كيف كان إعلان فك الارتباط في عام 1994 ردًّا طبيعيًا على حرب اجتياح شاملة ضد جنوب اليمن؟
#الذكرى_31_لفك_الارتباط.. لم يكن هذا الإعلان قرارًا عابرًا أو نزعة عاطفية، بل كان تعبيرًا واعيًا وموثقًا عن إرادة شعب تكالبت عليه مشاريع التهميش والإقصاء، بعد وحدة مشؤومة مثلت حالة احتلال ممنهج أنهكت مؤسسات الدولة الجنوبية وسلبت قرارها وثرواتها.
حين دخل الجنوب في الوحدة في عام 1990، قدم بحسن نية دولة قائمة بكل مقوماتها مؤسسات، سيادة، كفاءة إدارية، ونظام حكم مدني منظم.
غير أن ما حدث بعد ذلك مثّل انحرافًا جذريًا عن مسار التفاهمات التي قامت عليها الوحدة، فما لبثت أن تحوّلت إلى وحدة قسرية، أفرغت من مضمونها، وتحولت لاحقًا إلى ذريعة لبسط النفوذ العسكري لترسيخ الاحتلال، وتصفية الشراكة السياسية.
وبالتالي، كان إعلان فك الارتباط في عام 1994 ردًّا طبيعيًا على حرب اجتياح شاملة استخدمت فيها القوة العسكرية لإسقاط الجنوب كيانًا ودولة وهوية.
تلك الحرب لم تكن سوى تتويج لمسار طويل من الاستفزازات السياسية والاغتيالات المنظمة والتضييق على القيادات الجنوبية، وصولًا إلى إقصاء تام من مفاصل الدولة.
ولم يكتف الطرف اليمني بذلك، بل تعامل مع الجنوب كثروة مستباحة، وليس كشريك سياسي، فبدأت عملية ممنهجة لنهب ثرواته النفطية، وتدمير بناه التحتية، وإحلال الولاءات بدل الكفاءات.
لقد تكبد الجنوب ويلات تلك المرحلة في كل المجالات، فعلى الصعيد الاقتصادي أُفقرت المناطق الجنوبية عمدًا، وسُخّرت عائداتها لطبقات نافذة في صنعاء.
سياسيًا، أُقصيت النخب الجنوبية من مراكز القرار. وأمنيًا تحولت المؤسسات الأمنية إلى أدوات قمع، كما أُفرغت المؤسسات العسكرية من كوادرها لصالح مليشيات لا تنتمي للمنظومة الوطنية.
اجتماعيًا، تكرست حالة من التمييز الممنهج، فصارت الهوية الجنوبية مستهدفة، والثقافة الجنوبية مهمشة، والتاريخ يُعاد تشكيله ليتوافق مع الرواية المنتصرة عسكريًا.
لقد مارست صنعاء كل ما يمكن أن يُصنّف دوليًا تحت عنوان "الاحتلال العسكري" للجنوب، ما يجعل من استعادة الدولة الجنوبية اليوم حقًا مكفولًا بموجب القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، الذي يضمن حق الشعوب في تقرير مصيرها، خاصة حين تتحول الشراكة إلى استعباد، والتعايش إلى إخضاع.
مشروعية فك الارتباط ليست فقط مستندة إلى تجربة مريرة، بل إلى واقع سياسي متغير يؤكد أن الجنوب كان ولا يزال يحمل مشروع دولة متكاملة، قادرة على النهوض وتحقيق الاستقرار، إذا ما أُتيحت لها السيادة على أرضها وإدارة ثرواتها دون وصاية.
يأبى شعب الجنوب العربي الخضوع لمساومات قوى الاحتلال اليمني، للعودة عن مسار استعادة دولته الفيدرالية كاملة السيادة.
في ظل هذا السياق التاريخي المتراكم، تبرز اليوم ازدواجية خطيرة تمارسها بعض الأطراف الشمالية باليمن النافذة في مجلس القيادة الرئاسي والحكومة.
فهذه الأطراف تتحدث ليل نهار عما تسميها "الشراكة الوطنية"، لكنها عمليًا ترفض الاعتراف بأي من حقوق الجنوب، لا سياسيًا ولا عسكريًا ولا اقتصاديًا.
فما يُمارس اليوم من قبل بعض القوى اليمنية داخل منظومة السلطة لا يعكس شراكة حقيقية، بل يُعيد إنتاج نفس السياسات التي فجّرت الوحدة المشؤومة ثم مزّقت نسيجها.
فتلك التيارات تتعامل مع الجنوب على أنه "جغرافيا تابعة" لا كطرف سياسي وشعبي له قضية وهوية وحقوق واضحة ومشروعة لا يمكن ولن يتم التنازل عنها.
فبينما شارك المجلس الانتقالي الجنوبي ضمن مجلس القيادة الرئاسي كجزء من عملية السلام، يُلاحَظ أن قرارات مصيرية لا تُتخذ بروح التوافق، بل تُمرّر عبر تحالفات مناطقية وحزبية يمنية تحاول استعادة الهيمنة القديمة.
تجلى هذا الأمر بوضوح في محاولات تعيين قيادات أمنية وعسكرية في مناطق جنوبية دون التنسيق مع القوى الجنوبية، ما يُعدّ تجاوزًا فاضحًا لواقع التوازن ومفهوم الشراكة.
من بين الأمثلة كذلك استمرار العبث بالثروات السيادية في حضرموت وشبوة عبر شركات نفطية تخضع لنفوذ قوى نافذة يمنية، مع إقصاء الجنوب من القرار الاقتصادي والرقابة.
ليس استثناء أيضًا أن هناك تجاهلًا متعمّدًا لمطالب توحيد المؤسسات المالية والإدارية بما يضمن تمثيلًا حقيقيًّا للجنوب، في الوقت الذي تُستخدم فيه إيرادات الجنوب خارج إطار التنمية المحلية.
على الأرض، تتحدث الأطراف اليمنية عن وحدة الصف وعن مشروع وطني شامل، لكنها في الوقت نفسه تُطلق إعلامها وأبواقها في حملات ممنهجة ضد المجلس الانتقالي الجنوبي، وتصور تطلعات الجنوب كتهديد بدلًا من أن تراها كجزء أساسي من الحل.
الأكثر من ذلك أن هناك من يرفض حتى الاعتراف بقضية شعب الجنوب كقضية وطنية تستحق الحل، بل يتعامل معها كمشكلة أمنية أو مطالب خدمات، في استعلاء واضح على تطلعات ملايين الجنوبيين الذين يطالبون بحريتهم وحقهم في تقرير المصير.
شعب الجنوب جرّب كثيرًا وعود الشراكة وذلك على مدى عقود، وكانت النتيجة حروبًا وإقصاءً ونهبًا واحتلالًا مقنعًا. واليوم، في ظل التجارب القائمة، بات الجنوبيون أكثر وعيًا بأن أي مشروع سياسي لا يعترف صراحة بحق الجنوب في استعادة دولته هو مشروع مشبوه ومرفوض.
انضموا لقناة متن الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا https://t.me/matnnews1
