جسد واحد وهدف واحد.. القوى الجنوبية توحد صفوفها خلف الزُبيدي نحو استعادة السيادة

تعبيرية
تعبيرية

يشهد الجنوب العربي في تاريخه المعاصر لحظة فارقة قد تكون الأهم منذ عقود، وهي لحظة الاصطفاف الكامل للقوى الوطنية الجنوبية—بأحزابها ونقاباتها ومنظماتها وشخصياتها المؤثرة—خلف المجلس الانتقالي الجنوبي. 

هذا الإعلان لم يكن مجرد توافق عابر، بل يُعد "زلزالًا سياسيًا صامتًا" امتد تأثيره من عدن إلى حضرموت وشبوة والمهرة ولحج وأبين.

ولأول مرة منذ حرب 1994، بدا الجنوب كـ "جسد واحد، يتحدث بصوت واحد"، ويحدد هدفًا وحيدًا لا تراجع عنه: استعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة.

 هذا الاصطفاف هو نتاج نضج ووعي جمعي وصل إليه الجنوبيون بعد ثلاثين عامًا من التهميش ومحاولات الطمس والهيمنة، ما يؤكد أن التوافق الحالي هو نقطة تحول تاريخية تأتي نتيجة لتراكم الوعي وعمق الألم وكلفة التضحية.

عقود من الظلم: جذور الاصطفاف في مواجهة الهيمنة الشمالية

لم يأتِ الاصطفاف الوطني الجنوبي كرد فعل آني، بل تشكّل عبر عقود من الاصطدام المباشر مع مشروع الهيمنة الشمالية الذي تعامل مع الجنوب كـ "غنيمة لا شريكًا". فمنذ حرب صيف 1994، التي دشّنت مرحلة الاجتياح الشامل، ترسخت ملامح الشرخ العميق في الوعي الجنوبي.

الاستحواذ الممنهج: مارست القوى الشمالية، سياسات الإقصاء ونهب الثروات وإضعاف المؤسسات الجنوبية بشكل مقصود، كما حدث في تفكيك المؤسسات، وتسريح عشرات الآلاف من الجنود، والاستيلاء على الأراضي والموانئ.

إعادة إنتاج العقلية: بعد العام 2015، ورغم التدخل العسكري، أعادت القوى الشمالية إنتاج نفس العقلية بـ "نسخة أكثر قسوة"، مستغلة الفوضى للسيطرة على القرار والثروات عبر أدوات متعددة.

هذا الإرث الطويل من التجارب المؤلمة—من حوادث الاغتيالات إلى تدمير المؤسسات—كوّن لدى الجنوب قناعة نهائية بأن العلاقة مع تلك القوى لم تعد قابلة للإصلاح أو الشراكة. وبصعود المجلس الانتقالي الجنوبي، أصبح الاصطفاف خلفه واجبًا وطنيًا تُحتمه تجارب الماضي المريرة.

الميثاق الوطني الجنوبي: من الفعل العفوي إلى المشروع المؤسسي

لا يمكن فهم هذا الاصطفاف الوطني العريض دون الإشارة إلى اللحظة التأسيسية لـ "الميثاق الوطني الجنوبي". هذه الوثيقة لم تكن مجرد ورقة، بل كانت خارطة طريق واضحة المعالم، تمثل الرؤية المتكاملة لشكل الدولة الجنوبية المقبلة.

المرجعية الوطنية: حدد الميثاق مبادئ العدالة والمواطنة، وركائز النظام الفيدرالي، وآليات إدارة الموارد، وضمانات عدم تكرار أخطاء الماضي.

الشرعية المؤسسية: عندما أعلنت القوى الوطنية دعمها، فإنها لم تكن تعلن فقط دعم المجلس الانتقالي، بل الالتزام الكامل بهذه الرؤية الشاملة المتوافق عليها. هذا التحول من الفعل السياسي العفوي إلى الفعل المؤسسي هو ما جعل الاصطفاف قويًا ومتماسكًا.

لقد منح الميثاق المشروع الجنوبي عمقه المؤسسي، وأكد أن الجنوب لم يعد يتحرك برد الفعل، بل وفق خارطة طريق واضحة تبني دولة لا مجرد سلطة.

قوة الاصطفاف: الالتفاف حول الزُبيدي والقوات المسلحة

هذا الاصطفاف منح القيادة الجنوبية شرعية مضاعفة: شرعية شعبية وسياسية ونضالية.

اللواء عيدروس الزُبيدي: يمثل الالتفاف حوله اعترافًا بدور رجل استطاع أن يتحول من قائد مقاومة إلى رمز وطني جامع، يمتلك القدرة على إدارة الملفات المعقدة. بالنسبة للكثيرين، هو "الضمانة السياسية" في هذه المرحلة الحرجة.

القوات المسلحة الجنوبية: يعد الالتفاف دعمًا لـ القوات المسلحة الجنوبية التي تحولت إلى مؤسسة وطنية بعقيدة قتالية واضحة: حماية الجنوب والدفاع عن مشروع الاستقلال. وجود هذه القوة الموحدة، من شبوة إلى الضالع، يضمن صمود المشروع السياسي على الأرض.

قوة الورقة التفاوضية: المستقبل السياسي للجنوب

إن الاصطفاف الوطني لم يؤثر داخليًا فحسب، بل عزز مكانة الجنوب دوليًا.

الشريك الحقيقي: بات المجتمع الدولي يرى في المجلس الانتقالي شريكًا حقيقيًا يمتلك قاعدة شعبية واسعة وقدرة على ضبط الأرض.

الاعتراف بالدور: أكد الجنوب أنه جاهز للجلوس على طاولة التفاوض من موقع قوة، وأن أي تسوية سياسية في اليمن لن تنجح دون الاعتراف بدور الجنوب كطرف مستقل وأصيل في المعادلة.

إن الجنوب العربي يمتلك اليوم فرصة نادرة لإعادة تأسيس دولته الحديثة، مستفيدًا من مشروع سياسي موحد، وجيش جنوبي منظم، وأهمية استراتيجية متزايدة في أمن البحر العربي وباب المندب. كل هذه التحولات تتقاطع لتؤكد أن الاستقلال الثاني ليس مجرد شعار، بل هو لحظة صناعة تاريخ جديد يكتبها شعب قرر العودة إلى خارطة العالم.

انضموا لقناة متن الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا https://t.me/matnnews1