الإثنين 15 ديسمبر 2025
booked.net

تحصين القرار الوطني: تشكيل هيئة إفتاء جنوبية.. خطوة استراتيجية لإغلاق "بوابة العبث الديني" وتفكيك فتاوى حرب 1994

الزبيدي
الزبيدي

في منعطف تاريخي يلامس جوهر الوعي الجمعي، يقف الجنوب اليوم أمام استحقاق بناء مؤسساتي يتجاوز الأطر السياسية والعسكرية المعتادة، ليشمل البعد الديني. 

يبرز قرار تشكيل هيئة إفتاء جنوبية كخطوة استراتيجية محورية تهدف إلى تحصين القرار المصيري من أي توظيف ديني معادٍ، واستعادة السيطرة على خطاب ما دام استُخدم كسلاح ضد الجنوب في محطات تاريخية مفصلية.

هذا الملف الشائك أعادت فتحه الناشطة السياسية وداد الدوح في تحليل نقلته عن موقع "العين الثالثة"، حيث وضعت القرار في سياق ذاكرة جنوبية مثقلة بتجربة مريرة، حين تحولت الفتوى إلى أداة حرب، وغدا التكفير بوابة لاجتياح الأرض ومصادرة الحق السياسي باسم الدين.

ذاكرة 1994: حين غابت الفتوى المضادة

تستحضر الدوح حرب صيف 1994 كنموذج صارخ لخطورة ترك المجال الديني بلا إطار مؤسسي وطني. ففي تلك المرحلة، لم تكن المواجهة مقتصرة على الميدان العسكري، بل كانت فكرية وعقائدية بامتياز. 

حيث أُطلقت فتاوى تكفيرية صريحة استهدفت الجنوب ككيان ومجتمع، ووُظفت ببراعة لـ إضفاء "مشروعية دينية" على الحرب والاجتياح.

وتشير الدوح إلى أن تبنّي مسؤولين حكوميين آنذاك، مثل وزير العدل عبدالوهاب الديلمي، لتلك الفتاوى منحها غطاءً رسميًا، محولًا الدين من مساحة جامعة إلى أداة إقصاء وخصومة عقائدية، بدلًا من التعامل مع الخلاف كنزاع سياسي بحت.

لكن النقطة الأكثر خطورة، حسب تحليل الدوح، لم تكن في صدور هذه الفتاوى، بل في "غياب الفتوى المضادة"، و"غياب المؤسسة" التي تمتلك الشرعية والقدرة على الرد من داخل المنظومة الدينية نفسها. هذا الفراغ المؤسسي سمح بتمرير خطاب متشدد دون مقاومة فكرية حقيقية، وفتح الباب أمام قوى بعينها للاستفراد بالمشهد الشرعي واستخدامه سلاحًا كلما اقترب الجنوب العربي من استعادة قراره السياسي.

أهمية هيئة الإفتاء: تحصين ضد الاختراق السياسي

ترى وداد الدوح أن وجود هيئة إفتاء جنوبية موحّدة يمثل حجر الزاوية في تحصين المشهد الديني ومنع تشظيه أو اختراقه سياسيًا. هذه الهيئة ستشكل:

مرجعية شرعية وطنية: تضبط الخطاب الديني وتوحّد الموقف الشرعي في القضايا المصيرية.

حماية للقرار المصيري: خاصة استحقاق إعلان الدولة، الذي ظل تاريخيًا عرضة للطعن الديني والتشويه العقائدي.

وستسهم الهيئة في تجفيف منابع الفتاوى المتطرفة ومواجهة أي محاولات لإعادة إنتاج خطاب التكفير، عبر قراءة فقهية مسؤولة تنسجم مع خصوصية المجتمع الجنوبي ومتطلبات المرحلة. وبذلك، تتحول الهيئة إلى عامل استقرار وحماية للقرار الوطني، بدلًا من أن تكون أداة صراع أو ابتزاز شرعي.

خطوة استباقية نحو السيادة

تؤكد الدوح أن القيادة الجنوبية اليوم تدرك طبيعة المعركة الشاملة التي تتجاوز السياسة والميدان إلى الوعي والشرعية. وتوضح أن تشكيل الهيئة ليس مجرد ردة فعل، بل هو خطوة استباقية تهدف إلى "إغلاق بوابة العبث الديني" ومنع إعادة إنتاج سيناريو حرب 1994 بأدوات جديدة.

وترى الناشطة السياسية أن القرار بـ إعلان الدولة الجنوبية، رغم طابعه السياسي، يتطلب غطاءً شرعيًا وطنيًا يوفره كيان مؤسسي مستقل مثل الهيئة، مما يحصّن خيار الاستقلال ويمنع تحويله إلى مادة للتكفير أو التخوين.

وشددت الدوح على أن الهدف ليس عسكرة الدين أو توظيفه في الصراع، بل إعادة وضعه في موقعه الطبيعي كعامل توازن واستقرار، ومرجعية أخلاقية ترافق مشروع الدولة وتحميه من الانحراف أو الاختراق. بين ذاكرة فتاوى حرب الاحتلال اليمني واستحقاق السيادة، يبدو الجنوب أكثر استعدادًا اليوم لبناء مؤسسات تحمي قراره الوطني.

وفي هذا السياق، تمثل هيئة الإفتاء الجنوبية خطوة مفصلية لـ تثبيت معادلة جديدة عنوانها: الدين حارس للقرار الوطني لا سلاحًا موجهًا ضده.

انضموا لقناة متن الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا https://t.me/matnnews1

الأكثر مشاهدة