حق الجنوب في تقرير المصير: ركيزة للسلام الدائم
يثبت مسار الأحداث في البلاد، عامًا بعد آخر، أن أي حديث عن سلام شامل دون التطرق المباشر لمعالجة الأسباب العميقة للصراع لا يعدو كونه طرحًا نظريًا بعيدًا عن الواقع المعاش.
فمنذ اندلاع الأزمة، ظلت قضية شعب الجنوب جوهرًا أساسيًا في معادلة الاستقرار، لا يمكن تجاوزه أو القفز عليه. إنها ليست مجرد مطالبة مرحلية، بل هي أحد أهم مفاتيح الحل السياسي وأبرز القضايا التي حملت في طياتها تراكمات تاريخية وسياسية واجتماعية امتدت لعقود.
يؤكد المجلس الانتقالي الجنوبي في مختلف مواقفه، أن السلام في البلاد ليس مجرد اتفاق يُوقّع أو تفاهمات تُعلن، بل هو عملية شاملة ترتكز على الاعتراف بالحقوق المشروعة لكل الأطراف. وفي مقدمة هذه الحقوق يأتي حق الجنوبيين في استعادة دولتهم كاملة السيادة كما كانت قبل 21 مايو 1990م. إن تجاهل هذه الحقيقة التاريخية والسياسية هو ما أبقى النزاع يدور في دوائر مفرغة.
فشل الحلول الجزئية وتعميق الأزمة
أثبتت التجربة الممتدة على مدى عقود أن الحلول التي تتجاهل جوهر القضية الجنوبية لا يمكن أن تحقق الاستقرار المنشود. لقد كان تجاهل الحق الجنوبي عاملًا مباشرًا في إنتاج مزيد من التوترات، بدلًا من التئام الجراح.
عواقب تجاوز الإرادة الشعبية
إن محاولات فرض أُطر سياسية لا تعبّر عن الإرادة الشعبية في الجنوب لم تحقق أي استقرار ملموس. بل على العكس، فقد أدت إلى:
تعميق الفجوة وزيادة عدم الثقة بين الأطراف.
زيادة تعقيدات الأزمة بدلًا من تفكيكها.
إعادة تدوير المشكلة وإتاحة الفرصة للقوى المعادية للاستقرار لاستغلال هذا التوتر.
يؤكد المجلس الانتقالي مرارًا على أن السلام العادل والمستدام يجب أن يبدأ من معالجة جذور الأزمة، وليس من معالجة أعراضها الظاهرة. فالإصرار على تجاهل أن قضية شعب الجنوب هي قلب المعادلة، يعني حكمًا أن أي اتفاق سياسي لن تكون له القدرة على الصمود أو تحقيق تطلعات الشعوب.
ضرورة إقليمية لاستعادة الاستقرار
الجنوب يرى أن استعادة دولة الجنوب ليست خيارًا سياسيًا محليًا فحسب، بل هي ضرورة إقليمية لبناء منظومة مستقرة. هذه الاستعادة من شأنها:
كفالة الأمن والتنمية في منطقة استراتيجية ذات أهمية عالمية.
قطع الطريق أمام دوائر الصراع والتداخلات الإقليمية المدمرة.
خلق توازن في القوى يمنع الهيمنة أو الإقصاء، وهو ما يعزز السلام الدائم.
المقاربة الواقعية للحل الشامل
تتطلب معالجة جذور الأزمة في البلاد مقاربة واقعية لا تستند إلى الشعارات أو الأطروحات النظرية، بل إلى المتغيرات على الأرض والحقائق التاريخية التي تجاوزتها الوقائع.
استعادة الدولة كأساس للترتيبات السياسية الجديدة
يؤكد الطرح الجنوبي أن استعادة دولة الجنوب تمثل الأساس الذي يمكن من خلاله بناء ترتيبات سياسية جديدة. هذه الترتيبات تتسم بـ:
ضمان إدارة رشيدة للموارد، بعيدًا عن الفساد والهيمنة المركزية التي كانت سببًا في الأزمة الاقتصادية.
وضع حد للتداخلات التي كانت سببًا في تعثر أي مسار سلمي سابق.
تسهيل عملية الانتقال السياسي الناجح من مرحلة النزاع إلى مرحلة بناء الدولة.
الاعتراف بـالحق الجنوبي في تقرير المصير يسهم بشكل مباشر في خلق بيئة سياسية أكثر توازنًا، حيث تكون كل الأطراف شريكة في صناعة مستقبلها بـعدالة ومساواة، وهو ما يمثل ركيزة مهمة للوصول إلى سلام دائم لا ينهار عند أول اختبار.
السلام الحقيقي يمر عبر الجنوب
الخلاصة التي يشدد عليها الجنوب هي أن طريق السلام الحقيقي في البلاد يمر عبر الجنوب. ومن دون معالجة قضيته وفق حلول عادلة تضمن استعادة الدولة، سيظل النزاع يدور في دوائر مفرغة من العنف وعدم الاستقرار. إن هذا التمسك ليس عنادًا سياسيًا، بل هو فهم واقعي لتاريخ المنطقة وجغرافيتها وتكوينها الاجتماعي والسياسي.
الاعتراف بالحقيقة كخطوة أولى نحو مستقبل آمن
إن الاعتراف بالحقيقة بأن قضية الجنوب هي المفتاح الرئيسي للسلام هو الخطوة الأولى والأكثر أهمية نحو انتقال سياسي ناجح. هذا الاعتراف يفتح الباب واسعًا أمام صناعة مستقبل مستقر وآمن، وهو ما يتطلع إليه الجنوبيون ومعهم كل القوى الإقليمية والدولية المعنية بأمن هذه المنطقة الحيوية.
لقد أثبتت الوقائع أن إرادة الجنوبيين في استعادة دولتهم ليست مجرد شعار، بل هي قوة دافعة قادرة على بناء منظومة أمنية واقتصادية تخدم المنطقة بأسرها. تجاهل هذه القوة يعني الإبقاء على حالة الفوضى التي تستفيد منها قوى التطرف والإرهاب. ولهذا، فإن الحكمة تقتضي المضي قدمًا نحو حل جذري يعترف بالحقوق التاريخية والمشروعة.
انضموا لقناة متن الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا https://t.me/matnnews1
