الجنوب يستعيد روح ثورته.. الذكرى الـ62 لثورة 14 أكتوبر محطة جديدة في مسار التحرير
يستعد أبناء الجنوب لإحياء الذكرى الثانية والستين لثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة، في لحظة وطنية فارقة تمثل تتويجًا لمسيرة نضالٍ ممتدة منذ ستينيات القرن الماضي.
ففي الرابع عشر من أكتوبر عام 1963، انطلقت الشرارة الأولى للثورة من جبال ردفان الشامخة، حينما انتفض أبطال الجنوب ضد الاستعمار البريطاني الذي جثم على أرضهم أكثر من 129 عامًا. لم تكن الثورة حينها مجرد تمردٍ مسلح أو فعلٍ عابر، بل كانت تعبيرًا عن وعيٍ وطني متجذر، وإرادة جماعية أرادت أن تستعيد السيادة والكرامة.
من ردفان امتدت الثورة إلى كل مناطق الجنوب، حتى تحقق النصر في 30 نوفمبر 1967، برحيل آخر جندي بريطاني عن عدن، وإعلان ميلاد دولة الجنوب المستقلة. واليوم، بعد مرور أكثر من ستة عقود، يعود الجنوبيون لإحياء هذه الذكرى العظيمة بوعيٍ جديد وشعورٍ متجدد بالمسؤولية تجاه استكمال مشروعهم الوطني.
ثورة تتجدد.. والجنوب يعيد صياغة تاريخه
لا يحتفي الجنوبيون اليوم بذكرى أكتوبر كحدثٍ تاريخي فحسب، بل كـرمزٍ متجددٍ للمقاومة والتحرير. ففي ظل الواقع الراهن، يواجه الجنوب تحدياتٍ كبرى على المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية، لكنه في الوقت ذاته يخوض معركته الأخيرة نحو الاستقلال الثاني بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي نجح في تحويل الحلم إلى مشروع سياسي واقعي.
يقف الانتقالي اليوم باعتباره الممثل السياسي الأبرز لقضية الجنوب، مستندًا إلى إجماع شعبي واسع يتجلى في الحشود التي تملأ الساحات والميادين خلال المناسبات الوطنية. هذه الحالة من التماسك الشعبي تعيد إلى الأذهان صورة الوحدة الوطنية التي فجّرها الثوار في ستينيات القرن الماضي، وتؤكد أن الجنوب لا يزال على العهد ماضيًا نحو هدفه التاريخي في استعادة الدولة الجنوبية المستقلة ضمن حدود ما قبل 21 مايو 1990م.
عيدروس الزُبيدي.. قائد يستلهم روح أكتوبر
في المشهد السياسي الجنوبي، برز اسم اللواء عيدروس قاسم الزُبيدي كرمزٍ وطني يجسد روح ثورة أكتوبر في رؤيته ونهجه القيادي. فقد استطاع أن يوحّد الصف الجنوبي ويقود مشروع التحرير بواقعية سياسية، متكئًا على إرثٍ نضاليٍ طويل، ومتمسكًا بالثوابت الوطنية التي ضحى من أجلها الشهداء.
تحت قيادته، تحولت فكرة استعادة الدولة من شعارٍ شعبي إلى مشروع مؤسسي متكامل، يضم أذرعًا سياسية وعسكرية وإدارية قادرة على إدارة الأرض وبناء مؤسسات الدولة القادمة. ويعتبر كثيرون أن استمرار الزُبيدي في هذا النهج يمثل استمرارية مباشرة لمسيرة قادة ثورة أكتوبر الأوائل الذين واجهوا التحديات نفسها من أجل كرامة الوطن.
الاحتفالات.. استفتاء شعبي جديد
تشهد محافظات الجنوب، وفي مقدمتها عدن، الضالع، لحج، أبين، شبوة، وحضرموت، استعداداتٍ واسعة لإحياء الذكرى الـ62 لثورة أكتوبر بفعالياتٍ جماهيرية كبيرة.
هذه الفعاليات لا تقتصر على الطابع الاحتفالي فحسب، بل تحمل في طياتها رسائل سياسية وشعبية إلى الداخل والخارج، مفادها أن الجنوب موحد الإرادة والهدف، وأنه ماضٍ في طريقه نحو استعادة سيادته مهما كانت التحديات.
ويؤكد مراقبون أن هذا الحراك الجماهيري الواسع يشكل استفتاءً شعبيًا جديدًا على التفاف الجنوبيين حول مشروع المجلس الانتقالي، وعلى رفض أي مشاريع تتجاوز إرادة الشعب في تقرير مصيره. فالمشهد الذي سترسمه الجماهير في ميادين عدن وحضرموت سيكون بمثابة رسالة للعالم مفادها أن الجنوب اليوم أكثر جاهزية وقدرة على إدارة شؤونه بنفسه.
من الماضي إلى المستقبل.. ثورة لا تموت
الذكرى الـ62 لثورة 14 أكتوبر ليست مجرد عودة إلى صفحات التاريخ، بل هي امتدادٌ حيّ لمعركة لم تنتهِ بعد.
فالثورة التي اندلعت ضد الاستعمار أمس ما زالت مستمرة اليوم ضد محاولات الطمس والتهميش والهيمنة، وإن اختلفت الأدوات والظروف.
لقد علمت التجارب الجنوبيين أن الحرية لا تُمنح بل تُنتزع، وأن إرادة الشعوب هي القوة التي لا تُقهر مهما طال الزمن.
ولهذا، يحرص الجنوبيون على تحويل هذه الذكرى إلى منصة لتجديد العهد على المضي في طريق النضال السلمي والسياسي والعسكري حتى تحقيق الهدف الأسمى: استعادة الدولة الجنوبية المستقلة ذات السيادة الكاملة، على كامل ترابها الوطني ضمن حدود ما قبل الوحدة.
المجلس الانتقالي.. من المقاومة إلى الدولة
نجح المجلس الانتقالي الجنوبي خلال السنوات الأخيرة في بناء مؤسساتٍ سياسية وأمنية وإدارية تمثل نواة الدولة القادمة.
ومن خلال مشاركته في العملية السياسية، أثبت أنه شريك فاعل ومسؤول في جهود السلام الإقليمي والدولي، دون التنازل عن ثوابت القضية الجنوبية.
ويؤكد مراقبون أن تجربة الانتقالي أصبحت نموذجًا في كيفية تحويل المقاومة الشعبية إلى مشروع دولة، مستفيدًا من الإرث الثوري لأكتوبر الذي ألهم أجيالًا من المناضلين على مدى العقود الماضية.
الجنوب في لحظة اقتراب النصر
اليوم، يقف الجنوب على أعتاب مرحلة جديدة من تاريخه، مرحلة يراها كثيرون بأنها مرحلة ما قبل إعلان النصر النهائي.
فبعد سنواتٍ من الصمود والتضحيات، باتت مؤشرات التغيير واضحة، سواء في موازين القوى الميدانية أو في تنامي الاعتراف الإقليمي والدولي بعدالة قضية الجنوب وحقه في تقرير مصيره.
ومع حلول ذكرى أكتوبر، تتجدد مشاعر الفخر والانتماء، ويعلو صوت الجنوب مؤكدًا أن الثورة فكرة لا تموت، وأن النصر آتٍ لا محالة، كما جاء يومًا على يد الثوار الأوائل الذين صنعوا المجد من بين الجبال والوديان.
في الذكرى الثانية والستين لثورة الرابع عشر من أكتوبر، يتجدد العهد بين أبناء الجنوب وتاريخهم المجيد.
فالثورة التي حررت الأرض أمس، تُلهم اليوم مشروع الدولة القادمة، وتغرس في الأجيال الجديدة الإيمان بأن الحرية لا تموت، والوطن لا يُنسى، وأن الجنوب سيظل ماضيًا بثقةٍ نحو فجر الاستقلال والسيادة الكاملة.
انضموا لقناة متن الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا https://t.me/matnnews1
