القوات المسلحة الجنوبية تُحكم السيطرة على المهرة: تفاصيل الانتشار الاستراتيجي في الغيضة وتأثيره على خارطة الجنوب

القوات المسلحة الجنوبية
القوات المسلحة الجنوبية

شهد المشهد العسكري والأمني في المحافظات الشرقية لليمن تحولًا نوعيًا وتاريخيًا، مع الإعلان عن دخول القوات المسلحة الجنوبية إلى مديرية الغيضة، عاصمة محافظة المهرة.

هذه الخطوة، التي جاءت في إطار خطة واسعة للانتشار الميداني وتأمين المرافق الحيوية، تمثل نقطة مفصلية في مسار استعادة الأمن والاستقرار في المحافظات الجنوبية، وتُرسخ الحضور الفعلي للمجلس الانتقالي الجنوبي في آخر معاقل نفوذ القوى التي كانت تعارض التمكين الجنوبي. لقد باتت المهرة، المحافظة الساحلية التي تمثل البوابة الشرقية للجنوب، مؤمنة بالكامل، في إنجاز وصفه المراقبون بأنه يكمل حلقة السيطرة الجنوبية بعد النجاحات الأخيرة في وادي حضرموت.

الانتشار الميداني: كيف تمت عملية دخول الغيضة؟

أفادت المصادر الميدانية أن عملية انتشار القوات الجنوبية في المهرة جرت بسلاسة تامة ودون مقاومة تُذكر، مشيرة إلى أن السيطرة على الغيضة تحققت عبر "التسليم" و"الانتشار السلمي". هذا النمط من التحرك يؤكد وجود تفاهمات مسبقة وتنسيق بين الأطراف المعنية، هدفها الرئيسي هو توحيد جهود مكافحة الفوضى وتحقيق الأمن المنشود.

شمل الانتشار السيطرة الكاملة على عدد من المواقع السيادية والعسكرية الحيوية في المدينة ومحيطها، بما في ذلك القصر الجمهوري، وميناء نشطون البحري الاستراتيجي، والمواقع العسكرية والأمنية الرئيسية، فضلًا عن تأمين مطار الغيضة الدولي. وتُعد هذه المنشآت شريانًا حيويًا للحركة التجارية واللوجستية في المحافظة، ووضعها تحت سيطرة القوات المسلحة الجنوبية يعزز من قدرتها على بسط هيبة الدولة ومنع استغلال هذه المرافق لأي أنشطة غير قانونية. كما أشارت التقارير إلى أن وحدات عسكرية محلية، كاللواء 11 حرس حدود، قد أعلنت انضمامها وولاءها للقوات الجنوبية، مما سهل عملية الانتقال وأكد تماسك القوى الداعمة للاستقرار داخل المحافظة.

الأهمية الاستراتيجية للمهرة: بوابة الجنوب ومكافحة التهريب

لا يمكن فهم أهمية تأمين المهرة بمعزل عن موقعها الجغرافي الفريد. فالمهرة تشترك في حدود برية طويلة مع سلطنة عُمان الشقيقة، ولها واجهة بحرية واسعة على بحر العرب، ما جعلها على مدار سنوات محط أنظار لقضايا أمنية حساسة.

لطالما عانت المحافظة من تشتت أمني وتداخل في المهام، مما أتاح المجال لنشاطات غير مشروعة. وتؤكد قيادة القوات المسلحة الجنوبية أن الهدف الأسمى من انتشارها في المهرة هو "إحكام الرقابة الأمنية على المنافذ البرية والبحرية، وتطهيرها من شبكات التهريب التي تهدد أمن المنطقة بأسرها، وتعرقل جهود إحلال السلام". هذه الخطوة ضرورية لضمان عدم تحول المحافظة إلى بؤرة للجماعات المتطرفة أو ممرًا لتهريب الأسلحة. من الناحية الجنوبية، يمثل تأمين المهرة اكتمالًا للسيطرة على الأقاليم الجنوبية، بدءًا من عدن ولحج والضالع، مرورًا بشبوة وحضرموت، وصولًا إلى الشرق الأقصى.

المتغيرات السياسية: المهرة والمسار نحو الاستقلال

يأتي هذا التطور بعد فترة وجيزة من النجاحات الكبيرة التي حققتها القوات المسلحة الجنوبية في وادي حضرموت، حيث تمكنت من السيطرة على مدينة سيئون وتأمين المرافق النفطية، منهيةً بذلك عقودًا من سيطرة المنطقة العسكرية الأولى. إن تزامن السيطرة على حضرموت والمهرة يرسخ النفوذ الفعلي للمجلس الانتقالي الجنوبي ويعزز من موقفه السياسي التفاوضي بشكل غير مسبوق.

ويرى المحللون السياسيون أن دخول الغيضة هو تتويج لمرحلة "توحيد الصف الجنوبي" وخطوة واثقة نحو إعلان استقلال الجنوب، وهي تطلعات عبر عنها شعب الجنوب بتفاعل واسع على منصات التواصل الاجتماعي تحت شعارات تؤكد على وحدة الصف الجنوبي. هذا التمدد الجنوبي قد يعزز فرص الاستقرار على المدى الطويل من خلال توحيد القيادة العسكرية والأمنية وإبعاد القوات التي لا تنتمي إلى المحافظات الجنوبية، مما يقلل من الصراعات البينية.

من جهة أخرى، يضع هذا التمدد الحكومة المعترف بها دوليًا (مجلس القيادة الرئاسي) في موقف صعب، إذ يمثل تحديًا لسلطتها ووحدة القرار السيادي، ويزيد الضغوط الدولية والإقليمية المطالبة بإنهاء الصراع والتوصل إلى تسوية سياسية شاملة تأخذ في الحسبان الواقع الميداني الجديد الذي فرضته القوات المسلحة الجنوبية.

ردود الفعل ومستقبل الاستقرار الأمني

قوبل انتشار القوات الجنوبية بترحيب شعبي واسع في المهرة وباقي محافظات الجنوب، حيث يُنظر إليها كفرصة تاريخية لإنهاء حالة الفراغ الأمني والإداري. أما إقليميًا، فقد تمت عملية التسليم في سياق ترتيبات إقليمية أوسع تقودها المملكة العربية السعودية، تهدف إلى إعادة هيكلة التشكيلات العسكرية في الشرق لضمان فعاليتها في مواجهة التحديات الأمنية.

ورغم هذه التطورات، لا يخلو المشهد من تحديات، حيث تشير تقارير إلى دعوات من تنظيمات إرهابية مثل "القاعدة" لاستهداف القوات الجنوبية في المحافظات الشرقية، مما يؤكد أن مهمة تأمين المهرة لا تزال في مراحلها الأولى وتتطلب يقظة أمنية عالية واستمرار العمليات النوعية لمكافحة الإرهاب وضبط الحدود.

 يمثل دخول القوات المسلحة الجنوبية إلى الغيضة تحولًا استراتيجيًا يُعيد رسم خارطة النفوذ في جنوب اليمن. إنه ليس مجرد انتشار عسكري، بل هو إعلان عن مرحلة جديدة من التمكين والسيادة الجنوبية، تهدف إلى بناء دولة مستقرة وقوية قادرة على حماية شعبها وثرواتها، وتضمن الأمن والاستقرار الإقليمي على حد سواء.

انضموا لقناة متن الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا https://t.me/matnnews1