حرب الخدمات في جنوب اليمن.. كيف يصمد شعب الجنوب في وجه سياسات الإفقار الممنهجة؟
في خضمّ التحديات الثقيلة التي يواجهها الجنوب العربي، يقف شعبه صامدًا أمام ما يمكن وصفه بـ حرب خدماتية ممنهجة تشنّها قوى الاحتلال اليمني، في محاولة لتأزيم الأوضاع المعيشية وضرب إرادة النهوض.
هذا الصمود ليس مجرّد ردّ فعل عابر، بل استراتيجية شعبية تُثبّت أن الجنوب العربي لديه القدرة على مواجهة الأزمات التي استُحدثت ضده، وتحويلها إلى دافع لبناء مستقبل أفضل.
سياسة الإفقار كأداة للتثبيط
تشير دراسات تحليلية إلى أن الأزمة الاقتصادية في جنوب اليمن تزداد تفاقمًا بسبب التداخل بين الصراع السياسي والهشاشة الاقتصادية، حيث تعاني غالبية السكان من عدم وصول الخدمات العامة الأساسية.
وفي هذا السياق، يتمّ توظيف نقص الخدمات – من الكهرباء والمياه إلى الصحة والتعليم كأداة ضغط وتأخير؛ بحيث يُرغم المواطن الجنوبي على دفع كلفة الانهيار بدلًا من أن يكون مستفيدًا من التنمية.
في الواقع، فإن تعطّل الخدمات لا يُعزى فقط إلى ضعف البنية التحتية أو الحرب المباشرة، بل إلى تغييب إرادة الدولة وإضعاف مؤسساتها تحت تأثير القوى التي احتلت الجنوب أو عرقلت إمكاناته. وبهذا، يتحوّل المواطن من طرف فاعل إلى طرف متأثر – وهو ما يعمّق شعور التبعية والحرمان.
صمود الجنوب العربي وإرادة النهوض
رغم كل ما سبق، يُظهر الجنوب العربي قدرة لافتة على الصمود، ورفض أن يكون مجرد متفرّج على مأساة الخدمات التي تُجرى عليه. فثمة جهود شعبية ومجتمعية – مدعومة من جهة بقيادة سياسية محلية – تعمل على إحياء المشاريع الخدمية وتفعيل المؤسسات التي ما تزال تعمل، ولو بموارد محدودة.
وقد تزامن هذا الصمود مع تحرّك سياسي واضح يقوده أهل الجنوب، يقولون فيه بصوت مرتفع: إن معركة البناء والمعيشة هي جزء من معركة الحرية والكرامة.
وفي هذا الإطار، فإن العمل المجتمعي الخدمي يُعدّ أحد أدوات مقاومة الإفقار، حيث يُنظّم المواطن ويُشارك في إحياء خدمات تعليمية وصحيّة وتوزيع موارد منقوصة، بدل أن يكون منتظرًا لوصول المعونات فقط.
دلالات حرب الخدمات وتأثيرها على الاستقرار
إن سياسات تعطيل الخدمات لا تُعتبر فقط أداة فقر، بل استراتيجية تغيير ديموغرافي ومعنوي تهدف إلى تقويض الثقة بين المواطن والقيادة، وخلق فراغ سياسي يُسهّل الهيمنة على الجنوب وإخضاعه لأسس غير وطنية.
فمن خلال تيئيس الناس من الخدمات الأساسية، تُزرع فكرة أن الدولة (أية دولة) عاجزة، وأن الاعتماد على الذات أو على القيادة المحلية ضعيف، مما يفتح المجال لاستقطاب بدائل – سواء محلية أو خارجية – تمثّل محاولات إعادة إنتاج هيمنة.
ولذلك، فإن مقاومة حرب الخدمات تُعدّ جزءًا لا يتجزأ من معركة الهوية والمصير، فالشعب الجنوبي يرى أن تأمين الخدمات وتعزيز مؤسسات الدولة هو شرط للتمتع بالحقوق والمشاركة الحقيقية في القرار، ولا يمكن فصل ذلك عن نضاله السياسي.
دور القيادة المحلية في إعادة فرض المعادلة
أمام هذا الواقع، برزت قيادة محلية جرت على نفسها أن تجعل من رفع المعاناة وتحسين الخدمات أولوية وطنية، ليس من منطلق الوعود، بل من خلال مبادرات فعلية في الجنوب العربي؛ سواء بإطلاق المشاريع الخدمية، أو بالتنسيق مع المجتمع المدني، أو بتحشيد الموارد الذاتية للمناطق التي تُعاني من انقطاع دائم.
وفي هذا الإطار، فإن تفعيل مؤسسات الدولة أو ما يمكن أن يُعدّ جهازًا إداريًا في المحافظات الجنوبية – رغم القيود – يمثل رسالة قوية بأن الجنوب لا يقبل أن يكون منطقة خدمات مفقودة أو متروكة، بل يؤسس لمنظومة حوكمة محلية قادرة على التفاعل مع التحديات.
كيف يمكن أن يُعزز الجنوب خياراته؟
لرفع وتيرة الصمود وتحويلها إلى نهوض حقيقي، فإن هناك محاور يُمكن التركيز عليها:
تعبئة المجتمع المدني والمحلي: بتعزيز مشاركة المجتمعات المحلية في التخطيط والتنفيذ، وتبني مبادرات مصغّرة للخدمات (كالكهرباء الصغيرة، المياه، التعليم المجتمعي) يمكن أن تخفف من الضغوط على الوسائل التقليدية.
ترشيد الموارد والإيرادات المحلية: بحيث تُحوّل الأموال التي تُجمع أو تُخصص للسُلطات المحلية نحو تحسين الخدمات مباشرة، مع شفافية عالية، لتعزيز الثقة.
الشراكات الإقليمية والدولية: استقطاب دعم خارجي ضمن مبادرات تنموية تستهدف تحسين جودة الحياة، لكن يُشترط أن تكون تحت إدارة الجنوب، لا كمعونات تحفظ النفوذ الخارجي فقط.
ربط قضية الخدمات بقضية الدولة والهوية: بحيث لا تُعزل الخدمات عن المشروع السياسي للجنوب، بل يُفهم المواطن أن حصوله على خدمة يعني استعادة كرامته وحقه في القرار.
تُعدّ حرب الخدمات التي يشنّها قوى الاحتلال اليمني ضد الجنوب العربي أحد أبرز الأسلحة السياسية – لكن شعب الجنوب العربي، بوعيّه وإرادته، يُحوّلها إلى المعركة التي لا تُفقده الأمل، بل تُزيده قوة.
إن صمود المجتمع وتحرك القيادة المحلية نحو إدارة الأزمة، يعكسان أن الجنوب ليس ضحية فقط، بل طرفٌ فعال يسعى لبناء نظامه المستقل: نظام يؤمن للمواطن خدمة، وكرامة، ومكانًا في القرار.
وبقدر ما يتمكّن الجنوب من تصعيد هذه المعركة – مع ترشيد الموارد وبناء المؤسسات المحليّة – بقدر ما تتراجع فرص الهيمنة التي تُستند إلى الحرمان والخدمات المعطّلة. فالأمن المعيشي ليس ترفًا، بل ركيزة الدولة التي يطالب بها شعب الجنوب، والتي يُراهن عليها في معادلة الاستقرار والنهوض.
انضموا لقناة متن الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا https://t.me/matnnews1
