سر نجاح حميد الشاعري: كيف قاد التوزيع الموسيقي بـ "السينثيزايزر"؟
لا يمكن الحديث عن تحولات الموسيقى العربية المعاصرة، خاصة في عقدي الثمانينات والتسعينات، دون التوقف طويلًا عند اسم حميد الشاعري. هذا الفنان الليبي الأصل والمصري الهوى، ليس مجرد مطرب أو موزع موسيقي، بل هو ظاهرة موسيقية متكاملة، لُقِّب بـ "الكابو" لكونه القائد والموجه لجيل كامل من المطربين والموسيقيين. تقريرنا هذا يسلط الضوء على مسيرة الشاعري الحافلة بالإنجازات، وتأثيره العميق على شكل ونوع الموسيقى التي استمع
من ليبيا إلى القاهرة: الميلاد وبداية المسيرة
وُلِد حميد مُنير الشاعري في بنغازي، ليبيا، عام 1961. كان شغفه بالموسيقى يشتعل منذ الصغر، مما دفعه إلى دراسة الطيران في بريطانيا، لكن قلبه ظل معلقًا بالنغم. بدأت انطلاقته الحقيقية عند انتقاله إلى مصر في أواخر السبعينات، حاملًا معه شغفًا بالآلات الموسيقية الإلكترونية والتوزيعات الحديثة التي لم تكن شائعة في الموسيقى العربية آنذاك.
في عام 1983، أصدر حميد الشاعري ألبومه الأول "عيونها" الذي حقق نجاحًا محدودًا، لكنه كان بمثابة إعلان عن وصول صوت جديد بلمسة توزيع مختلفة. لكن التحول الكبير جاء في منتصف الثمانينات، عندما قرر حميد أن يركز على دوره كـ موزع موسيقي ورائد للاتجاه الموسيقي الجديد.
حميد الشاعري والتوزيع الموسيقي: عصر الـ "سينثيزايزر" والإيقاعات الغربية
إن اللقب الأهم لـ حميد الشاعري الكابو هو "مجدد الموسيقى العربية". كان دوره ثوريًا:
إدخال الآلات الإلكترونية: يعتبر حميد أول من أدخل آلة السينثيزايزر (Synthesizer) والمؤثرات الصوتية الحديثة بشكل مكثف على الأغنية المصرية والعربية، مما منحها عمقًا وإيقاعًا غربيًا معاصرًا.
دمج الثقافات: نجح الشاعري ببراعة في دمج الإيقاع الليبي الأصيل والمقامات الشرقية مع الإيقاعات العالمية السريعة (مثل الـ "بوب" والـ "دانس")، خالقًا ما عُرف بـ موسيقى الجيل.
الـ "ميجا ميكس": اشتهر حميد بتقديم توليفة موسيقية (ميدلي) لأغانيه وأغاني المطربين الذين يتعاون معهم، مما عزز من شعبيته وقدرته على إعادة تقديم الأعمال بطريقة جذابة ومبتكرة.
مقولة شهيرة: "عندما كنت أُدخِل الإيقاعات الغربية، كان النقاد يهاجمونني. لكن الجمهور، وخصوصًا الشباب، كان يتقبلها ويطلب المزيد. كنت أرى المستقبل الموسيقي بعيني." - حميد الشاعري.
حميد الشاعري وصناعة النجوم في التسعينات
يُعد حميد الشاعري بمثابة "مصنع" لـ صناع النجوم في التسعينات. فبصمته التوزيعية كانت جواز مرور للعديد من الأصوات الجديدة نحو الشهرة والنجاح. قام "الكابو" بإنقاذ مسيرات فنية لبعض النجوم، وبدأ مسيرات أخرى من الصفر:
عمرو دياب: كان التعاون مع الشاعري في ألبومات مثل "ميال" (1988) و"شوقنا" (1989) و"متخافيش" (1990) نقطة تحول حاسمة، حيث انتقل دياب إلى العالمية بفضل التوزيعات الإيقاعية الحديثة.
محمد منير: قدم حميد توزيعات مختلفة لألبومات "الملك" منحت أغانيه بعدًا شبابيًا جديدًا، مثل "يا إسكندراني".
مصطفى قمر: يعتبر الشاعري الأب الروحي لمسيرة مصطفى قمر، حيث قام بتوزيع وإشراف كامل على أولى ألبوماته الناجحة.
إيهاب توفيق، هشام عباس، وعلاء عبد الخالق: شكّل هؤلاء مع حميد ما عُرف بـ "جيل الكابو" أو جيل موسيقى الشباب.
نجح حميد في تأسيس "صوت التسعينات"، وهو صوت يعتمد على الإيقاع السريع، التوزيع النظيف، والكورال القوي، مما ميّزه عن الموسيقى الكلاسيكية التي كانت سائدة.
أبرز ألبومات حميد الشاعري الفردية
على الرغم من انشغاله بالتوزيع للنجوم، لم يتوقف حميد الشاعري عن إصدار ألبومات حميد الشاعري الفردية الناجحة التي لا تزال خالدة حتى اليوم. من أبرزها:
"أكيد" (1986): ألبومه الذي وضع قدمه بقوة في عالم الغناء.
"جَنَّة" (1988): من أشهر أغاني حميد الشاعري التي لا تُنسى.
"روح السمارة" (1990): مزيج رائع من الإيقاعات الليبية والمصرية.
"شَكْلِي" (1991): احتوى على أغاني ضاربة عززت لقب "الكابو".
"قوّال" (1993): واحد من أنجح ألبوماته تجاريًا وفنيًا.
"عيني" (1997): ألبوم لاقى نجاحًا جماهيريًا كبيرًا.
ولا يمكن إغفال تعاونه الأيقوني مع صديقه الراحل علاء عبد الخالق في أغنيتي "جَمْع حبايب" و"قوللي" التي تعد من الأغاني الجماعية الأشهر في تاريخ الموسيقى العربية.
حميد الشاعري في الألفية الجديدة والتأثير المستمر
مع دخول الألفية الجديدة، وتطور التكنولوجيا الموسيقية، حافظ حميد الشاعري على نشاطه وتأثيره. شارك في لجان التحكيم ببرامج المواهب، واستمر في تقديم أعمال فنية، كما عاد مؤخرًا بقوة لإنتاج أعمال جديدة تُعيد ذكريات موسيقى الجيل، مع الحفاظ على لمسته التوزيعية المميزة التي جعلت منه أسطورة. يبقى حميد الشاعري ليس مجرد اسم عابر، بل هو مفتاح فهم التطور الذي حدث في الموسيقى العربية الحديثة.
انضموا لقناة متن الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا https://t.me/matnnews1
