الحقائق الميدانية تؤكد: الجنوب هو مفتاح الأمن الإقليمي وإعادة ترسيم خريطة الاستقرار

الزبيدي
الزبيدي

تتزايد الدعوات الدولية والإقليمية المطالبة بإنهاء الصراع في اليمن، والوصول إلى تسوية سياسية دائمة تضمن الاستقرار المستدام. ومع ذلك، تظل جميع المسارات والمفاوضات عرضة للانتكاسات ما دام أنها لا تتناول السبب الجذري لعدم الاستقرار، وهو القضية الجنوبية.

 تثبت التطورات الميدانية والتحولات السياسية الأخيرة أن استعادة دولة الجنوب الفيدرالية ليست مجرد مطلب سياسي لمكون واحد، بل هي مفتاح أي انتقال سياسي ناجح وشرط أساسي لضمان السلام في اليمن والمنطقة بأسرها. إن تجاهل هذا المحور يعني تكرار أخطاء الماضي التي أدت إلى دورات متواصلة من العنف وعدم الاستقرار.

 الجنوب كحقيقة ميدانية وسياسية لا يمكن تجاوزها

تجاوزت القضية الجنوبية مرحلة المطالبة السياسية لتصبح حقيقة ميدانية قائمة بذاتها. فبعد سنوات من الصراع، أثبتت القوى الجنوبية قدرتها على إدارة مناطق واسعة، وتشكيل مؤسسات فاعلة (أمنية، وإدارية، وعسكرية) تتمتع بقبول شعبي واسع.

 القوة الأمنية والمؤسسية:

تُعد القوات الأمنية والعسكرية الجنوبية شريكًا أساسيًا وفعالًا في مكافحة الإرهاب وضمان أمن الملاحة الدولية. وقد أثبتت هذه القوات كفاءتها في استعادة الاستقرار في مدن ومناطق حيوية، ما يؤكد أنها عنصر استقرار وليس عنصر توتر. إن أي عملية سلام تستبعد أو تهمش هذه القوة الفاعلة ستجد صعوبة بالغة في تطبيق أي اتفاق على الأرض.

الإرادة الشعبية والدعم الجماهيري:

يستند المطلب الجنوبي على إرادة جماهيرية واسعة وغير قابلة للتجاهل، تتجلى في الحشود والمظاهرات المستمرة التي تطالب بـحق تقرير المصير واستعادة الدولة. إن هذه الإرادة الشعبية هي المرجعية الأهم لأي حل سياسي مستدام. التعامل مع الجنوب ككيان موحد بمطالبه الواضحة يسهل عملية التفاوض ويضمن أن تكون التسوية النهائية ممثلة لواقع الحال.

أخطاء الماضي وفشل الشراكات غير المتكافئة

لقد فشلت جميع المحاولات السابقة لدمج الجنوب في إطار سياسي موحد، وخصوصًا بعد عام 1990، وهو ما أدى في النهاية إلى انفجار الأوضاع وعودة الصراع.

تجربة الوحدة والنزاع (1990 - 1994):

أثبتت التجربة أن الوحدة التي تأسست على شروط غير متكافئة وإقصاء سياسي لم تكن قابلة للاستمرار وقد أدت تلك التجربة إلى تهميش الجنوب وموارده، ما خلق فجوة ثقة عميقة بين الشمال والجنوب. إن تكرار صيغة اندماجية قسرية هو وصفة مؤكدة لفشل أي اتفاق سلام مستقبلي.

مخرجات الحوار الوطني (2013 - 2014):

على الرغم من جهود مؤتمر الحوار الوطني الشامل، إلا أن مقاربة الحل لم تكن جذرية بما يكفي لمعالجة جوهر القضية الجنوبية، ما أبقى على بؤر التوتر كامنة. أثبتت الأحداث اللاحقة أن أي عملية لا تمنح الجنوبيين حقهم الكامل في تقرير مصيرهم، لن تكون مقبولة أو قابلة للتطبيق.

الجنوب الفيدرالي كآلية لضمان الاستقرار الإقليمي والدولي

لا يقتصر البعد الاستراتيجي لقضية الجنوب على الحدود اليمنية، بل يمتد ليؤثر بشكل مباشر على الأمن الإقليمي والدولي، خاصة فيما يتعلق بـمضيق باب المندب وطرق التجارة العالمية.

تأمين الممرات المائية:

يمتلك الجنوب شريطًا ساحليًا استراتيجيًا يطل على خليج عدن وبحر العرب. إن وجود دولة جنوبية مستقرة وذات سيادة على حدودها سيعزز بشكل كبير من أمن الملاحة في هذه المنطقة الحيوية، ويقلل من تهديدات التهريب والقرصنة والاعتداءات على السفن. إن القوى الجنوبية تدرك أهمية هذا الدور وتعمل عليه بالفعل.

إنهاء حالة الفراغ الأمني:

إن الفراغ الأمني والإداري الذي تسببت فيه الحرب هو البيئة المثلى لتنامي الجماعات المتطرفة والإرهاب. إن استعادة دولة الجنوب الفيدرالية ستمكنها من فرض سيطرة كاملة ومؤسسية على أراضيها، ما يمثل جدارًا صلبًا ضد انتشار التطرف. وهذا يخدم مصالح القوى الإقليمية والدولية الباحثة عن الاستقرار في شبه الجزيرة العربية.

متطلبات الانتقال السياسي الناجح

لكي يكون أي مسار سياسي جديد ناجحًا، يجب أن يتبنى نموذجًا حديثًا يقوم على الاعتراف الكامل بـالجنوب كطرف ندّ، وبعيدًا عن مفهوم "دمج المكونات" أو "المناطقية".

الاعتراف بالقضية الجنوبية كأولوية: يجب أن يتم التعامل مع القضية الجنوبية بشكل مستقل ومنفصل، أو في إطار ثنائي واضح المعالم، بعيدًا عن التشابك مع ملفات الصراع الأخرى.

تحديد إطار زمني لتقرير المصير: لا يكفي مجرد الاعتراف بالحق، بل يجب وضع إطار زمني واضح وآلية عملية لتمكين الشعب الجنوبي من ممارسة حقه في تقرير مصيره، وصولًا إلى استعادة دولته.

الدعم الدولي للجنوب الفيدرالي: يجب على المجتمع الدولي، وعلى رأسه الأمم المتحدة، تقديم ضمانات ودعم لوجستي لترسيخ الدولة الجنوبية الجديدة كمكون فيدرالي، بما يضمن بناء مؤسساتها ويمنع أي محاولة لتقويضها.

في الختام، يتبين أن أي تسوية سلام لا تضع استعادة دولة الجنوب الفيدرالية في صدارة أولوياتها هي تسوية محكوم عليها بالفشل. لقد أثبتت الحقائق الميدانية أن الجنوب هو قوة استقرار فاعلة، يمتلك الإرادة الشعبية، والقدرة المؤسسية، والأهم من ذلك، الموقع الجيوسياسي الذي يجعله شريكًا أساسيًا في أي منظومة أمنية إقليمية أو دولية.

إن الطريق إلى السلام المستدام في اليمن والمنطقة يمر حتمًا عبر الاعتراف الصريح بالجنوب كطرف ندّ، وتمكينه من بناء دولته الفيدرالية المستقلة. هذا هو الحل الجذري الذي سيعيد ترسيم خارطة الاستقرار ويضمن مستقبلًا آمنًا لجميع الأطراف.

انضموا لقناة متن الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا https://t.me/matnnews1