الإثنين 15 ديسمبر 2025
booked.net

لبنان بين مسارين.. التفاوض السياسي وضغط النار المفتوحة

لبنان
لبنان

يجد لبنان نفسه مجددًا أمام لحظة سياسية وأمنية دقيقة، مع تزايد الضغوط الداخلية والخارجية المرتبطة بملف سلاح حزب الله، بالتزامن مع تصعيد إسرائيلي متواصل وغارات مكثفة خلال الأيام الأخيرة.

هذا المشهد المعقّد أعاد طرح أسئلة جوهرية حول قدرة الدولة اللبنانية على الإمساك بزمام المبادرة الأمنية، وحول حدود الدور الذي يمكن أن يلعبه الجيش اللبناني في ظل التحذيرات الإسرائيلية والرسائل الدولية المتقاطعة.

في قلب هذا التصعيد، برز بيان الجيش اللبناني بشأن حادثة يانوح، حيث أكد بقاء قواته في محيط المبنى المعني، في خطوة عكست محاولة واضحة لتكريس حضور الدولة ودورها في حفظ الأمن.

غير أن هذه الخطوة لم تكن كافية لاحتواء التداعيات السياسية والأمنية، خصوصا بعد الكشف رسالة إسرائيلية نقلت إلى بيروت عبر الولايات المتحدة، حذرت فيها تل أبيب من أي تنسيق أو تعاون بين الجيش اللبناني وحزب الله، على خلفية ما وصفته إسرائيل بمؤشرات على تنسيق ميداني بين الطرفين.

ينطلق الخبير العسكري والاستراتيجي، العميد خالد حمادة، في تحليله لتصريح السفير الأميركي ببيروت عقب زيارته لرئيس مجلس النواب نبيه بري، حيث شدد على أن التفاوض بين لبنان وإسرائيل يشكل مسارًا مستقلًا عن مسار الحرب بين إسرائيل وحزب الله.

هذا الفصل، وفق قراءة حمادة، ليس تفصيلا دبلوماسيا عابرا، بل يعكس قبولا أميركيا صريحًا باستمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية، بغض النظر عن أي مسار تفاوضي تقوده الدولة اللبنانية.

ويشير إلى أن هذا الموقف يعني عمليا أن أي محاولة لربط التفاوض بوقف الاعتداءات الإسرائيلية تبقى خارج الحسابات الدولية، وأن أي إجراء قد يوحي بوجود صلة أو تنسيق بين الدولة اللبنانية وحزب الله يعد غير مقبول.

من هنا، يأتي التحذير الإسرائيلي الأخير، المنقول عبر الولايات المتحدة، ليكرّس المنطق نفسه: لا علاقة بين التفاوض السياسي الذي تجريه الدولة وبين استمرار الضربات العسكرية.

رغم تعيين سفير سابق لقيادة مسار التفاوض، والحديث عن انتقال لبنان إلى مرحلة شبه تفاوض سياسي، يرى حمادة أن هذه الخطوات لم تغيّر في جوهر المشهد.

ويصفها بأنها إجراءات شكلية، قد تمنح الدولة اللبنانية هامشًا زمنيًا محدودًا، لكنها لا تؤسس لتحول حقيقي في موازين القوى أو في مسار الأحداث.

ويطرح حمادة سؤالا مركزيا يعتبره بلا إجابة حتى الآن: ما هو السقف الزمني الواضح لإنهاء مسألة حصرية سلاح حزب الله؟.. ويؤكد أن أي آلية قائمة، حتى لو ترأسها دبلوماسيون ذوو خبرة، غير قادرة على تقديم إجابة عملية، ما يجعل مسار التفاوض مفتوحًا على المجهول، في ظل استمرار الضغط العسكري الإسرائيلي.

يتوقف حمادة مطولا عند الإشكالية المرتبطة بدور الجيش اللبناني، معتبرًا أن ثمة التباسًا بنيويًا يحيط بتكليفه. فإسرائيل، حسب ما يوضح، تبلغ الآلية المعنية قبل تنفيذ أي غارة، ما يثير تساؤلات حول سبب كل التعقيدات التي رافقت تفتيش منازل أو مواقع مشبوهة.

ويرى أن هذا الواقع يعكس قصورا في عملية التكليف الحكومي، حيث أوكلت إلى الجيش مهام حساسة من دون تحديد واضح للإجراءات أو لقواعد الاشتباك.

ويؤكد أن الأصل كان يقتضي أن يكون الجيش مطلق الصلاحية، ومغطى قانونيا بشكل صريح، لمداهمة أي موقع يشتبه به بناءً على معلومات متوافرة، من دون الدخول في إشكالات ميدانية وسياسية.

حسب حمادة، كان يفترض بالحكومة أن تعلن منطقة جنوب الليطاني منطقة عسكرية أو أن تفرض حالة طوارئ فيها. مثل هذا القرار، لو اتُّخذ، كان سيفعّل قانون الدفاع ويمنح الجيش صلاحيات استثنائية واضحة بموجب مرسوم صادر عن مجلس الوزراء، ما كان سيزيل كثيرًا من الإشكالات القانونية والدستورية.

غياب هذا الغطاء، في رأيه، جعل مسألة حصرية السلاح أقرب إلى خطاب سياسي منها إلى سياسة تنفيذية. فهناك حديث عن حصر السلاح من دون توفير الأدوات القانونية اللازمة لتنفيذ هذا الهدف، الأمر الذي خلق فراغًا استثمرته وسائل الإعلام، وفتح الباب أمام تأويلات متناقضة حول طبيعة دور الجيش وحدود تحركه.