عيدروس الزُبيدي والثبات على المبدأ.. كيف تحول الصمود إلى قوة استراتيجية للجنوب؟

عيدروس الزُبيدي
عيدروس الزُبيدي

تُمثّل دعوة مجلس الأمن الدولي الأخيرة إلى وقف الحرب وتهيئة الظروف المواتية لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن خطوة إيجابية ومحورية. 

هذه الدعوة تعكس بوضوح إدراك المجتمع الدولي المتنامي لضرورة الانتقال من دوامة الصراع العسكري المُنهِك إلى وضع حلول سياسية وعملية قادرة على تحقيق الاستقرار.

هذا التوجه الدولي يعيد التأكيد على حقيقة راسخة مفادها أن المسار العسكري قد استنفد قدرته بالكامل على إنتاج أي تسوية دائمة أو حقيقية. بالتالي، فإن العودة الجادة إلى طاولة الحوار والتفاوض السياسي أصبحت الخيار الأكثر واقعية وإلحاحًا لإنقاذ اليمن وشعوبه من المزيد من الانهيار الاقتصادي والإنساني، ووضع حد للاقتتال الذي طال أمده.

تحدي المرجعيات القديمة: لماذا لم تعد مبادرة الخليج كافية؟ 

على الرغم من الأهمية القصوى لهذا المسار السياسي، إلا أنه لا يمكن اختزاله أو حصره في إطار المرجعيات التقليدية التي فقدت صلاحيتها. إن محاولة الالتزام الحرفي بـ مبادرة مجلس التعاون الخليجي أو بـ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني 2013 تُعتبر اليوم محاولة للعودة إلى الماضي، وهو ما سيعيق أي تقدم حقيقي نحو السلام.

المرجعيات خارج السياق الواقعي 

لقد أصبحت هاتان المرجعيتان عمليًا خارج السياق الواقعي والسياسي الحالي. فهما لم تعودا قادرتين على استيعاب أو التعامل مع التحولات العميقة والجذرية التي أفرزتها سنوات الحرب الطويلة، خصوصًا فيما يتعلق بـ قضية شعب الجنوب.

الواقع الميداني والسياسي الجديد يتجاوز تلك المبادرات التي صيغت ونُظّمت قبل اندلاع النزاعات الأخيرة بسنوات. من أكبر أوجه قصورها أنها لم تتضمن أي رؤية جادة أو خطة عمل واضحة لـ معالجة قضية شعب الجنوب، كما أنها لم تذهب إلى حد الاعتراف بحقوقه السياسية والتاريخية الثابتة في استعادة دولته.

تجاهل القضية الجنوبية: خطأ استراتيجي 

لقد أثبتت التجربة الممتدة منذ عام 2011 أن مبادرة الخليج ومخرجات الحوار لم تقدما أفقًا حقيقيًا وواضحًا لحل القضية الجنوبية. بل على العكس، تعاملتا معها بوصفها مجرد "ملف ثانوي" يمكن احتواؤه أو تجاوزه أو تأجيله ضمن ترتيبات سياسية عامة وغير مُلزِمة.

إلا أن السنوات الماضية قد قدّمت دليلًا دامغًا على أن الجنوب ليس حالة قابلة للتهميش، ولا يمكن اعتباره مجرد جزء فرعي في المعادلة اليمنية. لقد رسخ الجنوب نفسه كـ طرف رئيسي وفاعل يمتلك هوية سياسية واضحة، ورؤية موحدة، وتطلعات ثابتة نحو استعادة دولته المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها عدن. إن تجاهل هذا الواقع الجديد هو وصفة مؤكدة لفشل أي عملية سلام قادمة.

 الواقع الميداني الجديد: المجلس الانتقالي كشريك لا يمكن تجاوزه

إن المرجعيات السابقة لا تعكس أيضًا الحقائق الميدانية والسياسية التي فرضتها سنوات الحرب على الأرض. لقد أسفر الصراع عن نشأة قوى جديدة فاعلة، وتغيرت بنية النفوذ التقليدية، وبرزت كيانات قادرة على إدارة مناطقها وإعادة بناء مؤسساتها وفرض إرادتها الشعبية.

هذا التبلور السياسي والمؤسسي تجلى بأوضح صوره في الجنوب، الذي رسخ حضوره السياسي والمؤسسي من خلال كياناته الفاعلة، وفي مقدمتها المجلس الانتقالي الجنوبي.

المجلس الانتقالي كواقع سياسي مؤسسي

لقد أصبح المجلس الانتقالي، بقيادته الموحدة ودعمه الشعبي الواسع، حقيقة سياسية ومؤسسية على الأرض، يمتلك قوة عسكرية وتنظيمية وسياسية لا يمكن لأي مفاوضات قادمة أن تتجاهلها. إن أي عملية سياسية شاملة لا تدرج المجلس الانتقالي كطرف أصيل وحامل لـ قضية شعب الجنوب ستكون عملية ناقصة ومحكوم عليها بالفشل.

ضرورة مرجعيات تنطلق من الراهن

لذلك، فإن نجاح أي انتقال سياسي حقيقي ومستدام يتطلب بالضرورة صياغة مرجعيات حديثة وواقعية. يجب أن تنطلق هذه المرجعيات من الواقع الراهن المعقد ومن التوازنات الجديدة التي أفرزتها الحرب، وليس من وثائق تجاوزها الزمن وفشلت في تحقيق السلام والاستقرار في الماضي.

فرصة مجلس الأمن: إعادة صياغة العملية السياسية 

إن دعوة مجلس الأمن الأخيرة لا ينبغي أن تُفسر على أنها مجرد نداء لوقف إطلاق النار، بل يجب أن تُفهم على أنها فرصة تاريخية لإعادة صياغة العملية السياسية برمتها. هذه الصياغة الجديدة يجب أن تضمن معالجة جذور الأزمة العميقة، وفي القلب منها تقع قضية شعب الجنوب.

يجب أن يُنظر إلى قضية شعب الجنوب باعتبارها مفتاح الاستقرار الشامل والمستدام للمنطقة بأكملها. إن تحقيق السلام لن يتم إلا من خلال الاعتراف بحق الجنوب في تقرير مصيره كخطوة أولى نحو التوصل إلى حل عادل ودائم ينهي الصراع بشكل نهائي ويحقق تطلعات شعوب المنطقة.

ضمانات دولية لنجاح المسار الجديد 

لضمان نجاح المسار السياسي الجديد، يجب أن يتضمن القرار الدولي آليات وضمانات واضحة تضمن:

تمثيل عادل وفعال: إشراك المجلس الانتقالي الجنوبي كشريك رئيسي في كل مراحل التفاوض.

معالجة القضية الجنوبية: وضع قضية شعب الجنوب على رأس جدول الأعمال كأولوية لا يمكن تأجيلها.

إطار زمني واضح: تحديد إطار زمني للوصول إلى اتفاق نهائي يضمن استعادة الدولة الجنوبية.

إن الوقت قد حان ليتجاوز المجتمع الدولي حالة الإنكار السياسي وأن يواجه الحقائق الميدانية التي رسخها الشعب الجنوبي بتضحياته. لا يمكن شراء السلام بالتقسيط المؤجل، بل يجب أن يُبنى على العدل والاعتراف بالحقوق.

انضموا لقناة متن الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا https://t.me/matnnews1