الإرادة الشعبية هي المرجعية: الجنوب يشدد على رفض الوصاية والإملاءات لتحديد شكل ومستقبل دولته
مع تزايد الدعوات الدولية لإطلاق مسار سياسي جديد في البلاد، تتجه الأنظار نحو شكل العملية المقبلة وأسسها، وتحديدًا القوى التي يجب أن تُمثَّل فيها كأطراف رئيسية لصياغة المستقبل.
في هذا السياق، أصبح من الضروري التأكيد على أن أي عملية سياسية قادمة لن تكون ناجحة ما لم تتسم بـ الشمولية بمعناها الحقيقي، وأن تكون قادرة على استيعاب مكونات المشهد كافة. في طليعة هذه المكونات يبرز الجنوب، الذي بات يمثل عنصرًا محوريًا لا يمكن تجاوزه في معادلة الاستقرار الشامل.
يتطلب الانتقال إلى مرحلة سلام حقيقي تجاوز الأطر القديمة وتبني إطار حديث يستوعب التحولات العميقة التي وقعت خلال سنوات الحرب، وفي القلب منها قضية حق الشعب الجنوبي في تقرير مصيره.
الجنوب: حضور سياسي وشعبي لا يمكن تجاهله
لقد أفرزت سنوات الحرب وقائع جديدة على الأرض لم تعد تتوافق مع التصورات السياسية التي قامت عليها المبادرات السابقة (مثل مبادرة الخليج أو مخرجات الحوار الوطني).
حضور راسخ: يمتلك الجنوب اليوم حضورًا سياسيًا وشعبيًا ومؤسسيًا لا يمكن تجاهله أو التعامل معه كقضية فرعية. هذا الحضور يستند إلى إرادة جماهيرية واسعة تطالب بإعادة صياغة مستقبلها السياسي.
المرجعية الشعبية: تتمحور مطالب الجنوب حول حق الشعب الجنوبي في تقرير مصيره بحرية كاملة، وهي إرادة تُعد المرجعية الأهم في بناء الاستقرار ولا يمكن أن تُقاد بالإملاءات أو الوصاية.
فشل المسارات الجزئية: تؤكد التجارب السابقة أن تجاهل الجنوب أو التعامل معه كـ قضية فرعية داخل العملية السياسية أدى حتمًا إلى فشل كل المسارات التي حاولت تقديم حلول جزئية غير مستدامة.
متطلبات نجاح العملية السياسية المقبلة
لكي تنجح الدعوات الدولية في إنتاج تسوية حقيقية لا تعيد تدوير الأزمة، يجب أن ترتكز العملية السياسية الجديدة على ثلاثة أسس رئيسية:
تجاوز الأطر القديمة
يستوجب بناء عملية سياسية جديدة تجاوز الأطر القديمة التي لم تعد تعكس الواقع. يجب الانتقال إلى إطار حديث يستوعب التحولات العميقة التي وقعت خلال سنوات الحرب، ويقر بوجود قوى جديدة فرضت نفسها على الساحة.
الاعتراف بالجنوب كطرف رئيسي
يتطلب نجاح أي عملية دولية جديدة الاعتراف بالجنوب كطرف رئيسي يمتلك:
رؤيته الخاصة: له الحق في طرح رؤيته للمستقبل دون ضغوط.
قضيته المستقلة: التعامل مع القضية الجنوبية كجوهر للأزمة وليس ملفًا ثانويًا.
قدرته على المشاركة: تمكينه من المشاركة الفاعلة في صياغة ترتيبات ما بعد الصراع.
ضمان حق تقرير المصير
الأهم هو أن تتيح العملية السياسية المقبلة للجنوبيين فرصة تحديد شكل ومستقبل دولتهم دون ضغوط أو وصاية، سواء كانت محلية، عربية، أو دولية. فالشعوب تُمنح الحق في الاختيار والتحاور، وهو ما يشكل الأساس لأي تسوية مستدامة.
الشمول والمساواة: الأساس للسلام الحقيقي
الهدف الأسمى من المسار السياسي القادم هو الانتقال نحو مرحلة سلام حقيقي. وهذا يتطلب مسارًا سياسيًا يقوم على مبادئ أساسية:
الشمول والمساواة: يجب أن تضمن العملية تمثيلًا شاملًا ومتساويًا لجميع الأطراف الفاعلة، والابتعاد عن الإقصاء أو التهميش المتعمد.
الاعتراف بالحقوق الوطنية: يجب أن يكون المسار السياسي منصة للاعتراف بالحقوق الوطنية لجميع الشعوب المتأثرة بالصراع، وفي مقدمتها الحق الجنوبي.
بناء مستقبل آمن ومستقر: من دون ضمان تمثيل الجنوب كطرف رئيسي وتمكين شعبه من ممارسة حقه في تقرير مصيره، ستظل أي عملية سياسية معرضة للاهتزاز، وغير قادرة على بناء مستقبل آمن ومستقر.
مفتاح الاستقرار بيد الإرادة الشعبية
في الختام، تتلخص متطلبات نجاح العملية السياسية القادمة في الاعتراف بأن الجنوب ليس مجرد منطقة جغرافية، بل كيان سياسي يمتلك إرادة جماهيرية واضحة. إن تجاوز الأطر القديمة والاعتراف بحق الشعب الجنوبي في تحديد مستقبله بحرية كاملة هما الضمانة الوحيدة لترسيخ السلام العادل والمستدام في المنطقة، وإلا ستستمر دوامة الصراع.
انضموا لقناة متن الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا https://t.me/matnnews1
