استعادة الدولة.. ضرورة لا تهميش: لماذا لم يعد الجنوب "حالة قابلة للتهميش" في المعادلة اليمنية؟

شعب جنوب اليمن
شعب جنوب اليمن

في خطوة إيجابية تعكس الإدراك الدولي المتزايد لضرورة إنهاء الصراع، وجه مجلس الأمن الدولي دعوة صريحة لوقف الحرب في اليمن وتهيئة الظروف اللازمة لإطلاق عملية سياسية شاملة. 

هذا التوجه يؤكد أن المسار العسكري قد استنفد قدرته على إنتاج أي تسوية، وأن العودة إلى طاولة الحوار أصبحت الخيار الأكثر واقعية لإنقاذ البلاد من مزيد من الانهيار. ومع ذلك، يواجه هذا المسار تحديًا جوهريًا يتمثل في المرجعيات التي يجب أن يقوم عليها الحوار، حيث لم تعد المبادرات السابقة قادرة على استيعاب التحولات العميقة التي أفرزتها سنوات الحرب، لا سيما فيما يتعلق بقضية شعب الجنوب.

مرجعيات تجاوزها الزمن: مبادرة الخليج ومخرجات الحوار 2013

يشدد المراقبون والمحللون على أن نجاح أي انتقال سياسي حقيقي يتطلب التحرر من الأطر السياسية القديمة التي سبقت اندلاع النزاع.

خارج السياق الواقعي: أصبحت كل من مبادرة مجلس التعاون الخليجي ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني 2013 خارج السياق الواقعي اليوم. فهاتان المرجعيتان لم تعودا قادرتين على استيعاب التحولات العميقة التي شهدتها المنطقة بعد سنوات الحرب الطويلة.

صيغت قبل النزاع: تم صياغة هذه المبادرات قبل اندلاع النزاعات الأخيرة، وبالتالي لم تتضمن أي رؤية جادة أو آلية فاعلة لـ معالجة قضية شعب الجنوب أو الاعتراف بحقوقه السياسية والتاريخية.

ملف ثانوي: أثبتت التجربة أن المرجعيات السابقة لم تقدم أفقًا حقيقيًا لحل القضية الجنوبية، بل تعاملت معها بوصفها ملفًا ثانويًا يمكن تجاوزه ضمن ترتيبات سياسية عامة، وهو ما أسهم في تجدد الصراع.

الواقع الجديد: الجنوب ليس قابلًا للتهميش

أثبتت السنوات الماضية أن الجنوب لم يعد حالة سياسية قابلة للتهميش أو مجرد جزء فرعي في المعادلة اليمنية. فقد فرضت الحرب وقوى الإرادة الشعبية حقائق ميدانية جديدة لا يمكن تجاهلها:

طرف رئيسي: الجنوب هو اليوم طرف رئيسي في أي تسوية، يمتلك هوية سياسية واضحة وتطلعات ثابتة نحو استعادة دولته المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها عدن.

كيانات فاعلة: لم تعد المرجعيات السابقة تعكس الحقائق الميدانية والسياسية التي فرضتها الحرب، حيث نشأت قوى جديدة وتغيرت بنية النفوذ.

ترسيخ الحضور: برزت كيانات قادرة على إدارة مناطقها وفرض إرادتها الشعبية، أبرزها المجلس الانتقالي الجنوبي الذي رسخ حضوره السياسي والمؤسسي كمرجعية تمثيلية لشعب الجنوب.

إن تجاهل هذه التحولات والتمسك بـ وثائق تجاوزها الزمن سيعني حكمًا بالفشل على أي عملية سياسية مقبلة، وإعادة لتدوير الأزمة.

دعوة مجلس الأمن: فرصة لمعالجة جذور الأزمة

تمثل دعوة مجلس الأمن الدولي الأخيرة إلى وقف الحرب نقطة انطلاق مواتية، لكن نجاحها مرهون بإعادة صياغة العملية السياسية لتنطلق من الواقع الراهن وتضمن الاستدامة.

مرجعيات حديثة: يتطلب نجاح أي انتقال سياسي حقيقي تبني مرجعيات حديثة تنطلق من الحقائق الميدانية بدلًا من العودة إلى وثائق تجاوزها الزمن.

مفتاح الاستقرار: إن معالجة جذور الأزمة في المنطقة تتطلب وضع قضية شعب الجنوب في القلب من أي مفاوضات، باعتبارها مفتاح الاستقرار الشامل والمستدام. أي حل يتجاوز هذا الجذر لن يقود إلا إلى مزيد من الفوضى.

عملية شاملة: يجب أن تكون العملية السياسية القادمة شاملة وتمثيلية لجميع القوى الفاعلة على الأرض، بعيدًا عن حصرها في أطر ثنائية أو ضيقة.

متطلبات الانتقال من الصراع إلى الحل

على الرغم من الأهمية الكبيرة لدعوة مجلس الأمن بوقف الحرب، يبقى التحدي الأكبر هو بناء مرجعية تفاوضية جديدة تعترف بالحق الجنوبي وواقع القوى على الأرض. لقد أثبتت التجربة أن الالتفاف على قضية استعادة الدولة الجنوبية ليس حلًا، بل هو سبب رئيسي في دوامة الصراع المتكرر. بالتالي، فإن نجاح المرحلة القادمة يقترن بالانتقال من التسويات الشكلية إلى معالجة عادلة لجذور الأزمة، بما يضمن بناء مستقبل مستقر يحترم تطلعات الشعوب.

انضموا لقناة متن الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا https://t.me/matnnews1