من الاحتجاج إلى الفعل السياسي.. كيف فرض الشارع الجنوبي إرادته لتثبيت حق استعادة دولة الجنوب؟

دلالات نضج الوعي
دلالات نضج الوعي الجمعي: الإرادة الشعبية كخط أحمر

لم تعد الاعتصامات الشعبية والفعاليات الجماهيرية المتواصلة في مختلف محافظات الجنوب العربي مجرد تعبير احتجاجي عابر، بل تحوّلت إلى حالة سياسية مكتملة الأركان. 

هذه التحركات الواسعة، التي ترفع مطلب استعادة دولة الجنوب كخيار استراتيجي لا رجعة فيه، تعكس دلالات عميقة حول نضج الوعي الجمعي الجنوبي وقدرته الفائقة على فرض نفسه كفاعل رئيسي ومؤثر في معادلة المشهدين المحلي والإقليمي المعقدة.

يُبرهن المشهد الجنوبي اليوم على انتقال نوعي في القضية الجنوبية؛ إذ تحولت من مرحلة المطالبة و"ردّة الفعل" إلى مرحلة "صناعة الفعل السياسي المؤثر" و"تثبيت الحق". 

ملايين الجنوبيين الذين خرجوا إلى الساحات في كافة محافظات الجنوب العربي لم يحملوا شعارات آنية أو مطالب ظرفية، بل عبّروا بثبات عن خيار استراتيجي تشكّل عبر سنوات طويلة من النضال والتضحيات، مؤكدين أن مسار التحرر الوطني الذي بدأ منذ ما قبل 2015 لا يمكن التراجع عنه تحت أي ظرف أو ترتيبات قادمة.

دلالات نضج الوعي الجمعي: الإرادة الشعبية كخط أحمر

يشكل الحضور الجماهيري الكثيف، والتنظيم اللافت، والخطاب الموحد، مؤشرات قوية على أن الشارع الجنوبي بات شريكًا فاعلًا في صناعة القرار، لا مجرد متلقٍ لنتائجه. 

هذا الوعي الوطني المتقدم، مكّن الشعب الجنوبي من تحويل الإرادة الشعبية إلى موقف سياسي جامع، يضع الجميع أمام حقيقة واحدة: أن مستقبل الجنوب العربي لم يعد قابلًا للمساومة أو القفز عليه.

الاعتصامات الشعبية لم تعد مجرد فعاليات احتجاجية، بل أصبحت منصة تعيد رسم العلاقة بين الجنوبيين ومشروعهم الوطني، وتؤسس لشرعية شعبية صلبة تواكب أي إنجاز سياسي أو ميداني يتحقق على الأرض. وهذا يعزز من قوة الموقف الجنوبي في أي مشاورات أو ترتيبات قادمة تتعلق بمستقبل المنطقة، ويمنح القوى السياسية الجنوبية تفويضًا جماهيريًا لا يمكن إنكاره للمطالبة بـ استعادة دولة الجنوب.

التوقيت الحساس: صمام أمان لـ القضية الجنوبية

تأتي هذه المظاهرات والاعتصامات في توقيت بالغ الحساسية، في ظل نقاشات إقليمية ودولية مفتوحة حول شكل المرحلة المقبلة في اليمن والمنطقة. هذا التوقيت الاستراتيجي جعل من الحضور الشعبي الجنوبي صمام أمان حقيقي للحفاظ على مسار القضية الجنوبية من أي محاولات التفاف أو تجاوز قد تحدث في كواليس المفاوضات.

رسائل الشارع الجنوبي كانت واضحة وصارمة: لا ترتيبات داخلية أو إقليمية يمكن أن تنجح إذا ما تجاوزت الإرادة الشعبية لأبناء الجنوب، وأي محاولات لإعادة إنتاج الأزمات أو فرض حلول لا تعبّر عن تطلعات الشعب محكوم عليها بالفشل. الهدف هو استعادة دولة الجنوب بناءً على تقرير المصير، وهو مطلب غير قابل للتجزئة.

الأمن الجنوبي: خط أحمر وحماية للمكتسبات الوطنية

في جانب لا يقل أهمية، شددت الاعتصامات الشعبية على أن الأمن الجنوبي واستقراره يمثلان خطًا أحمر لا يمكن المساس به. هذا التركيز يأتي خصوصًا بعد النجاحات الكبيرة التي حققتها القوات المسلحة الجنوبية في تثبيت الأمن ومكافحة الإرهاب وقطع الطريق أمام مشاريع الفوضى في محافظات حيوية كحضرموت وشبوة والمهرة.

لقد عبّرت الشعارات المرفوعة عن وعي عميق بأن الدفاع عن الأرض وحماية المكتسبات الأمنية والعسكرية أصبحا جزءً أصيلًا من الهوية الوطنية الجنوبية. 

فالعودة إلى المربعات السابقة التي عانى منها الجنوب العربي لسنوات أمر مرفوض شعبيا بشكل قاطع، مما يجعل ملف الأمن الجنوبي مرتبطًا بشكل عضوي بملف استعادة دولة الجنوب.

صدى عربي ودولي: الوضوح الجنوبي في مقابل التشتت

على الصعيد العربي والدولي، بدأت العديد من مراكز الدراسات ووسائل الإعلام الإقليمية تتوقف عند خصوصية الحالة الجنوبية، واصفة ما يجري بأنه نموذج لشعب استطاع، رغم تعقيدات المشهد، أن يحافظ على تماسكه ووحدة موقفه.

يرى مراقبون دوليون أن الجنوب العربي بات اليوم أحد أكثر الملفات وضوحا من حيث المطالب والاتجاهات، في وقت تعاني فيه ملفات أخرى من التشتت والانقسام. هذا الوضوح الشعبي يمنح القضية الجنوبية وزنا سياسيا متزايدًا في أي مسار تفاوضي قادم. كما تشير تحليلات عربية إلى أن إصرار الجنوبيين على التعبير السلمي والمنظم عن تطلعاتهم يعكس نضجًا سياسيًا لافتًا، ويؤكد أن شعب الجنوب العربي لا يبحث عن مغامرات، بل عن استعادة دولته ضمن رؤية واضحة تحترم الأمن والاستقرار الإقليمي.

الخاتمة: إرادة لا يمكن تجاوزها

يُؤكد مشهد الاعتصامات الشعبية الجنوبية اليوم أن الجنوب العربي يمتلك الآن شعبًا موحدًا، ومشروعًا واضح المعالم، وإرادة لا يمكن تجاوزها أو الالتفاف عليها. هذه رسالة موجهة للجميع، في الداخل والخارج، مفادها أن أي ترتيبات مستقبلية لا تنطلق من تطلعات شعب الجنوب العربي، ولا تحترم تضحياته وخياراته الوطنية، ستصطدم بجدار صلب من الإرادة الشعبية التي أثبتت أنها الرقم الأصعب في معادلة المرحلة المقبلة المطالبة بـ استعادة دولة الجنوب.

انضموا لقناة متن الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا https://t.me/matnnews1