس من ذلك، إنها بمنزلة استجابة للمآزق من خلال إحداث اختراق لحالة الانسداد السياسي. علاوة على ذلك، فإن دور الجيش مركزي في هذه البلدان. ففي كثير من الأحيان يحافظ الجيش على الوحدة الوطنية ويجسد التوازن بين الجماعات العرقية.

ثانيًا: جدلية الانقلاب الديمقراطي والانقلاب الدستوري

على الرغم من اعتبار الانقلاب العسكري وفقًا للمواثيق الأفريقية والدولية تغييرًا غير دستوري للنظام الحاكم في الدولة، فإن الوضع ليس بهذه السهولة من حيث التعريف، ففي حالات سيطرة العسكريين الأخيرة على السلطة في إفريقيا يحاول الرجال الأقوياء الجدد تسمية الواقع بشكل مختلف. 

ففي زيمبابوي عام 2017 خرج قائد الانقلاب الذي وضع حدًا لحكم روبرت موجابي ليعلن للجماهير أن الجيش لم يستول على السلطة، وفي غينيا، نشر رجل غينيا القوي الجديد، العقيد مامادي دومبويا بيانًا يقول فيه "إن ما نقوم به اليوم ليس انقلابًا وإنما هو عمل تأسيسي لتهيئة الظروف لبناء دولة، بتعبير أدق "سيادة القانون". وتم استخدام التكتيك نفسه أيضًا في مالي، حيث برر رئيس اللجنة القانونية في المجلس الوطني الانتقالي، سليمان دي، العفو الممنوح للانقلابيين بعدم وجود شبهة انقلاب، حيث لم يُعلق الدستور، وانما استقال الرئيس بشكل طوعي. 

وعلى الرغم أن الانقلاب العسكري يشمل كل المحاولات غير القانونية والعلنية من قبل الجيش أو النخب الأخرى داخل جهاز الدولة لإسقاط السلطة التنفيذية الحالية بشكل غير دستوري، فإن الوضع ليس بهذه البساطة، وقد تحدث البعض عن أنماط جديدة لتدخل العسكريين لتصحيح المسار ووضع البلاد على طريق التحول الديمقراطي، وهو ما يبرر التمييز بين الانقلاب الجيد والانقلاب الرديء.

- الانقلاب الديمقراطي: لقد تم الترويج للانقلابات الديمقراطية كخيار سياسي من قبل الاقتصادي البارز بول كوليير، الذي أشار إلى أن هناك قوة واحدة فقط موثوق بها في مواجهة السلطة الديكتاتورية: إنها "جيش الأمة". ولعل ذلك يوضح الطبيعة المعقدة للانقلابات وعلاقتها بالدمقرطة. 

تتميز الانقلابات العسكرية الديمقراطية عادة بسبع سمات هي: انقلاب عسكري ضد نظام استبدادي أو شمولي، الجيش يستجيب لمطالب المعارضة الشعبية ضد ذلك النظام، الزعيم السلطوي أو الشمولي يرفض التنحي استجابة لمطالب المعارضة الشعبية؛ يقوم بالانقلاب جيش يحظى باحترام كبير بين المواطنين، عادة بسبب التجنيد الإجباري؛ ينفذ الجيش انقلابًا للإطاحة بالنظام الاستبدادي أو الشمولي، يسهل الجيش إجراء انتخابات حرة ونزيهة في غضون فترة زمنية قصيرة؛ وينتهي الانقلاب بنقل السلطة إلى قادة منتخبين ديمقراطيًا. 

وكما يوضح أوزان فارول، فإن الانقلاب الديمقراطي هو الاستثناء وليس القاعدة. الغالبية العظمى من الانقلابات لا تتناسب مع إطار الانقلاب الديمقراطي، ويرجع ذلك أساسًا إما إلى تنظيمها ضد حكومة منتخبة ديمقراطيًا، وليس ضد نظام استبدادي أو شمولي، أو أنها تؤدي إلى تأسيس دكتاتورية من خلال انتخابات غير نزيهة. 

والمثال الأبرز على الانقلاب الديمقراطي هو انقلاب المقدم أمادو توماني توري ضد نظام موسى تراوري عام 1991، فمع تصاعد الضغط الشعبي من أجل الديمقراطية، سرعان ما أنشأ توري حكومة انتقالية مؤلفة من قادة عسكريين ومدنيين، سلمت السلطة إلى حكومة منتخبة ديمقراطيًا في العام التالي. وعقدت الحكومة الانتقالية مؤتمرًا وطنيًا شاملًا في صيف 1991 لاستنباط أفكار من مجموعات متنوعة من المجتمع المدني حول التحول الديمقراطي في البلاد. وقد أرسى المؤتمر الوطني والاستفتاء الدستوري اللاحق الأساس لتقليد سياسي للحوار والنقاش استمر فترة طويلة.

- الانقلاب الدستوري: يرى بعض الكتاب أن الانقلاب العسكري قد يكون رد فعل لتصحيح "انقلاب دستوري"، وهو المفهوم الذي راج استخدامه في السنوات الأخيرة في سياقات متنوعة، مثل غينيا وتشاد وكوت ديفوار وتوغو وبنين. على سبيل المثال، أجبرت الوفاة المفاجئة لمرشح الحزب الحاكم في كوت ديفوار على إعادة تفسير القواعد الدستورية للسماح للحسن واتارا بالترشح لولاية رئاسية ثالثة في عام 2020. وفي بنين أصبحت الإنجازات الديمقراطية لهذا البلد، التي اعتبرت لفترة طويلة نموذجًا يحتذى به، موضع تساؤل من خلال التعديلات الدستورية غير التوافقية. وفي تشاد، لولا وفاة الرئيس إدريس ديبي إيتنو، لكان قد فاز بفترة رئاسية خامسة مدتها ست سنوات. ومن بين الرؤساء الذين غيروا دساتير بلدانهم لإلغاء الحدود المفروضة على مدة الفترة الرئاسية: جناسينجبي (توغو)، موسيفيني (أوغندا)، بيا (الكاميرون)، كاغامي (رواندا)، والراحل نكورونزيزا (بوروندي)، وذلك على سبيل المثال لا الحصر. وعادة ما تتم الإشارة إلى تغيير الدستور لإلغاء حدود الولاية و/ أو حدود العمر للرؤساء، والسماح للرئيس الحالي بتمديد ولايته بشكل غير دستوري، على أنه انقلاب دستوري. ولا يخفى أن المؤسسات الضعيفة نسبيًا، وغياب الثقافة الديمقراطية، قد سهلا قدرة شاغلي المناصب على التلاعب بالدساتير في البلدان المذكورة.  

ثالثًا: آليات تحجيم عدوى الانقلابات

أدت "عدوى" الانقلابات الأخيرة التي اجتاحت غرب إفريقيا إلى قلق واسع النطاق بشأن الاستقرار الإقليمي. لم يكن مستغربًا أن تعلن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) أنها ستنشر قوات عسكرية في غينيا بيساو للمساعدة في تحقيق الاستقرار في البلاد بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في الأول من فبراير 2022 وذلك بهدف حماية النظام الدستوري. وكانت جماعة مسلحة استهدفت الإطاحة برئيس غينيا بيساو، عمر سيسكو إمبالو، وحكومته، أثناء اجتماع في مجمع حكومي على مشارف العاصمة، لكن قوات الأمن تمكنت من صد الهجوم. وذكر إمبالو أن الهجوم كان على الأرجح مرتبطًا بتجارة المخدرات. 

تتبع الانقلابات بعضها البعض بوتيرة سريعة في إفريقيا، خاصة في غرب إفريقيا. وعليه، يجب على المنظمات شبه الإقليمية والقارية والعالمية، مثل الإيكواس والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، تحمل المزيد من المسؤولية لتكون "دروعًا ضد الانقلاب" بأي شكل من أشكاله، سواء كان عسكريًا أو دستوريًا.

من الواضح أن "التحولات الديمقراطية" في إفريقيا لا تؤدي، في معظم الحالات، إلى ترسيخ الديمقراطية.  صحيح أنها تؤدي إلى ولادة "جمهوريات جديدة" مع تجديد المؤسسات التي من المفترض أن تضمن أفضل الممارسات. بيد أن الواقع يشير إلى تحول هذه المؤسسات بسرعة عن مهمتها الأساسية، ففي العديد من البلدان الأفريقية، اتخذت المحاكم الدستورية العديد من القرارات التي لا أساس لها، عندما كان من المفترض أن تكون الملاذ الأخير في ظل نظام ديمقراطي. ويكفي مثال الغابون لفهم الوضع، حيث تشغل السيدة ماري مادلين مبورانتسو منصبها منذ عام 1991 بفضل مرسوم رئاسي، ألغى بأثر رجعي قيود الفترتين لبقائها في المنصب.

فإن للخروج من دائرة الانقلابات العسكرية لا بد من ترك الناس يختاروا بحرية  نظامهم السياسي وقادتهم وفوق كل ذلك خياراتهم التنموية. 

إذن، ما الذي تجب معالجته حتى لا نغرق في التشاؤم؟ من المحتمل أن يكون الاقتصاد هو الرافعة الأولى للنهضة والإصلاح، حيث تتسم إفريقيا بطبيعة ديموغرافية سريعة النمو في مقابل  وجود موارد شحيحة، كما أن معظم  البلدان الأفريقية ليست مكتفية ذاتيا، بالإضافة إلى ذلك، فإن نماذج الاستهلاك  الغربية المعولمة المقدمة للشباب، يتعذر على غالبية السكان الوصول إليها، بما يؤدي في النهاية إلى ثورة إحباطات متزايدة. 

ومن ثم، لا بد من إعطاء الأولوية لخلق نشاط اقتصادي مستدام من الموارد المتاحة، فبدلًا من أن  تقوم الدول الأفريقية بتصدير مواردها الخام، يمكن  تحويل وتصنيع هذه الموارد، من خلال إرساء بنية تحتية مناسبة، وبالتالي توليد فرص عمل جديدة  وقيمة مضافة.  وفي هذا السياق يمكن النظر لعملة الفرنك الفرنس، السائد منذ عام 1945 في العديد من دول غرب إفريقيا، على أنه يشكل حلًا اقتصاديًا محتملًا. فأحد الأساليب التي ربما ينبغي النظر فيها هي أن تعيد هذه البلدان الاعتبار لسيادتها النقدية، فوجود عملة وطنية يمكن أن يُعطي قدرة حقيقية للعمل في المجال الاقتصادي.

وأخيرًا ربما يدرك قادة الانقلابات الجدد أهمية شرعية الإنجاز والقدرة على تقديم السلع والخدمات العامة، وهو ما يتضح من عدم تعرضهم أبدًا لقطاع التعدين الذي يُعد المصدر الرئيسي للعملة الصعبة. وعلى أي حال فإن البحث عن الاستقرار والتنمية لا يكفيه الاستيلاء على السلطة ولكن تغير معناها ومضمونها الحقيقي لتتسق مع مفاهيم الحوكمة وقيم المساءلة والشفافية.

 

*مركز المستقبل للدراسات المتقدمة