عزل نتانياهو: مستقبل الحكومة الإسرائيلية في ظل الانقسامات الداخلية

في يونيو الماضي، نجحت حكومة التغيير المتألفة من نحو 8 تيارات سياسية في الإطاحة برئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، بنيامين نتانياهو، الذي هيمن على السلطة لأكثر من 12 عامًا، وتسبب في إدخال إسرائيل في دوامة انعدام الاستقرار السياسي، إلا أن الائتلاف الحاكم الحالي يواجه في الآونة الأخيرة تحديات جمة تهدد استمراريته، وذلك على أثر تباين مكونات الائتلاف الحاكم في مواقفها إزاء العديد من القضايا الداخلية والخارجية، الأمر الذي قد يهدد الحكومة الإسرائيلية بالانهيار، خاصة في حال تم إقصاء نتانياهو من الحياة السياسية.

تحديات حكومة التغيير:

تفاقمت الخلافات في الآونة الأخيرة بين مكونات الائتلاف الحاكم إزاء العديد من القضايا، ويتمثل أبرز تلك المحطات الخلافية في التالي: 

1- الخلاف حول "النقب": تفاقمت خلال الأيام الماضية أزمة في منطقة النقب، جنوب إسرائيل، بسبب السياسات الإسرائيلية لتشجير المنطقة وتجريفها في إطار أعمال الصندوق القومي اليهودي (كاكال) باعتبارها أراضي الدولة، الأمر الذي أثار غضب المكون العربي والبدو المقيمين بتلك المنطقة والذين اشتبكوا مع قوات الأمن الإسرائيلية في 12 يناير في مواجهات خلفت إصابات متبادلة واعتُقل على أثرها العديدين من أهالي قرية سعوة الأطرش، ومن بينهم فتاة، مع هدم لمخيمات العرب المعتصمين بالأرض. 

وتشكل أراضي النقب نحو ثلثي فلسطين التاريخية، وقد صادرت إسرائيل على مدار السنوات نحو 90% من أراضيه المملوكة للعرب، في ظل سياسات وممارسات لتغيير هوية تلك المنطقة وتهويدها. ووفقًا للمخططات الإسرائيلية، وبموجب قانون 2017، فمن المقرر زراعة 5 آلاف دونم بالغابات على امتداد وادي عنيم الذي يصب في وادي بئر سبع، مع تمهيد وزراعة 300 دونم بالقمح، كمرحلة أولى للمشروع وزرعُت بالقمح قبل شهر فعلًا.

وهددت القائمة العربية الموحدة بالانسحاب من الائتلاف الحاكم مع عدم التصويت لصالح قراراته ما لم تتوقف عمليات التجريف، بينما طالبت القائمة المشتركة وزير الأمن، عومر بارليف، بالإفراج عن معتقلي البدو.

وانقسمت مواقف وزراء الحكومة الإسرائيلية حول هذه المسألة، إذ دعا وزير الخارجية ورئيس الحكومة البديل، يائير لابيد، لتجميد أعمال التشجير لما فيها من إضرار بمصدر رزق سكان تلك المنطقة، كما دعا لوقف العنف مع التزام الحكومة بحل أزمة البدو والتوصل لتسوية في النقب، وهو الموقف نفسه الذي تبناه وزير الرفاه والضمان الاجتماعي المكلف من قبل الحكومة بتسوية مسألة توطين البدو. وفي المقابل، أكد وزير الإسكان الإسرائيلي، زئيف إلكين، عزم الحكومة الإسرائيلية على مواصلة عمليات التجريف في النقب.

وفي المقابل، توجه وفد من أعضاء الليكود لمتابعة تطور أعمال التشجير الإسرائيلية، وطالب زعيمه نتانياهو بعدم التوقف عن عمليات التشجير مع مطالبته بإدانة تحريض القائمة الموحدة.

2- قانون لم الشمل: تمكن الليكود من منع تمرير قانون "لم الشمل"، وذلك بغرض إحراج حكومة بينيت، وذلك للمرة الأولى منذ إقراره في العام 2003 بعدما كان يتم تجديده سنويًا. وتسعى وزارة الداخلية للمماطلة عبر استمرار تفعيل القانون، برغم من معارضة المحكمة العُليا لذلك. وينص القانون على منع لمّ شمل العائلات الفلسطينية التي فيها زوج أو زوجة من مواطني إسرائيل والآخر من سكّان الضفة الغربية أو قطاع غزّة.

وفي المقابل، هددت كتلة ميرتس اليسارية بالانسحاب من الحكومة في حال طرحت وزيرة الداخلية مشروع القانون من جديد. كما يسعى وزير الخارجية يائير لابيد إلى تقديم استئناف ضد مشروع قانون المواطنة الذي تقدم به عضو الكنيست "سمحا روتمان" من حزب الصهيونية الديني ووافقت عليه اللجنة الوزارية الإسرائيلية لشؤون التشريع، على الرغم من إسقاط الكنيست له من قبل.

3- الربط الكهربائي للعرب: يشهد الكنيست مداولات بشأن قانون طرحته القائمة العربية الموحدة يستهدف ربط بعض المنازل بشركة الكهرباء الإسرائيلية حتى لو تم بناؤها دون تصاريح. كما سيسمح للشركة باستبدال شبكات الطاقة المؤقتة غير القانونية والخطيرة المنتشرة في بعض المناطق بوصلات قانونية منظمة. 

ويمثل القانون موضعًا للخلاف بين مكونات الائتلاف الحاكم وداخل أروقة الكنيست، خصوصًا بين رئيس لجنة الشؤون الداخلية في الكنيست، وليد طه، ووزيرة الداخلية الإسرائيلية، أييليت شاكيد، المنتمية لحزب "يمينا" اليميني المتطرف.

وجدير بالذكر أن هناك حوالي 130 ألف عربي في إسرائيل يعيشون في منازل مبنية بشكل غير قانوني ولا يمكن ربطها بشبكة الكهرباء بموجب التشريعات القائمة التي تصنف أراضي البناء بأنها أراضٍ زراعية وليست سكنية. وهددت القائمة العربية الموحدة بقيادة، وليد طه، بالانسحاب من الائتلاف ما لم يُقر القانون دون خلق صعوبات في التنفيذ من قبل وزيرة الداخلية، فقد كان ذلك المشروع أحد أهم الصفقات التي دخلت على أثرها القائمة في الائتلاف الحاكم.

4- الاعتقال الإداري وملف الأسرى: واجهت حكومة بينيت اتهامات بالضعف بسبب موافقتها على وقف تمديد الاعتقال الإداري للأسير، أبو هواش، في الأيام القليلة الماضية بعدما تدهورت حالته جراء إضرابه عن الطعام لأكثر من 140 يومًا، يأتي ذلك في ظل تباين التوجهات إزاء التعاطي مع ملفي الاعتقال الإداري والأسرى الفلسطينيين داخل مكونات الحكومة الإسرائيلية.

5- حل الدولتين والقضية الفلسطينية: يتضح جليًا الخلاف بين مكونات الحكومة الائتلافية بشأن القضية الفلسطينية، إذ تميل التيارات المعتدلة واليسارية نحو دعم حل الدولتين وتحقيق المزيد من التقارب والتنسيق مع السلطة الفلسطينية من أجل إرساء السلام، سواء عبر المسار السياسي أو المسار الاقتصادي. ويمثل هذا التيار وزير الدفاع، بيني جانتس، ووزير الخارجية، يائير لابيد.

وفي المقابل، ترفض التيارات اليمينية، خاصة رئيس الحكومة، نفتالي بينيت، أي تقارب مع الجانب الفلسطيني، مع الاكتفاء بالتنسيق الأمني لحماية الأمن القومي الإسرائيلي. كما يرفض بينيت عقد أي لقاء مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. 

6- الخلاف حول الملف النووي الإيراني: تتسع الفجوات داخل صفوف الحكومة الإسرائيلية حول كيفية التعامل مع الملف النووي الإيراني، واتضح التباين داخل الدوائر الأمنية الإسرائيلية بعد تصريحات رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، أهارون حاليفا، الداعمة للتوصل لاتفاق، وهو ما يتعارض مع موقف رئيس الحكومة، وكذلك رئيس جهاز الموساد، ديفيد بارنيا. 

كما يتباين موقفا وزارة الخارجية ورئاسة الحكومة إزاء الملف ذاته، وإزاء التعامل مع الحليف الأمريكي. وفي هذا الإطار، يؤيد لابيد التوصل لصفقة جيدة مع إيران، بينما يصر بينيت على عدم إلزامية الاتفاق لإسرائيل.

تهديد الائتلاف الحكومي:

باتت حكومة "بينيت – لابيد" بين فكي كماشة، في مواجهة إحراج اليمين المتطرف ممثلًا في الليكود بشكل رئيس من جهة، في مقابل ضغط الأحزاب العربية واليسارية من جهة أخرى، في العديد من الملفات والقضايا الخلافية، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي: 

1- تلويح العرب واليمين بالانسحاب: تتزايد التهديدات بالانسحاب من الحكومة الإسرائيلية، خاصة مع تراجع شعبية الأحزاب العربية واليمينية، على حد سواء، بسبب عدم قدرتهما على إرضاء قاعدتهما الانتخابية، خصوصًا بعد تدهور حقوق البدو في النقب، وكذلك بسبب العثرات التي تشهدها التوسعات الاستيطانية.

2- محاولة الليكود استغلال الموقف: تلوح في الأفق فرصة سانحة لحزب الليكود اليميني للعودة للائتلاف الحكومي من جديد، خاصة مع احتمالية إقصاء نتانياهو عن المشهد السياسي، إذ تُتداول تسريبات بشأن صفقة محتملة بين نتانياهو والمدعي العام الموالي له، أفيشاي ماندلبليت، والذي ستنتهي ولايته نهاية الشهر الجاري، وبموجب الصفقة المحتملة، تُستبدل عقوبة السجن مقابل إقرار نتانياهو باقترافه جرائم الفساد، على أن يُقصى سياسيًا لمدة 7 سنوات. 

ومن شأن هذا الإقصاء أن يعزز فرص الليكود مرة أخرى، إذ إن العديد من الأحزاب اليمينية مستعدة للتحالف معه من جديد من دون نتانياهو، وبالتالي، فإنه في حالة غيابه عن رئاسة الليكود فإن ائتلاف بينيت قد ينهار، خاصة إذا خرجت منه الأحزاب اليمينية، أو يتجه لتقديم مزيد من التنازلات لهم، حتى لا تترك الحكومة، وتتحالف مع الليكود، وهو ما قد يدفع الأحزاب العربية في المقابل للانسحاب من الائتلاف الحكومي، أي أن أيًا من السيناريوهين قد يهدد الائتلاف الحكومي. ومع ذلك، فإن حدوث هذا الأمر، سوف يتوقف على المشهد الداخلي بالليكود بعد نتانياهو وتوجهات خليفته في رئاسة الحزب. 

وفي الختام، يمكن القول إن الائتلاف الحكومي في إسرائيل بات يواجه العديد من التحديات، والتي قد تنذر باحتمال تفككه، خاصة إذا تم إقصاء نتانياهو من الحياة السياسية في إسرائيل، والذي كان يمثل العائق الرئيس أمام تحالف العديد من الأحزاب اليمينة مع الليكود. 

 

*نقلًا عن مركز المستقبل للدراسات المتقدمة