مفهوم مصلحي "الشرق والغرب" بين الحرب الباردة والأحداث الحالية
أثناء فترة الحرب الباردة كمواجهة سياسية وإيديولوجية شاملة وأحيانا عسكرية بشكل غير مباشر، دارت أحداثها خلال 1947-1991 بين أكبر قوتين في العالم بعد الحرب العالمية الثانية، هما الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي...كانت وسائل إعلام الغرب وخاصة البريطانية، ومنها BBC، كانت تطلق على هذين المعسكرين الشرق والغرب.
كما حاول وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر إعطاء مصطلح الشرق والغرب بعدا قيميا، وقال "إن ما يجمع الدول الغربية هو اكثر من المصالح، إنه ا مسألة لقاء في المبادئ"، والمقصود ان ما يجمع الغرب هو القيم الديموقراطية.
بينما كان هذا الانقسام في حقيقة الأمر أيديولوجيا وسياسيا وصراع مصالح بين معسكرين، ويمكن أن نستدل على ذلك بما يلي:
أولا: أن الدول الاشتراكية كانت موجودة في الشرق وفي الغرب أيضا (كوبا مثلا ونيكاراجوا)، وكذلك الدول الراسمالية لم تكن فقط في الغرب بل وفي الشرق أيضا (اليابان مثلا وكوريا الجنوبية).
ثانيا: خلال الحرب العالمية الثانية تحالفت الدول الغربية -وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا– مع الاتحاد السوفياتي بدافع الخوف من العدو النازي المشترك.
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ومعسكره الاشتراكي، أصبح مصطلح الحرب الباردة "الشرق والغرب" غير قابلا للاستخدام، حيث استبدله الغرب بمصطلح آخر هو "صراع الحضارات".
وخلال الحرب في اوكرانيا، وبروز الصين كدولة منافسة اقتصاديا على الساحة الدولية، أعيد استخدام مصطلح الشرق والغرب.
والعودة هذه المرة لها مضمون مختلف، فهي وسيلة تستخدمها الاطراف المنخرطة بالصراع للتجييش، وخلق تحالفات قديمة جديدة.
روسيا اليوم هي ألاكثر استخدما لهذا المصطلح، للاشارة أن صراعها مع الغرب، كما وكأنه استمرار لذلك الصراع بين المعسكرين الاشتراكي بقيادة الإتحاد السوفياتي، والرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة.
في واقع الامر ان المعسكرين كانا وما زالا خليطا من الشرق والغرب، صحيح ان حلف الأطلسي هو حلف غربي ولكن انضمت اليه مؤخرا دول من شرق أوروبا، التي كانت جزءا من حلف وارسو سابقا، الذي كان يمتد من ألمانيا الشرقية وحتى كازاخستان شرقا.
الظرف الدولي اليوم هو اشبه بما كان عليه ما قبل الحرب العالمية الثانية وحتى ما كان عليه قبل الحرب الاولى:
مجموعة دول كبرى تتصارع على النفوذ، ولا ينطبق عليها بدقة مصطلح الغرب والشرق، فروسيا بالنسبة للصين هي غرب، كما ان هناك شرق ضد شرق في آسيا تحديدا، اليابان وكوريا الجنوبية ضد كوريا الشمالية، وحلف استراليا واليابان وتايون المتحالفين مع الولايات المتحدة ضد الصين.
وفي الغرب كوبا وفنزويلا حليفة لروسيا والصين، أما إفريقيا فالصراع بين كل المعسكرات يدور في القارة السمراء، التي كانت على امتداد عقود وما زالت منجما للدول الصناعية الغربية.
ملخص القول إن خريطة الصراعات والتحالفات ليست بالضبط شرقا وغربا كجغرافيا، بل الأدق هي صراع على النفوذ بين الدول الكبرى، وهي تحالفات قد تتغير وتتبدل انطلاقا من رؤية هذه الدول لمصالحها.
