في ذكرى تحرير الضالع.. كيف شكلت شخصية الزبيدي القيادية قدرته على تحمل المسؤوليات؟
بدأت أولى ملامح الحراك الثوري الجنوبي التحرري في تبلور تشكيلات وتنظيمات مهنية واجتماعية وسياسية كان أبرزها جمعية المتقاعدين العسكريين الجنوبيين، التي مثّلت الطليعة الثورية ومهدت الوعي الوطني الجنوبي نحو التحرير وتقرير المصير للارض والانسان. تحوّلت هذه التنظيمات إلى حاضنات شعبية الجنوبية للعمل الثوري، اتسع نطاقها ليشمل الخارطة الاجتماعية والقبلية والمناطقية في الجنوب كافة، وانطلقت شرارة الحراك الجنوبي السلمي من المكلا عاصمة حضرموت، وصولًا إلى عدن، التي تحولت إلى المركز الحيوي للثورة السلمية التحررية، وأصبحت وقتذاك نموذجًا للمقاومة السلمية في المنطقة العربية على عكس ما سميت بثورات الربيع العربي كونها تمثل ارادة شعب وثورة تحرر وطني لبلد كان يتربع في مصافي الدول العربية في كل الجوانب وكان دولة مستقلة لها مقدها في الجامعة العربية والامم المتحدة وله رايته وهو يته وحدوده التعارف عليه دوليا قبل عام 1990 م لكنه وقع تحت احتلال همجي ارهابي.
بدأت شعارات النضال الجماهيري التحرري الجنوبي، وتطورت تدريجيًا لتشمل المطالبة بوقف النهب المنظم للثروات وانتهاك الكرامة والقيم والهوية والتاريخ، وصولًا إلى المطالبة بحق تقرير المصير واستعادة الدولة الجنوبية. وأمام هذا التحول البنيوي في وعي الشارع الجنوبي، تطورت البنية التنظيمية والإعلامية والسياسية للحراك، حتى تم الإعلان بشكل منظم وعلني عن تأسيس "الحراك الجنوبي السلمي" كإطار جامع ومشروع سياسي وطني تحرري كبير.
هذا التقدم في الحراك السلمي قابله تصعيد قمعي من قبل نظام الاحتلال اليمني، استخدم فيه كافة أدوات القمع، بدءًا من الإرهاب الممنهج والاغتيالات والاعتقالات، وصولًا إلى توظيف الجماعات الإرهابية والأدوات السياسية المرتبطة بالاحتلال في محاولات لتفتيت الصف الجنوبي وكبح ارادته. غير أن هذه السياسات أوجدت حالة من الوعي بضرورة تطوير أدوات المقاومة، والانتقال من النضال السلمي إلى الجمع بينه وبين العمل المقاوم المسلح، وهذا ما كان متوفرا من خلال ابطال تمسكوا بخيار الكفاح المسلح وبما توفر من امكانيات وهؤلاء هم الطليعة الفدائية المؤسسة من ضباط جيش الجنوب الأول بقيادة الرئيس عيدروس بن قاسم الزبيدي وقتذاك وفي كل المراحل النضالية التي تتوجت بتأسيس المقاومة الجنوبية ومن ثم القوات المسلحة الجنوبية.
عقب الاحتلال للجنوب صيف 1994م، شهدت الضالع مواجهات شبه مستمرة بين ابنائها وقوات الاحتلال، تصاعدت مع تنامي الاعتقالات التعسفية والملاحقات الأمنية لعناصر الحراك. وفي ظل هذه البيئة، برزت الحاجة إلى تنظيم مسلح يتولى الرد والدفاع، وكانت الضالع مهد ولادة حركة "حتم" بقيادة الرئيس عيدروس قاسم الزبيدي ومعه عدد من الابطال العسكريين الجنوبيين، والتي بدأت بتنفيذ عمليات نوعية ضد قوات الاحتلال قبل ان انطلاق الحراك السلمي التحرري الجنوبي .
شكلت شخصية اللواء عيدروس الزبيدي القيادية وتاريخه النضالي والعسكري ونشاطه وايمانه المطلق بخيار الكفاح المسلح وقدرته على تحمل المسؤوليات والاتصال والتواصل بزملاء السلاح من مختلف محافظات الجنوب ركيزة محورية على تطور خيار الكفاح المسلح الجنوبي وتوسع نطاقه واثبات اثره واهميته للخلاص من احتلال جعل من الارهاب اداته الاولى في مواجهة العنفوان الثوري التحرري الجنوبي
كما أسهم التقاعد والتسريح القسري لضباط الجنوب ودور المغتربين ورجال الأعمال في هذا التطور حيث تم إنشاء معسكرات تدريب سرية لتأهيل شباب المقاومة الجنوبية على فنون حرب العصابات والمواجهات المفتوحة باشراف مباشر من قبل قائدها عيدروس الزبيدي وساهمت النجاحات العسكرية المبكرة للمقاومة وقبلها حركة "حتم" في رفع المعنويات وبث الرعب في صفوف جنود الاحتلال، كما خلقت قناعة راسخة لدى شعب الجنوب بقدرة المقاومة الجنوبية على مواجهة المحتل وهزيمته.
مع تطور القدرات التنظيمية والتسليحية للمقاومة الجنوبية، تم الانتقال إلى مرحلة متقدمة من المواجهة، تمثلت في فرض حصار شامل على المعسكرات التابعة لقوات الاحتلال داخل مديريات الضالع، وجعل مواقعها وثكناتها العسكرية التي نشرتها في المرتفعات ومناطق التحكم والسيطرة هدف دائم لنيران واغارات المقاومة الجنوبية ومع استمرار ضربات المقاومة. فشلت قوات الاحتلال من حماية مواقعها رغم استخدامها الارض المحروقة في استهداف التجمعات السكنية والاعيان المدنية في مدينة الضالع وكذلك ردفان، وبدأت في البحث عن وساطات لوقف القتال، وهو ما قوبل بالرفض من قبل المقاومة الجنوبية، التي وضعت قوات الاحتلال أمام خيارين: الانسحاب الكامل أو الهلاك.
ردًا على ذلك، لجأت قوات الاحتلال إلى القصف العشوائي على المدن والقرى واستهداف المدنيين بغرض خلق نقمة شعبية على المقاومة الجنوبية، لكن العكس هو ما حدث، إذ زادت تلك الجرائم من التلاحم الشعبي حول المقاومة الجنوبية بقيادة مؤسسها عيدروس الزبيدي، وتولدت ردود فعل انتقامية أثقلت كاهل المحتل وفرضت عليه واقعًا جديدًا.
بحلول عام 2012م، كانت المقاومة الجنوبية قد نجحت في فرض معادلة عسكرية جديدة على الأرض، منعت بموجبها حركة التنقل العسكري بين عدن ردفان يافع والضالع، وتم عزل المعسكرات في مناطق نائية، واضطرت قوات الحتلال إلى سحب قواتها من المواقع الانتشار إلى معسكرات عبود والجرباء ومعسكر الامن المركزي ومعسكرات اخرى على تخوم مدينة الضالع. فيما ظلت الكثير من المرتفعات الجبلية المحيطة بالمدينة تحوي ثكنات ومواقع عسكرية معززة بمختلف الاسلحة منها الدبابات والمدفعية والمقذوفات الصاروخية عوضا عن شبكة نارية من السلاح المتوسط ونقاط القناصة
في عام 2013م، نُقل القائد العسكري المجرم "عبدالله ضبعان" إلى الضالع، وهو أحد أبرز رموز القمع الدموي لنظام صنعاء، وتم تعزيز قواته فيما بعد بقوة يعادل قوامها تقريبا بخمس كتائب حوثية منها ما سميت بكتيبة الموت التي معظم عناصرها من الذين شاركوا في حروب صعدة، شرع المجرم ضبعان منذ اللحظات الأولى في محاولة إعادة السيطرة بالقوة. وأمام خسائره المتكررة، ارتكب مجزرة مروعة في منطقة سناح، بقصفه مخيم عزاء بقذائف الدبابات، راح ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى، مما فجّر الغضب الشعبي في الضالع والجنوب بشكل عام وأثار استنكارًا دوليًا واسعًا.
هذه المجزرة لم تكن مجرد جريمة، بل لحظة فاصلة، جعلت من خيار المقاومة الجنوبية المسلحة السبيل الوحيد للتحرير. ولم تمر سنوات حتى توّجت هذه التضحيات بمعركة تحرير الضالع الكبرى في ال 25 مايو 2015 م، التي أسدلت الستار على وجود قوات الاحتلال في هذه المحافظة الحرة، لتبدأ مرحلة جديدة من الكفاح الوطني على امتداد تراب الجنوب تكلل بطرد المليشيات الحوثية الارهابية وإلحاق هزيمة ساحقة بالمشوع الايراني بالمنطقة ولعب دعم واسناد دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة دورا محوريا في هذا النصر المؤزر.
انضموا لقناة متن الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا https://t.me/matnnews1
