روسيا وأوكرانيا: لماذا تريد موسكو غزو كييف وما تأثير ذلك على سياسة التحالفات الدولية والإقتصاد العالمي؟

جنود روس
جنود روس

يوميًا ما نسمع عن تداول معلومات حول الحشد الروسي بالعدد والعتاد على الحدود الروسية الأوكرانية، في ظل محاولات روسية لغزو أوكرانيا لضمها إلى أراضيها كما سبق أن ضمت شبه جزيرة القرم المجاورة لها، ما أعاد للأذهان محاولات روسيا إلى إعادة قوتها وسطوتها السابقة خلال وجود الإتحاد السوفييتي قبل أن يتفكك مع مطلع تسعينيات القرن الماضية.

الرئيس الروسي يعلن يوميًا عن تزايد لمعدلات الأسلحة الخفيفة والثقيلة مع حشد عسكري ضخم على حدود كييف، وهو ما أثار حفيظة الجانب الأوروبي والأمريكي، في ظل تقديرات سياسية تؤكد رغبة أوكرانيا الإنضمام للإتحاد الأوروبي والانضمام على إثر ذلك لحلف شمال الأطلسي الناتو، لكن ما يصعب الأمر وجود الكثير من الجماعات الإنفصالية في أوكرانيا وفي منطقة الشرق بالتحديد، والتي تغذي فكرة العودة إلى الحضن الروسي بدلًا من الإنضمام للمعسكر الغربي خاصة في ظل بداية تفكك للإتحاد الأوروبي عقب خروج بريطانيا منه ورغبة بعض الدول الأخرى اللحاق بالموقف البريطاني.

كيف جهزت أوكرانيا للرد على روسيا؟

وفي ظل حالة الشد والجذب بين روسيا وأوكرانيا، هددت كلًا من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة الرئيس الروسي بفرض عقوبات قاسية إقتصادية وغير إقتصادية على موسكو إذا حاولت غزو أوكرانيا، وهو الرد الذي إستتبعه تحرك أوكراني بتجنيد عدد كبير من الشباب من الطلبة الجامعيين من الجنسين في الجيش الأوكراني تحسبًا لأي حرب قد تنشب على الحدود الروسية الأوكرانية، أو تحسبًا لغزو روسي لأوكرانيا.

كما إستتبع ذلك ردًا قاطعًا من المفوضية الأوروبية التي حذرت من «ثمن غال» ستدفعه روسيا إذا حاولت غزو أوكرانيا، حيث من المتوقع أن يصدر زعماء دول الاتحاد الأوروبي تحذيرا يجمع مواقف كل أعضاء الإتحاد لروسيا من مغبة أن أي عمل عدائي ضد أوكرانيا وهو ما سيكلف روسيا ثمنًا غاليًا.

أما عن الوضع العسكري على الحدود الروسية الأوكرانية، فتشير التقديرات الإستخباراتية أن هناك نحو 100 ألف من القوات الروسية على الحدود مع أوكرانيا، في ظل تقارير إستخباراتية أخرى تتحدث عن نية روسيا غزو أوكرانيا في النصف الثاني من شهر فبراير المقبل، على الرغن من أن مسؤولين أمريكيين يرون أنه لم يتضح بعد ما إذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد اتخذ قرارا في هذا الشأن أم لا.

لماذا يرغب بوتين في غزو أوكرانيا؟

إن ما يثير القلق لدى المجتمع الدولي عدم وجود مبرر قوي لدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يبرر غزو أوكرانيا، حيث لم تقدم أوكرانيا على مهاجمة الحدود المتاخمة لها على الجانب الروسي، ولا نشب بين الطرفين أي خلاف سياسي أو عسكري يجعل من السهل اتخاذ قرار الغزو، إلا أن المؤشرات تؤكد أن شهية بوتين منفتحة على مسألة ضم أوكرانيا إلى السيادة الروسية خاصة بعد أن استولى بوتين في 2014 على شبه جزيرة القرم الأوكرانية، ووضع وكلاء انفصاليين في دونيتسك والمدينة المجاورة لها لوهانسك، وهما متاخمتان لروسيا.

وتشير إستطلاعات الرأي إلى أن تلك الجماعات الإنفصالية عززت من رغبة الأوكرانيين في الإنضمام للمعسكر الشرقي (روسيا)، حيث وجد استطلاع فى فبراير 2021 أجراه معهد كييف الدولى لعلم الاجتماع (KIIS) أن 41٪ من الأوكرانيين لديهم مشاعر إيجابية تجاه روسيا، بينما شعر 42٪ بالسلبية. ووجد استطلاع مماثل أجراه مركز ليفادا المستقل فى موسكو أن 54٪ من الروس يشعرون بإيجابية تجاه أوكرانيا، مقارنة بـ 31٪ لديهم مشاعر سلبية. هذا لا ينطبق على القادة الروس، فوفقا لمعهد كييف الدولى 12% فقط من الأوكرانيين لديهم موقف إيجابى من القادة الروس، بينما 76٪ يشعرون بالسلبية. لذلك فهم يفصلون بين السكان والحكومة. نصف السكان فى أوكرانيا لديهم أقارب فى روسيا، ويوجد حوالى ثلاثة ملايين أوكرانى فى روسيا ــ حوالى مليون لاجئ من الحرب، ويجمع الشعبين علاقات عميقة ومعقدة.

وتطلب جماعات إنفصالية  مدعومة من روسيا سرعة اتخاذ القرار بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا، على إعتبار أن تلك الجماعات الإنفصالية قريبة من روسيا وترغب في ضم أوكرانيا للسيادة الروسية، لتحقيق حلم بوتين باتحاد سوفييتي جديد، ليكون إمبراطورًا خليفة لستالين ويلتسين ويحاول أن يزيل سبة ميخائيل جورباتشوف من التاريخ باعتباره الرئيس السوفييتي الذي إنهار في عهده الإتحاد السوفييتي القديم.

كيف يؤثر الغزو على الإقتصاد العالمي وسياسة التحالفات الدولية؟

من الطبيعي أن تؤثر الأحداث العالمية خاصة إذا تعلقت بالحروب على سياسة التحالفات والموائمات الدولية وكذلك الإقتصاد العالمي، خاصة إذا كانت الحرب مندلعة بين أكبر قوتين في العالم، وبالتالي فعلى دول العالم أن تحدد موقفها من سياسة التحالفات الدولية سواء مع روسيا أو أمريكا وأوروبا، والذي من شأنه أن يؤثر على طبيعة العلاقات السياسية بين الدول وبعضها، وقد كانت هناك سابقة في ذلك الأمر حين نشبت الحرب العالمية الأولي والثانية بين دول المحور ودول الحلفاء، والتي تسببت في دمار كبير للدول المشاركة، لكنها تسببت أيضًا في تغيرات سياسية أخرى على كافة المستويات العالمية والإقليمية.

أما الأوضاع الإقتصادية، فمن شأن الحروب دائمًا أن تضغط على موارد الدول المتحاربة، وكذلك المتحالفة مع الدول المتحاربة، وكما أكد صندوق النقد الدولي أن الحرب المرتقبة بين روسيا وأوكرانيا والتي قد تجرب في ذيلها خلافات بين روسيا وأمريكا ودول أوروبا قد تصعد بنسب التضخم العالمية إلى مستويات غير مسبوقة، فضلًا عن تدمير البنى التحتية لدولة أوكرانيا وإنهيار الأوضاع الإقتصادية فيها.