السيول في عدن: أزمة متكررة تكشف هشاشة البنية التحتية وجسامة التحديات
شهدت العاصمة اليمنية عدن خلال الأيام الماضية موجة سيول جارفة خلفت مشاهد صادمة للغرق وشلل شبه كامل في حركة المواطنين اليومية.
تحولت الشوارع الرئيسية إلى أنهار متدفقة، وغمرت المياه الأحياء السكنية والمحال التجارية، ما كشف بوضوح عن افتقار المدينة لشبكات تصريف مياه فعّالة قادرة على مواجهة الكوارث الطبيعية، وضرورة تدخل عاجل لإصلاح البنية التحتية.
سيول عدن: أبعاد الأزمة الحقيقية
لم تكن هذه السيول حادثًا عابرًا، بل برهانًا حيًا على حجم التدمير الذي أصاب البنية التحتية للجنوب بفعل إهمال ممنهج واستهداف متكرر من قوى الاحتلال اليمنية.
فمنذ سنوات، استخدمت هذه القوى الخدمات العامة كسلاح لإضعاف عدن، عبر إفقارها من المشاريع الحيوية وترك مؤسساتها عاجزة عن أداء أبسط وظائفها، ما جعل المدينة عرضة لمخاطر متكررة مع كل موسم أمطار.
وأدت هذه السياسات إلى أن تتحول مشكلة السيول من كارثة طبيعية إلى أزمة مركبة تزداد سوءًا عامًا بعد عام. فقد أثبتت الأحداث الأخيرة أن حلول الإغاثة المؤقتة أو الحلول الترقيعية لا تكفي، بل تحتاج المدينة إلى إعادة بناء شبكات صرف صحي ومشاريع بنية تحتية متطورة قادرة على مواجهة التغيرات المناخية والأمطار الغزيرة.
البنية التحتية في عدن: إرث من الإهمال
كشفت السيول الأخيرة عن هشاشة البنية التحتية في عدن، وأظهرت مدى تأثر المدينة بعقود من الإهمال والتدمير الممنهج الذي طال شبكات الطرق، ومحطات الصرف الصحي، ومجاري تصريف المياه. فقد تركت هذه السياسات المدينة عرضة للغرق، ما أدى إلى تضرر الممتلكات العامة والخاصة على حد سواء، واضطرابات حادة في الحركة اليومية للمواطنين.
ومع كل موسم أمطار، تتكرر المشاهد نفسها: شوارع تغرق، منازل تتضرر، ومواطنون يدفعون الثمن الأكبر، بينما تظل السلطات عاجزة عن توفير حلول دائمة. هذه الظاهرة لم تكن مجرد خلل فني، بل نتيجة سياسة ممنهجة لتدمير الخدمات العامة وحرمان عدن من مشاريع البنية التحتية الأساسية.
أزمة السيول والسياسات الاحتلالية
تكشف السيول الأخيرة أن المشكلة ليست طبيعية فحسب، بل هي بالأساس نتاج حرب خدمات مركبة استهدفت استقرار الجنوب عبر تعطيل مشاريع البنية التحتية ومنع إنشاء شبكات صرف حديثة.
وقد جعل هذا النهج العاصمة رهينة لأزمات متكررة كل عام، ما يفرض على الجهات المسؤولة إعادة النظر في استراتيجيات التعامل مع الكوارث الطبيعية.
ويتضح أن الحلول المؤقتة أو الترقيعية، مثل ضخ المياه أو تنظيف المجاري بعد كل كارثة، لا تحل جذريًا المشكلة، بل تزيد من تفاقم المخاطر مع كل موسم أمطار جديد. لذلك، فإن المعالجة الجذرية تتطلب تدخلًا سياسيًا وإداريًا يعيد المدينة إلى الطريق الصحيح.
الحاجة إلى إدارة جنوبية فعّالة
أظهرت كارثة السيول الأخيرة أن عدن بحاجة ماسة إلى إدارة جنوبية خالصة تضع خدمة المواطن في أولوياتها، وتعيد الاعتبار لحقه في مدينة آمنة ومستقرة. الإدارة المحلية القادرة على اتخاذ قرارات مستقلة ستتمكن من بناء شبكات تصريف مياه حديثة، وتحسين البنية التحتية، ووضع خطط طوارئ فعالة لمواجهة الكوارث الطبيعية المستقبلية.
وبذلك لن تقتصر جهود المدينة على مواجهة السيول فقط، بل ستمثل خطوة استراتيجية نحو تحقيق الاستقرار والارتقاء بالخدمات العامة، بما يضمن حقوق المواطنين ويقلل الخسائر المادية والمعنوية الناجمة عن الكوارث المناخية.
البعد التنموي لمواجهة السيول
إن إدارة الأزمة بشكل فعّال ليست مجرد عملية إنقاذ عاجلة، بل جزء من رؤية تنموية شاملة تركز على بناء بنية تحتية متينة، وتعزيز قدرة المدينة على مواجهة التغيرات المناخية المستمرة.
فاستثمار الموارد في تطوير شبكات صرف المياه ومشاريع الحماية من الفيضانات يعزز من الأمن المائي، ويقلل الخسائر الاقتصادية، ويحفز النشاط الاقتصادي في المدينة.
كما أن تطوير البنية التحتية يعكس أيضًا استعادة العدالة الاجتماعية للمواطنين، عبر منحهم حق الحصول على مدينة صالحة للعيش، خالية من المخاطر البيئية، وقادرة على مواجهة الطوارئ دون الاعتماد على الحلول المؤقتة أو المساعدات الطارئة.
الحل الحقيقي: استعادة القرار الجنوبي
تتضح معالم الحل النهائي من خلال تحرير الجنوب واستعادة مؤسساته الوطنية، بما يتيح بناء دولة جنوبية قوية تملك القرار والإرادة في مواجهة الأزمات، وإنهاء سياسة حرب الخدمات التي عطلت المدينة لعقود. فإعادة بناء شبكات الصرف الصحي، وتحسين البنية التحتية، وتأمين السياسات المستدامة لحماية المواطنين من الفيضانات والمخاطر الطبيعية يمثل الطريق الأمثل لإنهاء دورة الكوارث المتكررة.
إن معركة السيول في عدن ليست مجرد مواجهة طبيعية، بل معركة وجودية ضد إرث طويل من التهميش والإهمال. وكل خطوة نحو تطوير البنية التحتية وإدارة المدينة بفعالية هي خطوة نحو استقرار الجنوب واستعادة حقوق المواطنين في بيئة آمنة ومستدامة.
السيول الأخيرة في عدن كشفت هشاشة البنية التحتية ومدى تأثير السياسات الاستعمارية السابقة على استقرار المدينة. والحل لا يكمن في الحلول المؤقتة، بل يتطلب إعادة بناء شبكات تصريف مياه حديثة، وتعزيز إدارة محلية جنوبية قادرة على التخطيط المستدام، واستثمار الموارد في التنمية البيئية والحضرية.
فنجاح مواجهة هذه التحديات ليس مجرد إنقاذ المدينة من السيول، بل هو استثمار استراتيجي في مستقبل عدن، وبناء قاعدة قوية لتحويل التحديات إلى فرص تنموية حقيقية تخدم المواطنين وتضمن بيئة آمنة وصحية ومستدامة.
انضموا لقناة متن الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا https://t.me/matnnews1
